هذا الحراك السياسي..

> سعيد علي نور:

>
سعيد علي نور
سعيد علي نور
تصفه السلطة والمعارضة بـ «الحراك السياسي»، أعني ما تقوم به النخب السياسية، في اليمن، اليوم، كل على حدة، ولا أقول ما يعتمل في الشارع السياسي - كما سيأتي في توصيف هذا الفرق - وأياً كانت دقة هذه التسمية من عدمها فإن المراقب لما يجري لا مناص له من التعامل مع هذه الظواهر، كما هي، أو كما أريد لها أن تكون في محاولة لمقاربة سياقاتها، المعلنة وغير المعلنة، والاقتراب، قدر الإمكان من «المسكوت عنه» في هذا الحراك..!

أعتقد أننا - جميعاً - سلطة ومعارضة وشعباً - لسنا في حاجة إلى أن «يشرح» أحدنا للآخر أبعاد ما يجري ولماذا يجري وكيف، عشية الانتخابات الرئاسية والمحلية ومع ذلك دعونا نعيد إلى الأذهان أن هذا الحراك، في أوضح تجلياته، قائم على مآرب سياسية، يحاول فيها كل طرف تقديم تصوره للإجابة عن سؤال :(من سيحكم اليمن؟) في المرحلة القادمة، وأياً كان هذا التصور أو ذاك، في إطار هذه الرؤية الضيقة، فإن كلاً منهما يدفع باتجاه تحويل هذا الحراك إلى «أزمة حكم» على حساب «أزمة الوطن» وبين التصورين فإن «المسكوت عنه» هو المصلحة الوطنية العليا.

لذلك فإنه من الضرورة، بمكان، الوقوف أمام «هذا الحراك السياسي» موقفاً نقدياً، حتى لا نكرر مآسينا السياسية التي دأبنا فيها على الصدور في نقد الأحداث عن موقف متأخر. وهنا لابد من تسجيل جملة من الملاحظات، ربما من قبيل توثيق المرحلة التاريخية وهي ملاحظات يفضي بعضها إلى بعض بشكل منطقي:

أولاً: إن «هذا الحراك السياسي» يجري بشكل «متواز» يتجه فيه كل طرف في اتجاه لا يلتقي فيه مع الآخر، فالحزب الحاكم يتحاور مع نفسه ولا يختلف الأمر بالنسبة للمعارضة، وجميعنا يعلم على ماذا يتحاورون، أكرر : كل على حدة.

ثانياً: إن «الحراك السياسي» كما يتبناه كل طرف، حتى عندما يلتقيان، لا يتقاطع عند نقطة الوحدة السياسية، بصرف النظر عن الطرف المتسبب في تكريس الوضع السائد.

وفي الحالين: حال السلطة التي تحاور حزبها للاحتفاظ بالحكم، وحال المعارضة التي تعلم كما نعلم، جميعاً، أنها غير متجانسة، ولا تقف على أرضية واحدة فإن «هذا الحراك السياسي» يبدو مفروغاً من أي مضمون يمكن أن يخدم الوحدة السياسية، ناهيك عن الوحدة اليمنية.

ثالثاً: إن «هذا الحراك» يكاد يكون معزولاً عن الشارع وبعيداً كل البعد عن نبض المواطن، لسبب واحد، سبق ذكره، وهو أن حراكهم، كل على حدة، يحاول عن طريق أعضاء وأنصار هذا الحزب أو ذاك للاحتشاد حول مقولة «من سيحكم اليمن» فيما يتساءل المواطن البسيط وبشكل ملح: كيف يمكن أن يُحكَم اليمن؟ وهو ينظر ليس فقط إلى ما آلت إليه حياته اليوم ولكن، أيضاً، إلى ما يمكن أن تؤول إليه في المستقبل القريب أو البعيد. ذلك هو «المسكوت عنه» في هذا الحراك السياسي!

رابعاً: إن قاعدة التداول السلمي للسلطة - التي تثار في هذا الظرف - لا تعادل اكتشاف كروية الأرض بقدر ما هي قاعدة معروفة، تاريخياً، تتعلق بما يُعرف بالعقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم، وهي قضية دستورية لا أعتقد أنها تحتاج إلى كل هذه الجلبة، التي «تزعج الملائكة في ليلة القدر» على حد تعبير الطاهر بن جلون في روايته المعروفة «ليلة القدر» وبالتالي فإن ما عداها هو الاستثناء.

خامساً: لقد تحققت الوحدة بطرق سلمية وديمقراطية، على أساس المواطنة المتساوية والشراكة الوطنية في السلطة والثروة والانتماء، لا فضل في ذلك لشطر على شطر إلا بالإخلاص لها وعدم التراجع عنها قيد أنملة وفقاً للثوابت الوطنية، وإذا كانت حرب الصيف قد ألحقت بالوطن ضرراً كبيراً، طيلة السنوات التي أعقبتها فقد حان الوقت لكي نعيد الاعتبار للوحدة السلمية، بإلغاء نتائج تلك الحرب عن طريق تثبيت مبدأ الشراكة الوطنية والمواطنة المتساوية التي تعطي الجميع الحق، كل الحق، في أن يكونوا على قدم المساواة في الاشتراك في بناء هذا الوطن، تعزيزاً للمسرة الديمقراطية.

هكذا يمكن أن تنتهي المناطقية والشطرية والطائفية والمصالح والمواقع السلطوية والحزبية.

أعتقد أن حراكاً من هذا النوع إنما يعيد إنتاج الأزمات أكثر مما يسعى إلى حلها، طالما ظل يجري وفق حسابات سياسية محضة تجعل المصلحة الوطنية في آخر القائمة المطلبية.

لا أريد التصريح بالقول إن القوى السياسية في اليمن، سلطة ومعارضة تتجه نحو تسجيل حساباتها الختامية مع التاريخ ولكن الأمر يبدو كذلك للأسف الشديد، الأمر الذي يجعلنا في حاجة إلى حراك من نوع آخر.

24 حزيران 2006م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى