هل يمكن «الاحتيال» على الدستور؟!

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
تشير جميع الردود القانونية إلى أن مجلس النواب فاجأ في مايو الجاري حتى أعضاء البرلمان بطرح التعديلات القانونية التي ادخلتها السلطة التنفيذية على المادتين رقم 104، 105 من القانون رقم1 لعام 1991 بشأن السلطة القضائية، وإدخال اضافات على المادتين (104، 105) في المسائل المتعلقة برئاسة مجلس القضاء الاعلى ونظام التعيين فيه.

المشكلة أن مضمون تلك التعديلات لا يتفق مع الدستور اليمني.. فالمادة (149) منه تنص على أن «القضاء سلطة مستقلة قضائياً ومالياً وإدارياً» والقضاء حسب المادة (150) «وحدة متكاملة»، إذن لماذا يجرى التعيين في أعلى سلطاته «مجلس القضاء الاعلى»؟! وما يحز في النفس أن مجلس النواب الذي يفتقر إلى حد كبير إلى الكوادر القانونية والفقهاء في التشريع نجده يوافق على مشاريع قوانين تتناقض تماماً مع الدستور، ونحن نطالب لجنة الشؤون القانونية في مجلس النواب بأن تطابق قانون تنظيم المظاهرات والمسيرات والتعديلات القضائية الأخيرة مع الدستور، فالقانون لا يتوافق مع الدستور جملة وتفصيلاً، أما التعديلات الأخيرة في قانون السلطة القضائية فوجودها لا يغير من بنود القانون شيئاً. وكان ينبغي للتعديلات الأخيرة سالفة الذكر أن تصبغ محتوى واضحاً على المادتين (149) و(150) من الدستور.. وقيام المظاهرات والمسيرات ينظم بناءً على الحصول على ترخيص بذلك وليس بمجرد الإشعار، وهنا ينحصر تناقضه الرئيسي مع الدستور.. وهذا القانون عرقل كثيراً من القوانين بما فيها قانون حقوق وواجبات قوات الأمن الداخلي.. وقد رأينا أن التعليمات الممنوحة لهذه القوات في ملاحقة الناس تتناقض مع أكثر من عشرين مادة من الدستور (المواد 41- 61) (حقوق وواجبات المواطنين الاساسية).

وإذا أتينا إلى مشروع قانون الصحافة الاخير، الذي تسرب بقدرة قادر ونوقش عبر الصحافة علناً وداخل غرف السلطة سراً نجد أنه نوقش مناقشة حية فدافع عن حرية الصحافي والرأي والتعبير في البداية عشرات ثم مئات المواطنين برسائلهم. وبدأ موقف السلطات أخيراً يتغير، حتى وأن لم تلبِّ مطالبنا حتى الآن.. وهناك عشرات القوانين الأخرى المخالفة للدستور. وإذا لم يتخلّ مجلس النواب فعلاً عن سن مثل هذه القوانين المتناقضة مع بعضها ومع الدستور فسيعني ذلك دون شك نحر الديمقراطية. لقد تعلمنا مسؤولية المواطنة واتساع النظرة إلى بعضنا البعض وتحرر الفكرة، ولكن النزعة الإدارية مازالت تقبض على سلطة واسعة جداً، ولا يستطيع أحد أن يحاسبها أمام الرأي العام بفعل القوانين المخيبة للآمال التي يصدرها مجلس النواب.

وإذا كان أساس الديمقراطية هو ضمان حقوق المواطنين وحماية الحقوق والحريات، فأين النظام القانوني الذي يعبر عن هذا الأساس الديمقراطي؟! وإذا كان تحقيق العدالة بين المتقاضين هو جوهر رسالة القاضي، فإن تنفيذ أحكام تلك العدالة هو جوهر مسؤولية الحكم، وبتنفيذ رسالة القاضي وحده تصان القيم وتستقر المواطنة المتساوية، ويبقى شعور المواطن بالانتماء لوطنه فالمحاكم الجزائية في محافظات الجنوب - مثلاً- لا تمارس اختصاصاتها في المنازعات بين المواطنين الذين نهبت أملاكهم والمتنفذين الذين يمارسون قانون القوة، أي أن القضاء لم يعد حكماً بين أطراف الحياة الاجتماعية والسياسية. مع أن مهمة القاضي في أي زمان ومكان هي تطبيق قاعدة دستورية على نزاع معروض أمامه دون تفرقة بين المتخاصمين وإلا أصبحت الدولة بوليسية والأحكام صورية.

وطبقاً لمبدأ الشرعية الدستورية يجب ألا تخالف المواد القانونية القواعد الدستورية، ولكن تشريعاتنا بما فيها الدستور تفتقد أبسط قواعد الرقابة على دستورية القوانين، ولا يمتلك القاضي حق الامتناع عن تطبيق القانون غير الدستوري، ولا يطبقه على القضية المنظورة أمامه. وقد أخذت بذلك المبدأ الاردن وكذلك السودان وتمارس في مصر العربية عبر المحكمة الدستورية العليا وفي كل البلدان الديمقراطية المتطورة.

ونحن، وانطلاقاً من الدستور نرفع - عبر الرأي العام - بعدم دستورية تثبيت المقتحمين لمنازل وأراضي المنهزمين في حرب 94م .. وذلك في عدة قضايا ففي قضية العقيد علي محمد النقيب والمتهم فيها أحد المقتحمين لمنزله في صلاح الدين، نؤكد عدم دستورية تثبيت المقتحم وتعويض المالك. ونطرح هنا تساؤلاً: هل يقصد من ذلك أن المواطن يحق له اقتحام أملاك غيره من المواطنين إذا كان يمتلك قانون القوة؟! أم قُصد من ذلك إباحة النهب في حق من يطلق عليهم بـ «الانفصاليين؟!» إننا بذلك نجد انفسنا أمام تفسيرين: أحدهما واسع والثاني ضيق.

وينطلق التفسير الواسع من خلال البحث عن الغاية التي استهدفت من إباحة نهب الأراضي واقتحام مساكن المواطنين من قبل المكلف بحماية الوحدة.. الوحدة التي لا يجوز دستورياً أن ترتبط بفئة واحدة من المواطنين دون أخرى، بمعنى أن تكون الملكية فيها مصانة وحقاً لا يجوز نزعه تحت أي مسمى.. حتى لو كان المالك من المنهزمين في حرب 94م، وهنا نجد أن القرار الإداري في حل قضايا المقتحمين بالقوة حوّل جريمة الاستيلأ على أملاك الغير بالقوة من جريمة جنائية إلى حق شرعي.. وهذا يؤدي إلى نسف القواعد الدستورية بالكامل.. ويعد هذا القرار الإداري تحصيناً للناهب والمقتحم من الخضوع لسيادة الدستور ونصوص القانون، ويمثل إخلالاً بالوحدة وتشريعاتها.. أما التفسير الضيق فينطلق من أنه بالنظر لنتائج حرب 94م التي حرصت على المصالح الشخصية للمتنفذين وغلبها على المصلحة الوطنية فإن تعرية ما يشوب سلوك الناهبين والمقتحمين من أخطاء وجرائم عبء على جميع أبناء الوطن، وليس فقط أبناء محافظات الجنوب.

وليس هناك أوضح من الآثار التي نجمت عن نهب الأراضي واقتحام مساكن المواطنين. فنجد أن المقتحم لأملاك الغير يتمتع بأسباب الإباحة العامة (النهب العام) التي لم يكفلها الدستور ولا النصوص القانونية، ولا يستطيع القائم بهذه الجرائم الهروب من العقاب.. لأن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. وحتى المشتري لأراضي الملاك بأبخس الأثمان ايضاً لا يستند إلى أي قانون ولا إلى أي شرع كون البيع يخالف حق الحماية التي يقرها الدستور، وذلك من خلال ما انطوى عليه هذا «الاحتيال» على الدستور بعدم دستورية نص البيع أو التعديل القانوني في حدود اشخاص معينين وحدهم دون غيرهم من الاشخاص المتساوين معهم في الدستور والقانون ذاته.

ولنقطع الطريق على محاولات المتنفذين لأن يتحول إصلاح القضاء وحماية القانون والدستور إلى مجرد شعارات، وليتسع صدر الحكومة لسماع ما لا يرضيها من أجل حماية الدستور وحقوق الانسان

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى