ورقة العدل والأذن الصنيجاء!

> سعيد عولقي:

>
سعيد عولقي
سعيد عولقي
هذا مش مقال آخر أكتبه هنا بقلمي في هذه الزاوية.. بل انه في تصوري أهم من ذلك بكثير علشان كذا ألاقي نفسي كلما اترعبلت الدنيا واتضفعت الأمور أراجع ذاكرتي وأعود إلى أوراقي وأشوف إلى أي مدى استطعنا أن نتقدم وإلى أي مسافة نجحنا في أن نتأخر.. وهكذا أشوف الكلام يزداد تشعتلاً والحماس يزيد عن حده في مجال المطالبة بالاصلاح والعدالة الإنسانية ومحاربة الفساد الإنساني والفساد غير الاإساني.. وأسأل على طريقة الصحفي الكبير الأستاذ مفيد فوزي اللي أصبح مقدم برامج تلفزيونية يلبس في كل واحد منها بدلة شبابية جديدة كل خمس دقائق ويظهر بنفس الباروكة التاريخية اللي بايجي عمرها قريب عشرين سنة.. وأسأل: هل شيء معانا بصر؟ وأسأل هل شيء معانا نظر؟ وأسأل هل شيء معانا خبر؟ أما لا قده إلا بانجلس على ذا الحال فبالأحسن يعني انكم تسلموا السلطة لأصحاب البوتريس من أهل أول.. أما انكم تقولوا انه باتقدروا تقضوا على الفساد وباتحققوا العدل والانصاف فهذا بعيد على دقونكم وكفايتنا ملعابه لأنه يا أخواني ماكو عدالة إنسانية.. ومش كده وبس بل انكم حتى ما تركتوا الفرصة لإيجاد هذه العدالة والدليل أعود بكم أكثر من ثمان سنوات إلى الوراء وإلى ورقة عمل تقدم بها في ذلك الوقت معالي الأستاذ إسماعيل أحمد الوزير الذي كان وقتها وزيراً للعدل.. وطبعاً أعطيت هذه الورقة الأذن الصنجاء منذ ذلك الوقت وما زالت تلاقي نفس هذه الأذن الصنيجانية.

تضمنت ورقة العمل المعالم الرئيسية لخطة الاصلاح القضائي مع تفصيل بكل ما يتصل بنظام السلطة القضائية وتصويب لمفاهيمها وممارساتها وتشخيص عميق الدلالة لأسباب العلة ودقة وصف الوزير للعلاج مما يدل على عمق معرفته بالشأن الذي يتولاه. إن من البديهي أن تفشل أي محاولة للاصلاح بوجود قضاء فاسد.. وبدون البدء بإصلاح السلطة القضائية وإنجازه قبل غيره يصبح الحديث عن أي اصلاح آخر مجرد هراء.. ولست بحاجة إلى التذكير بالمستوى المروع والمهين الذي بلغته السلطة القضائية في بلادنا.. وأترك المجال لمقتطفات موجزة من ورقة عمل الأخ وزير العدل الأسبق:«يقوم واقع التنظيم القضائي في بلادنا على الخلط والازدواجية وعدم الاستقرار نتيجة لتراكم ممارسات موروثة وغير قانونية.. ويتمثل هذا الواقع المؤسف في المفاهيم المغلوطة لمهام وزارة العدل والمحكمة العليا ومجلس القضاء الأعلى وفي الممارسات الخاطئة الصادرة عن هذه الأجهزة أو باسمها وإصدار توجيهات قضائية وأوامر عنها إلى المحاكم وكأنها محاكم فوق كل المحاكم، وتشارك المحكمة العليا في ذلك إلى جانب قيامها بممارسة مهام إدارية وتنفيذية ليست من اختصاصها وكل ذلك يعتبر انتهاكاً صارخاً لاستقلال القضاء، ووصل الأمر بهذه الأجهزة إلى ممارسة مهام معاكسة لمهامها تعني فرض الرقابة الإدارية على سير القضايا التي لازالت منظورة أمام المحاكم (!) وتوجيه المحاكمة فيها رجماً بالغيب أو بما يشبه استخدام (الريموت كنترول) لتسيير القضاة من على بُعد.. وفي كل قضية على حدة علماً بأن التوجيهات والأوامر تصدر من أكثر من مصدر من داخل كل جهة وكلها تناقض بعضها بعضاً وكل طرف في المنازعة يحوز على ما يرغب فيه من التوجيهات بما يتفق مع هواه ومصالحه.. وهذه ليست سوى صورة واحدة من صور انتهاك استقلال القضاء».

وتمضى الورقة إلى القول:«إن الواقع القائم للتنظيم القضائي إلى جانب ما يسببه من إرباك لسير العدالة وما يفرضه من تنازع على الاختصاصات وما يترتب عليه من أضرار تلحق بالقضاء وبالمصلحة العامة للدولة وجمهور المتقاضين ينتج عنه أيضاً إهدار للطاقات والكفاءات البشر وللامكانيات المالية للدولة.. كما يشكل إحباطاً مستمراً أمام أي محاولة للإصلاح الشامل». «إن الوضع الحالي سيئ للغاية ويتطلب عملية إنقاذ عاجلة.. ومظاهر القصور والسلبيات التي يجري الحديث عنها ومعاناة المواطنين منها لا تمثل سوى رأس جبل ثلج في بحر عميق يزخر بكثير من السلبيات التي لا يتسع المقام هنا للحديث عنها!».

«للوصول إلى مفهوم واضح لاستقلال القضاء فلا مناص من استعراض النصوص الدستورية المتعلقة بالقضاء في المواد 152.151.150.149.148.147 والتي تنص على أن القضاء سلطة مستقلة.. وأن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم لغير القانون.. وأنه لا يجوز لأية جهة وبأية صورة من الصور التدخل في القضايا أو في شأن من شئون العدالة.. ويعتبر مثل هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون ولا تسقط الدعوى فيها بالتقادم».

«اذا كان العدل أساس الحكم فإن استقلال القضاء هو أساس العدل، فمنذ أن أصبح الناس يلجأون للقضاء طلباً للإنصاف كانوا يتصورون القضاء جهة محايدة.. فإذا فقد القاضي استقلاله يفقد الناس ثقتهم بالعدالة ومن ثم.. إحساسهم بالأمن!».

وهكذا فإن ورقة عمل الأستاذ إسماعيل الوزير التي تحمل مشروعه الهام والجاد الذي يفصل خطة الاصلاح الشامل لنظام السلطة القضائية لم تلق سوى أذن صنجاء من السلطة.. وطبعاً فقد ترك الأستاذ الوزير وزارته ومشروعه الإصلاحي للسلطة التي عودتنا أن تجعل من مثله من المشاريع مجرد حبر على ورق.. وهي في الحقيقة معذورة لأنها مشغولة بأشياء كبرى أهم لا تعد ولا تحصى مثل ألعاب (الزطي) و(بيع التيس والله ما بيعه) وتلعب كمان لعب (سامان سامان) و(من كبته طيار) وكـان الله فـي الـعـون فـي أيـام المـونديال المجيدة هذه!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى