مع الأيــام..أسوأ بريد في العالم

> د. سمير عبدالرحمن شميري:

>
د. سمير عبدالرحمن شميري
د. سمير عبدالرحمن شميري
أسوأ بريد في العالم الذي يسلمك الرسالة ميتة بعد ليل طويل من الانتظار وخالية من الحيوية ونبض الحياة,أسوأ بريد في العالم الذي يعتدي على بكارة الرسائل بطريقة فضة وغير محتشمة.

أسوأ بريد في العالم الذي يخفي الرسائل والطرود بصورة خشنة وغير قانونية.

أسوأ بريد في العالم الذي فيه يقرع ساعي البريد بابك بطريقة بوليسية.

أسوأ بريد في العالم الذي لا يوصل الأمانة إلى أهلها ويعبث بمحتوياتها وقد يذهب به الغرور إلى رميها في سلة المهملات.

لقد نشأت وترعرعت على حب البريد، فأنا أحب طوابع البريد وصناديق البريد التي لا تعبث الأيادي السوداء بمحتوياتها، أحب العمال البسطاء بدراجاتهم الهوائية وحقائبهم البريدية وبزاتهم الزرقاء، أحب مبنى البريد الذي يجلس هادئاً بالقرب من المنارة العدنية العتيقة، ففي صفحات حياتي الأولى كنت أقرؤه السلام وأنا ذاهب للمطالعة والدرس في مكتبة مسواط، وأودعه وأنا عائد إلى منزلي في هذه المدينة العريقة.

لا أستطيع أن أكره البريد فله بصمة عزيزة في قلبي، وإنما أمقت الروتين والفساد والبيروقراطية، أكره التثاقل في العمل وعدم الاكتراث بعزة المواطن.

فذات يوم بعيد استغربت إحدى الصحفيات اللامعات عدم وصول كتاب أرسل إليها عبر البريد، فوجدته يباع في رصيف الشارع.

لماذا لا تصل الرسائل والمجلات والكتب والطرود إلينا إلا بشق الأنفس؟ ولماذا تصل متأخرة جداً بعد سنة أو ثمانية أشهر وفي أغلب الأحوال لا تصل؟!!

في مهاتفة لي مع رئيس تحرير إحدى المجلات العلمية الشهيرة، أكد لي أن المجلة صدرت (في شتاء 2005م) وفي جنباتها بحوث أكاديمية كثيرة من ضمنها بحثي.. فصعق عندما أخبرته أني لم أستلم نسخاً من المجلة التي بعث بها عبر البريد المسجل، فاشتط غضباً على هذه السلوكيات المشينة التي تقدم صورة مهمشة لوطننا الحبيب، وأعاد الكرة مرة أخرى فأرسل بنسخ أخرى عسى أن تصل إلينا وحتى اللحظة لازالت النسخ غائبة عني تسبح في بحر الظلمات.

أصحيح أن الرسائل والطرود لا تأتي مباشرة إلى عدن وإنما تمر أولاً عبر فحص وفلترة المركز وتسير عبر سلسلة طويلة من الفحوصات المملة والقاتلة التي تحمل بصمة شمولية؟! لماذا خدماتنا رديئة وسلوكياتنا فضة وخالية من اللياقة والاحتشام مع المواطنين؟

لماذا لا تحسن المؤسسات خدماتها رغم الرسوم الباهظة التي تأخذها من العامة؟

ولماذا لا تلتزم الهيئات والمؤسسات بشروط العفة والطهارة المهنية؟

قبل أسبوع فقط حدثني أحد الزملاء أنه حضر إلى مطار صنعاء في السادسة صباحاً للسفر عبر اليمنية إلى عدن، فوصل عدن الساعة الثانية ظهراً، لأنه طاف بمسالك ومطارات داخلية عدة لم تكن في الحسبان.

وقبل نصف سنة أرسلت طروداً لمجلات ومؤسسات أكاديمية في الخارج لم تصل بعد إليها.

لماذا حياتنا مترعة بالمكر والقسوة والخداع؟ ولماذا لا نكترث بالوقت ولا نقدر الزمن؟

ولماذا نحن متخلفون زمنياً وكمياً وروحياً وسلوكياً؟ ولماذا نعلن الحرب على العقل والكتب والمجلات ونذبحها بسكاكين معطرة؟ ولِمَ هذا التناقض الصارخ في احترام حقوق الإنسان قولاً وهدرها ممارسة؟

إننا في زمن صاخب ورديء «ينام فيه المواطن العربي وهو غير آمن على ثيابه الداخلية» (محمد الماغوط).

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى