الحريات في مؤتمر صنعاء

> عبدالرحمن راشد:

> حضرت في صنعاء الاسبوع الماضي مع مئات المشاركين مؤتمرا آخر عن حرية التعبير والإصلاح السياسي، وكان السؤال الذي يتبادر الى ذهني لماذا التكرار بلا نتائج؟ ما دفع أحدهم لتفسير المسألة أنها عملية تنفيس كلامية متعمدة هدفها إسكات أصحاب القضايا الحقيقية بمسرحيات كلامية. وقبل ان يبدأ المسرح السياسي هذا كان الرئيس علي عبد الله صالح قد أعلن انه تراجع وقبل ترشيح الناس له لدخول انتخابات الرئاسة اليمنية. طبعا لم يفاجأ أحد بالخبر، كما انني لم أخسر رهاني يوم كتبت بأنه سيدخل الانتخابات وسيكسبها أيضا.

ورغم هذا لا بد ان أقر بحجم الحرية الصحفية الكبيرة في الإعلام اليمني المكتظ بنقد كل شيء وبلا حدود. وما كان يهمني في الحفل الكلامي الكبير في المؤتمر هو زاوية حرية التعبير، لأنني أعتقد أنها فعلا أساس الدواء، ولا يمكن ان يتحقق اصلاح سياسي بلا مساحة جيدة من النقد والتعبير.

فالإصلاح السياسي حتى بعد احداثه غالبا ما يعاني من انتكاسة سريعة إن غاب النقد الحر لممارساته، حتى النظام السياسي الجيد يتراجع في التزاماته وأدائه بغياب النقد، كما أن المصلح السياسي الصادق النزيه يحتاج أكثر من الديكتاتور الى ان يعان بالنقد. ومع ايماني العميق بأهمية حرية التعبير وأنها الخطوة الاولى الأهم في طريق الإصلاح الذي تحتاجه منطقتنا بشدة، فإنها حرية تستحق الكثير من الدرس والمراجعة، وليست كما تبدو للسامع مسألة هينة. وهنا يجب ان أثمن الجهد الذي بذله منظمو مؤتمر صنعاء، لأنهم وضعوا مسألة التشريعات على رأس قائمة النقاش، ودعوا اليه أهل الاختصاص حتى تكون الصورة علمية لا كلامية.

وتزداد المسؤولية أكثر على كاهل قادة الإعلام، من صحافيين ونقابيين ومنظمات متخصصة، في تقديم تصور لمعنى الحرية وحدودها. ولعل أبسط وسيلة لصياغة مفهوم الحرية التعرف على الانظمة الموجودة في المجتمعات ذات التجربة الطويلة وتقييمها، ونسخها ان لم يوجد بديل محلي أفضل.

وهنا ستواجه حرية التعبير العقبات المعهودة من جانب المجتمع او من جانب أهل المهنة الصحفية أنفسهم. فقوى المجتمع المختلفة لا تريد حرية تمس امتيازاتها ورموزها ومقدساتها حتى لا يبقى شيء ينقد. وأهل المهنة، من جانب آخر، يريدون ممارسة حرية لا سقف لها فيتهمون ويشهرون ويقذفون أيضا، ولا يريدون ان يحاسبوا على عدم صدق اتهاماتهم ان وجدت. الأكيد في صراع التعبير الحر هو الحاجة الى حمايته، فأصغر مسدس قادر على إسكات أكبر مطبعة.

وبدون ان تقتنع الانظمة وتقبل بالحريات وحمايتها وانها في صالحها على المدى الطويل فلن يولد اصلاح، وسيبقى المجتمع يعاني من أمراضه المسكوت عليها، كما سيخسر النظام السياسي نفسه. والحق انني وجدت في مؤتمر صنعاء أصحاب تجارب مختلفة في منطقتنا معظمها لم أتعرف عليها من قبل وتستحق التقدير، بعضها في مجالات قانونية وأخرى تعنى بالترويج للشفافية.

[email protected]

عن «الشرق الاوسط»

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى