أيــام الأيــام..هنا تكمن المشكلة

> محمد عبدالله باشراحيل:

>
محمد عبدالله باشراحيل
محمد عبدالله باشراحيل
تحدث الإعلام الرسمي كثيراً عن المصداقية والشفافية والديمقراطية واللامركزية وتحسين المستوى المعيشي وغيرها من الأمور التي تهم مختلف شرائح المجتمع الواعية وعامة الناس، ولكننا لم نلمس شيئاً منها على أرضية الواقع سوى فقاقيع إعلامية ومركزية مفرطة وممارسات متناقضة وأفلام من إخراج هتشكوك، وإلا بماذا نفسر ما جرى وما يجري في البلاد؟ وماذا نقول مع عدم وجود المصداقية عن اتفاق الحزب الحاكم مع الأحزاب المعارضة فيما يخص الانتخابات القادمة فقط، دون طرح لبرامج واضحة أو إشارة للمعضلات الأساسية التي تواجهها البلاد والمتمثلة في الفساد المستشري المحاط بالحصانة والذي يزداد يوماً بعد يوم دون أن يمسه أحد والمركزية المفرطة التي قادت إلى شبه سلطة مطلقة إضافة إلى هموم ومعاناة الناس من البطالة والغلاء والفقر وانقطاعات الكهرباء والمياه وسوء الأوضاع الصحية والتعليمية، ناهيك عن استخدام المال العام لأغراض تخدم مصالح القبيلة والمنتفعين من السلطة الحاكمة فقط، ولا تخدم دولة المؤسسات ولا التنمية. وهذه الأمور مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعملية الانتخابية رئاسية كانت أم محلية. وهذا عائد إلى عدم توفر المناخ السياسي الصحي والموقف الرمادي للأحزاب المعارضة وعدم تفعيل دور منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الدولة إذا قبلنا بوجودها مجازاً في البلاد، حيث إن المؤسسة الوحيدة الفاعلة والنشطة والمنظمة هي مؤسسة الفساد التي ترتب الأمور حسب هواها، أما بقية المؤسسات مع الأسف فهي ديكورية لا تحرك ساكناً ولا تسمن ولا تغني من جوع، وهنا تكمن المشكلة.

وبطبيعة الحال فإن الأمور المرتبطة بالعملية الانتخابية القادمة بيانات التعداد العام للسكان الأخير والذي نفذ بطريقة خرجت عن الأسلوب العلمي المألوف والمتبع، طغى عليها النفس العسكري ومطبخه بغية إعداد قوائم انتخابية تخدم القبيلة، وإلا لماذا منع مدراء عموم فروع الجهاز المركزي والمحافظون بالمحافظات حينها من التعرف على البيانات الأولية لمحافظاتهم بعد انتهاء عمليه العد ومنعهم من الاطلاع عليها، وتلقيهم تعليمات صارمة برفع كل الاستمارات إلى صنعاء مباشرة؟ أين الشفافية التي هي أحد أسس الديموقراطية، ومحورها إعطاء الفرص لتداول المعلومات للناس كافة؟ وكيف نفسر منع الجهات الرسمية ذات العلاقة في المحافظات من مجرد معرفة بيانات أولية عن سكان محافظاتهم؟

ألا يجعلنا هذا الأسلوب الخاطئ نشكك في صحة بيانات التعداد ودقتها؟ أو بعبارة أخرى ألا يمكن أن يكون قد طبخت؟ والجدير بالإشارة أننا قد كتبنا من على منبر هذه الصحيفة الغراء عن ذلك التعداد والأخطاء الفادحة فيه ومنها عدم احتساب شرائح معينة تعيش في محافظة عدن ضمن سكانها واحتسبت ضمن سكان مناطقها المهاجرة منها، مع أن هذه الشرائح تستفيد من كل الخدمات المتاحة في التعليم والصحة والنقل والمياه والكهرباء وغيرها وبالتالي فإن الرقم المعلن عن عدد سكان محافظة عدن أقل من الواقع، وبطبيعة الحال فكلما انخفض عدد السكان للمحافظة انخفضت معه الاستحقاقات المالية والتمثيل في البرلمان وغيرها والعكس صحيح، وهذا الأمر له علاقة بالانتخابات أيضاً.

والخلاصة أنني في أحد لقاءاتي قبل عدة شهور مع محطة تلفزيون العالم المنقولة مباشرة عبر الهاتف سئلت:«ماذا تتوقع في الانتخابات اليمنية القادمة؟» فأجبت «أتوقع أن يبقى الحال على ما هو عليه».

وسئل مرة المغفور له الملك حسين ابن طلال: «لماذا لا تبقي على وزرائك أكثر من أربع سنوات؟» فأجاب «إن الوظيفة الكبيرة شبيهة بماء نقي ونظيف داخل حوض فإذا ما بقي هذا الماء فترة طويلة تعفّن، وكلما زادت فترة بقائه في الحوض ازدادت عفونته، لذا علينا تغيير الماء بين حين وآخر للحفاظ على نقائه ونظافته».

والغريب أن المعجزة في اليمن وحدها، فالماء في أحواضها يظل نقياً ونظيفاً حتى لو بقي فيها أكثر من ربع قرن. وهنا يا أبناء وطني تكمن المعجزة والمشكلة.

ü رئيس الاحصاءات الاقتصادية بالأسكوا الأمم المتحدة (سابقاً)

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى