قصة قصيرة بعنوان (سفسطائية)

> «الأيام» عبدالعزيز عباس:

> اجتمع حشد من الناس حول بئر قديمة يتصايحون فيما بينهم، ويتبادلون الاتهامات والمشاحنات وكلماتهم الغاضبة تتداخل فيما بينها بعصبية وحدة منقسمون إلى فرق عدة.. مرَّ شيخ بجانبهم متدخلاً متسائلاً:

- ماذا يجري هنا أيها السادة بحق الله؟!

تطوع أحدهم بالرد والخوف والقلق باديان على وجهه:

- هناك رجل يغرق يا سيدي..

سأل الشيخ بدهشة وعتاب:

- وماذا تفعلون أنتم هنا إذاً؟!

- جئنا لإنقاذه..

- ولماذا لا تفعلون ذلك؟ لماذا تتصارعون إذاً؟!

تدخل رجل آخر بحدة مشيراً إلى الفرق الأخرى أمامه:

- هؤلاء وهؤلاء وأولئك يسعون إلى عرقلة العملية أيها الشيخ.

احتج شخص من إحدى الفرق المتصارعة مدافعاً عن فريق:

- نحن! أم أنتم وهؤلاء؟!

احتدم النقاش مرة أخرى وتبادل الجميع الاتهامات.. صاح الشيخ متدخلاً بغضب هذه المرة:

-اهدؤا بالله عليكم! ماذا تفعلون؟! الأولى بكم أن تنحوا بمنازعاتكم الصبيانية هذه جانباً وتتّحدوا معاً لإنقاذ الرجل قبل أن يفقد حياته.. إذا لم يكن قد مات فعلاً.. تباً لكم.. ألا تخجلون من أنفسكم.

ذهب الشيخ حال سبيله غاضباً وتركهم يتبادلون نظرات العتاب فيما بينهم وأمارات الخجل بادية على وجوههم.. وقبل أن يشمروا عن سواعدهم للبدء بعملية الإنقاذ، دار بينهم نقاش بدأ هادئاً حول توزيع المهام فيما بينهم ودور كل فريق في عملية الإنقاذ.. ارتفعت حرارة النقاش شيئاً فشيئاً، ثم احتدم أكثر حتى بلغ ذروته.. رجل محايد كان يقف على مقربة منهم، حاول جاهداً أن يهدئ من ثورة غضب الجميع وبعد جهد جهيد نجح في السيطرة على الموقف مقترحاً لهم بأن يستمعوا إليه حتى يساعدهم في توزيع المهام فيما بينهم، وكل ما عليهم هو أن يوافقوا إذا أرادوا حقاً إخراج الرجل من البئر إنقاذاً لحياته.. أخذوا يستمعون إليه وهو يوزع المهام فيما بينهم محدداً كل فريق بمهمته قائلاً:

- مهمتكم أنتم تنحصر في رمي الحبل إلى الرجل في الأسفل ثم جذبه إلى أعلى البئر.. وأنتم سيكون عليكم استقبال الرجل وسحبه إلى الخارج..أما أنتم فسوف تهتمون بإجراء الإسعافات الأولية اللازمة له.. والفريق الرابع مهمته الإسراع بالتواصل مع جهات الاختصاص أو السلطات المسئولة لنقله إلى أقرب مستشفى .. ما رأيكم؟ إما أن توافقوني وتنقذوا المسكين الذي لا ندري ما حالته.. فالموت لن ينتظر حتى تنهوا نزاعكم.. أو فاتركوه يواجه مصيره لوحده، وليذهب كل منكم حال سبيله.

وافق الجميع على ذلك المقترح، وهنا شمروا عن سواعدهم وكل فريق بدأ استعداده للقيام بالمهمة بعزيمة كبيرة وهمة عالية.. توقفوا.. هالات الارتباك والاضطراب والخيبة المريرة سيطرت على الجميع.. اكتشفوا أنهم لا يملكون من وسائل الإنقاذ شيئاً.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى