الذكرى السادسة لمعاهدة الحدود الدولية اليمنية - السعودية .. إرساء مبادئ علاقة ودية صادقة وفتح قنوات التواصل نحو مستقبل مشرق

> د. محمد أحمد العبادي:

>
د. محمد أحمد العبادي
د. محمد أحمد العبادي
شهدت مدينة جدة السعودية في الثاني عشر من يونيو 2000م، مراسيم توقيع المعاهدة الدولية البرية والبحرية بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية، وبهذه المعاهدة تكون اليمن قد أغلقت ملف الحدود إلى الأبد مع دول الجوار الشقيقة والصديقة، وبدأ عهد جديد في علاقات اليمن بجيرانها، لا سيما الجارة الكبرى الشقيقة المملكة العربية السعودية، تتعزز من خلالها أواصر المحبة والاخاء، والقيام ببناء جسور متينة من التعاون وتبادل المنافع في شتى جوانب الحياة.

ومعاهدة بهذا المستوى وبهذه الأهمية، لا بد أن تكون سبقتها مؤشرات مشجعة، ساهمت في تعبيد الطريق أمام البلدين للوصول إلى هذه المعاهدة أهمها ما يلي:

1- مذكرة التفاهم 1995م:

في العاشر من يناير 1995م، اندلع توتر شديد في أقصى الحدود الشرقية الشمالية اليمنية، في منطقة الخراخير، ومن أجل نزع فتيل هذه الازمة الحدودية والتوسط المصري - السوري المشترك لإعادة الأوضاع الحدودية إلى ما كانت عليه قبل العاشر من يناير 1995م، فتح الباب مرة أخرى أمام التفاوض، وصولاً إلى حل وسط يرضي الطرفين، وبالفعل اتجه الطرفان إلى أسلوب التفاوض الثنائي، وكان هذه المرة على مستوى القمة، حيث وصل فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح، على رأس وفد رفيع المستوى إلى السعودية للالتقاء بالعاهل السعودي المرحوم فهد بن عبدالعزيز وأخيه ولي العهد - حينها - الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وتمخض عن هذه الاجتماعات التوقيع في مكة المكرمة على مذكرة التفاهم في 26 فبراير 1995م، والتي كانت من أهم الخطوات التي ساهمت في تعبيد وتهيئة الطريق أمام معاهدة جدة الدولية، بل وأصبحت جزءا لا يتجزأ منها.

2- لقاء الرئيس علي عبدالله صالح بأخيه الأمير سلطان بن عبدالعزيز آل سعود في منتجع «كومو» في شمال إيطاليا في شهر سبتمبر 1997م، والذي توصلا فيه إلى تعيين خط ودي للحدود غير المرسمة بين البلدين، ابتداءً من جبل الثأر في الغرب وهي آخر نقطة وصلت إليها معاهدة الطائف (1934م)، وانتهاء بنقطة التقاء حدود البلدين مع سلطنة عمان عند تقاطع دائرة العرض 19 درجة شمالاً مع خط الطول 52 درجة في الشرق. وبناء على ذلك فقد أطلق على هذا الخط (خط كومو).

3- زيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز (حينها كان ولياً للعهد) لصنعاء، على رأس وفد سعودي كبير ورفيع المستوى للمشاركة في احتفالات بلادنا بالذكرى العاشرة للوحدة اليمنية، وقد كانت لهذه الزيارة وبهذا المستوى دلالات كبيرة، نالت تقدير واستحسان اليمنيين.

توقيع المعاهدة

وقعت الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية في 10/3/1421هـ الموافق 12/6/2000م، على معاهدة جدة الحدودية الدولية وملحقاتها التي تشمل ما يلي:

1- معاهدة الحدود الدولية البرية والبحرية بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية.

2- الإحداثيات الجغرافية لمواقع العلامات المنصوص عليها في تقارير الحدود الملحقة بمعاهدة الطائف.

3- إحداثيات خط الحدود من جبل الثأر حتى نقطة تقاطع دائرة العرض 19 درجة شمالاً مع خط الطول 52 درجة شرقاً.

4- خط الحدود البحرية بين الجمهورية اليمنية والمملكة العربية السعودية.

5- معاهدة الحدود الدولية بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية حول تنظيم حقوق الرعي وتحديد تموضع القوات المسلحة على جانبي الجزء الثاني من خط الحدود المشار إليه في المعاهدة، واستغلال الثروات الطبيعية المشتركة على طول خط الحدود البرية الفاصل بين البلدين.

وبعد تحليل المعاهدة الدولية للحدود اليمنية - السعودية، تتضح عدة مؤشرات نوردها على النحو التالي:

1- لأول مرة منذ ما يقارب سبعين عاماً، منذ تأسيس المملكة العربية السعودية، يتم تحديد خط حدود فاصل ودائم ونهائي بين المملكة العربية السعودية والجمهورية اليمنية.

2- يتضح من المعاهدة أن خط الحدود النهائي تم تجزئته إلى ثلاثة أجزاء:

أ - خط تم الاتفاق عليه مسبقاً (خط معاهدة الطائف 1934)، والذي يبدأ من النقطة البرية على ساحل البحر الأحمر وحتى جبل الثأر.

ب - خط كومو، وهو الخط الجديد الذي حدد في المعاهدة، والذي يبدأ من جبل الثأر وحتى نقطة التقاء الحدود اليمنية - العمانية - السعودية. وهي الحدود التي كانت بين المملكة العربية السعودية واليمن الجنوبي (جمهورية اليمن الديمقراطية) سابقاًً.

ت- الخط البحري، الذي يبدأ من ساحل البحر الأحمر وحتى نهاية الحدود البحرية.

3- في حالة وقوع أي من الإحداثيات الجغرافية على قرية أو مجموعة قرى أحد الطرفين، فإن الاحتكام في تبعية ذلك، يعود إلى انتمائها لأحد الطرفين، وفي ضوء ذلك يتم تعديل مسار الخط.

4- تم تكليف شركة دولية متخصصة لإعداد علامات الحدود كاملة (294 علامة) حدود الجزء الثاني التي لم ترسم من قبل، وهي الحدود من جبل الثأر وحتى نقطة التقاء حدود اليمن وعمان والسعودية، وكذلك الحدود التي رسمت بناء على معاهدة الطائف، لا سيما بعد اندثار وضياع بعض العلامات فيها. وقد تم الاتفاق مع الشركة الألمانية «هانز الوفت بيليد»، وهي الشركة نفسها التي قامت بجميع اعمال ترسيم الحدود اليمنية - العمانية.

5- تطابق المادة الرابعة لمعاهدة جدة مع ما جاء في المادة الخامسة لمعاهدة الطائف المتعلقة بإخلاء المواقع العسكرية. أما خط حدود الجزء الثاني فقد تم الاتفاق على وجود منطقة منزوعة السلاح بعرض 40 كيلومتراً، تتواجد خلفها قوات البلدين على بعد عشرين كيلومتراً من خط الحدود المتفق عليه، وفي عمق أراضي كلا البلدين.

6- في حالة اكتشاف ثروة طبيعية مشتركة على طول خط الحدود، سيتم استغلالها من قبل الطرفين بصورة مشتركة.

7- يبلغ طول الحدود البرية اليمنية - السعودية 1280 كيلومتراً، ابتداءً من ساحل البحر الأحمر غرباً، وحتى نقطة التقاء دائرة العرض 19 درجة شمالاً مع خط الطول 52 درجة شرقاً، عند ملتقى الحدود اليمنية - العمانية - السعودية شرقاً.

أبرز دلالات المعاهدة

1- من المعلوم أن الشكل الدائري أو القريب منه، المندمج الملموم، هو أفضل اشكال الدولة إذ أن الشكل الدائري للدولة يجعل حدودها أقصر من مساحتها، مما يجعل الهجوم عليها أو غزوها أمراً صعباً. وحسب مقياس (باوندز) فإن مؤشر العلاقة بين إجمالي الحدود اليمنية والحدود المثالية لدائرة هو (136%)، فإن هذا المؤشر يدل على أن الشكل العام لحدود الجمهورية اليمنية حسن الاندماج، ويقرب من الشكل الدائري الى حد ما. ولا توجد نتوءات من الدولة متداخلة في أجسام دول الجوار، وبالمثل تقريباً، إلا أن طول الحدود البرية والبحرية يشكل عبئاً دفاعياً على الدولة.

2- كان النزاع الحدودي اليمني - السعودي طويل الأمد، والاتهامات متبادلة بين الطرفين، كل ذلك جعل البلدين يخسران الكثير مادياً وبشرياً، وهذا الاتفاق جاء ليوقف ذلك النزيف، ويوجه كل تلك الثروة المهدورة بسبب النزاع نحو التطوير والتنمية الاقتصادية في كلا البلدين.

3- إن الخروج بهذه المعاهدة والاتفاق على الحدود بصورة نهائية، سيعمل على إظهار إمكانية التكامل بين البلدين، فالموارد المادية في المملكة العربية السعودية والموارد البشرية في الجمهورية اليمنية.

4- هذه المعاهدة تعني الاستقرار والهدوء والسلام في المنطقة، بعد أن كانت مسار نزاع وخلاف، وهذا سيشجع العديد من الشركات النفطية العالمية، الحاصلة على امتياز التنقيب عن النفط في منطقة الحدود أو القريبة منها، على البحث والتنقيب، والاستمرار في عملها بكل اطمئنان.

5- تمت إجراءات المفاوضات والمعاهدة ثنائياً، دون تدخل طرف أو أطراف أخرى.

إن وصول البلدين إلى حل هذه المشكلة الحدودية العويصة، لا يأتي بمعزل عن دور مؤثر فعال من قيادة البلدين السياسية العليا، لا سيما بعد تنامي وعي جيوسياسي متزايد لدى القيادات السياسية العربية، مما جعلها تجد السير بإصرار نحو إغلاق ملفات النزاعات المتبقية في المنطقة العربية.

بعد هذا الاتفاق النهائي، يتطلع البلدان الشقيقان نحو مستقبل مشرق وفتح قنوات التواصل وإرساء مبادئ علاقة ودية صادقة وتحويل المناطق الحدودية بين البلدين من مناطق صدام واحتكاك وتنافر إلى مناطق سـلام واتصال ولقاء وتبادل المنافع المشتركة.

كما أنه بهذا الاتفاق تكون للجمهورية اليمنية ولأول مرة في تاريخها القديم والاسلامي والحديث والمعاصر، حدود سياسية برية وبحرية واضحة المسار والمعالم، ومعترف بها دولياً، ومتفق بشأنها خطياً مع جيرانها، وهذا الإنجاز العظيم لم يكتب له النجاح لولا قيام الوحدة اليمنية المباركة التي كانت العامل الحاسم والرئيسي الذي عجل بهذا الاتفاق وأدى إلى ترسيم الحدود السياسية اليمنية مع الاشقاء في سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية.

استاذ الجغرافيا السياسية المساعد جامعة عدن

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى