من ينفخ كير الثأر في (امصبيحة)؟

> علي الجبولي:

>
علي الجبولي
علي الجبولي
لطالما عانت منطقة الصبيحة من الفقر والتخلف والفساد وغياب معظم الخدمات، بل وانعدام أهمها في كثير من المناطق، غير أن هموم الثأر والاقتتال القبلي والعشائري باتت أبشع وأخطر الهموم المثقلة لكاهل المنطقة بعد أن غدت سرعة آلته تزداد بوتيرة أسرع وأعنف يوماً بعد آخر في حصد الضحايا.

لقد عرفت الصبيحة الثأر والاحتراب القبلي والعشائري قبل النظام الجمهوري في شطري الوطن، غير أن مظاهر انتشاره كانت محدودة، وضحاياه قلة قياساً لانتشاره الحالي وما ينتجه من ضحايا وأضرار. فوفق روايات معاصري تلك المرحلة لم يكن حجم ضحاياه في عام كامل يصل إلى نصف ضحاياه في شهر واحد عما هو عليه اليوم، لأسباب عديدة أبرزها أن بنادق الاحتراب المستخدمة يومذاك كانت بدائية ومحدودة ولم تعرف بعد أسلحة القتل الجماعي التقليدية المتطورة التي تعرف اليوم بالرشاشات والقنابل والبنادق الفائقة السرعة والدقة في الإصابة وقتل أكبر عدد من الضحايا .. يحلو لبعض المقللين من خطر الثأر في الصبيحة تصنيفه بالظاهرة، وهذا التصنيف لم يعد دقيقاً اليوم بعد أن أضحى الثأر داء يستشري في جسد المنطقة بوتيرة أسرع وأشمل لا تتوقف عن إرهاب أرواح أبنائها، حتى النساء والأطفال والعزل لم يسلموا من نيرانه.

من البديهي أن الاحتراب القبلي والعشائري لا يستشري إلا في المناطق التي تتراخى فيها قبضة القانون، ويتهاون القائمون على سلطتها عن تفعيل دور الأجهزة المعنية بإرساء سلطة النظام والقانون، مما يدفع بالكيانات الاجتماعية (القبائل - العشائر) إلى سد الفراغ الناتج عن غياب دور أجهزة الدولة وضعف سلطة القانون بالعودة إلى موروث العادات القبلية لحل المشاكل والدفاع عن النفس والحقوق، وهذا ما يحصل اليوم في غير منطقة يمنية ومنها منطقة الصبيحة، إذ نجد أن ضعف القائمين على أجهزة السلطة أضعف هيبة القانون وهمش دوره في تنظيم علاقات المجتمع وفض منازعاته.

إن معطيات الواقع في المنطقة تظهر بجلاء أن زحف الثأر يواصل اقترابه من عتبات جميع أبنائها، وأنه لن يتوقف في مكان محدد أو عند كيان معين طالما أنه يواصل تمدده ويوقع في حبائله بين حين وآخر فرائس جديدة. وطالما هناك من يسمّد التربة التي يتغذى منها وينفخ كيره ليزداد استعاراً واضطراماً سواء بالعجز والتهاون عن أداء واجبه أو عمداً لنسف جسور التراحم بين أبناء المنطقة وزرع الضغائن والأحقاد لتمزيق عرى السلام الاجتماعي بين أبناء المنطـقة وتوسـعة شرخ كيـانهم الاجتمـاعي.

فسلوكيات القائمين على أجهزة السلطة في المنطقة تبدو وكأنهم في عدواة مع القانون الذي أنيط بهم مهمة حمايته وترسيخه بين أوساط المجتمع، بل لا يتورع بعضهم عن تعطيله والاستعاضة بالعرف القبلي والتحكيم العرفي حتى في الجرائم الجسيمة ومنها جرائم القتل، إما لعجزه عن حل نزاعات ومشاكل أبناء المنطقة، فيتنصل من واجباته ويعلقها على شماعة الأعراف، وإما لمكاسب يدرها التحكيم عليه، وغالباً ما يفشل التحكيم العرفي في المعالجة الحقيقية أو يأتي بها قاصرة أو لا يلتزم بها الأطراف، لافتقارها إلى ضمانات التنفيذ، فيصبح التحكيم العرفي ذراً للرماد على جمر الفتنة دون أن يطفئها.

إن تهاون القائمين على شؤون السلطة المحلية وعدم اهتمامهم بحل نزاعات المواطنين، صغرت أم كبرت، يجعلها تنحو منحى خطيراً نحو التوسع والتعصب والعنف ، كما أن عجز أجهزة الضبط عن ضبط المطلوبين في القضايا المدنية والجنائية لا سيما منازعات الأرض المزمنة وقضايا القتل يعطل القانون ويحول دون تقديم القتلة للعدالة الذين يظلون يسرحون ويمرحون مدججين بالأسلحة أمام أعين أجهزة القبض وأولياء دم الضحايا، مما يوغر نفوس أولياء الدم ويفقدهم القدرة على ضبط النفس ويولد لديهم فقدان الثقة بشرع القانون، فيلجؤون إلى شرع الثأر ولو ممن له صلة قبلية بالقاتل.

لم يعد اليوم للسكوت ما يبرره ودائرة الثأر والاحتراب القبلي تزداد اتساعاً وحصيلتها تتواصل ارتفاعاً حتى سجلت مؤشراتها أعلى معدلات الارتفاع خلال الأشهر الماضية بعشرات القتلى وأضعافها من الجرحى، جلهم سقط بنار الثأر أو بنزاعات ذات صلة به دون أن يأبه بأخطارها القائمون على شئون السلطة. تقاعس كهذا لن يبرره التذرع بأن القتل كان قبلياً، فمتى كان القانون يفرق بين قاتل وقاتل؟! ومتى كان القتل باسم القبيلة مباحاً؟! ولم تعد أسطوانة غياب الخدمات وضعف وعي المجتمع تقوى لوحدها على حمله في ظل تهاون القائمين على سلطة المنطقة، بل ومساهمة بعضهم في نفخ كير الثأر في المنطقة، إن بفساده وعجزه، وإن بعمد ونوايا مبيتة لسفك مزيد من دم أبناء المنطقة حتى ينشغلوا بافتراس بعضهم بعضاً، ليتسنى له افتراس الأراضي وخيرات المنطقة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى