عيون الماء في حالمين

> عبدالقوي الأشول:

>
عبدالقوي الأشول
عبدالقوي الأشول
عندما اشتد المرض بالشاعر الداغستاني رسول حمزاتوف، وهو ابن إحدى السلاسل الجبلية في آسيا الوسطى، لم يجد بداً من الإلحاح على ابنه أن يأتي له بنهلة ماء من ذلك النبع الجبلي الصافي الذي اعتاد الشرب منه قبل أن يحل به المقام في روسيا عاصمة الاتحاد السوفييتي السابق.. ربما لأن حنينه لذلكم النبع لا يتبدل .. صفة بشرية محضة شدة حنين المرء إلى موطنه الأول.

فالشاعر الرقيق حمزاتوف.. يجد في نبع ماء منطقته الجبلية ترياق حياة وشفاء.

تذكرت كل هذا وأنا أمر بعيون الماء الناضبة في نواحي قرانا الجبلية، تلك العيون التي مثلت في عهود مضت مصدر استقرار الأهالي وجعلتهم شديدي القناعة بطبيعة حياتهم تلك، يتدثرون السماء ويرقبون لواعج ووميض برقها الموحي بقدوم صيف ماطر يمنح الطبيعة من حولهم رداء أخضر سندسياً.. إنها جنتهم على ما فيها من شظف العيش وقساوة الطبيعة.

عيون اليوم.. بدت موطن الأشباح حتى ما تم استحداثه من آبار بدائية لم تعد تلبي حاجتهم الماسة من الماء.

ولأن حالمين مديرية مستحدثة يشكل امتدادها الجغرافي امتداداً لسلسلة جبال يافع الوعرة، لذلك تبدو مأساة افتقارهم للماء العذب معضلة شديدة التعقيد.. بل إنها دفعت أعدادًا كبير من سكان تلك المناطق لهجرة مواطن سكنهم واستقرارهم، في حين لجأ الشباب المقتدر منهم إلى البحث في دروب الغربة عن عوامل عيش تمكنهم من نجدة أهاليهم البؤساء.. بعد أن تعذر على أعدادهم الكبيرة الظفر بفرص عمل داخل وطنهم، إلى درجة أنك تجد قرى بأكملها في حالمين ويافع وقد خلت من سكانها بسبب اشتداد مواسم القحط والجفاف المتوالية وغياب أي مشاريع مياه تحد من أزمتهم، الأمر الذي ولد حرماناً حقيقياً لدى شريحة الشباب وتحديداً الفتيان من حق التعليم.. نظراً للأوضاع الحياتية التي لا تعين تلك الأسر على تعليم أبنائها.

فمنذ ما يزيد على عقد من الزمن يمكنك أن تشير إلى حجم الوظائف المتاحة في تلك المناطق بعدد أصابع اليد وتحديداً في مجال التربية، أما عدا ذلك فشباب يكابد صعوبات عديدة وأفق مستقبل مظلم، ولأن عادة السلطة بعث المشاريع الوهمية لهؤلاء تتزامن وكل عملية انتخابية بحيل مدهشة كأن يأتوا بأعمدة «كانبات» مد الكهرباء حتى يوهموا السكان بقرب فرجهم ثم ما يلبث الأمر أن يتحول إلى مزحة ثقيلة لا تتعدى ما جاءوا به من «كانبات» فقط.

وهكذا الحال في مشاريع المياه التي لا تتعدى قدراً من الوعود أو من أنابيب ماء يتعثر إنجازها، كما هو الأمر مع الطرقات التي بقيت مشاريعها معلقة حتى اللحظة ولعل مشروع طريق «عقبة خلق حالمين» أنموذجاً لقدر التسويف والمماطلة والتخدير التي تم ممارستها بحق الأهالي ممن يعدون مشروع ذلكم الطريق حبل نجدتهم الحقيقي. وهكذا الحال بالنسبة لمشروع مياه جبل حالمين الذي مازال يراوح عند حدود بدايات ونهايات لم تكتمل. أما مشاريع السدود والحواجز المائية فلا يعدو أمرها سوى أنها مفردات خطابية انتخابية بجدارة، وما على المرشحين في الانتخابات القادمة في مرتفعات حالمين ويافع شديدة وعورة المسالك إلا التزود بالمياه في طريق رحلتهم الانتخابية، فسارية الجبل فقدت حماستها منذ زمن ولم تعد تستجيب للوعود الهلامية، فلسان حالهم يقول:

«حياتك بدوم غيمة

غصن بلا ورق

طائر بلا أجنحة»

إنهم ينتظرون وعد السماء فالسماء وحدها التي تنجز وعدها وتمنحهم الحياة.. ففي جُب الماء، هوت أرواح حوريات قرانا المعذبة.. وهن ينشدن البحث عن قطراته العذبة.. هنا وهناك حلقت أرواحهن الضامئة وأجسادهن الضامرة.

آملاً أن تكون زيارة محافظ محافظة لحج الأخ الدرة مؤخراً لقرى حالمين فاتحة أمل عند من فقدوا الأمل واستبد بأمرهم واقع المعاناة المؤلم.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى