التفويض .. وماذا بعد؟

> د. هشام محسن السقاف:

>
د. هشام محسن السقاف
د. هشام محسن السقاف
ندرك تماماً - الآن - أن فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح كان يسعى إلى تفويض شعبي يمنحه عزماً أكثر لإحداث تغييرات حقيقية في دولة تئن من تبعات الفساد، ولذلك لم يكترث للضجيج الذي سمعناه في قاعة المؤتمرات الكبرى، وكاد يذهب في قراره عدم الترشح حتى النهاية، لولا الحشود الجماهيرية التي رأيناها في ميدان السبعين صباح يوم السبت الفائت، والمطالبة فخامته العدول عن قراره عدم الترشح، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا حول حقيقة ذلك التحرك الجماهيري أكان نابعاً من إرادة ذاتية من المواطنين أم أن آلية الدولة قد تدخلت في إخراج ذلك المشهد، وما إذا كان مكسب الوطن كبيراً من عدول فخامته عن قراره التاريخي أم أن المكسب التاريخي كان قاب قوسين أو أدنى لفخامته ولليمن إذا أصر على موقفه.

غير أن الحقائق التي يسجلها المراقب المحايد عن أحداث الحملة الانتخابية الرئاسية التي بدأت باكراً تتمثل في خلو الساحة من مرشح جاد، وباتت الأنظار تتجه إلى فخامة الأخ الرئيس لقراءة موقفه من الترشح بما في ذلك مواقف الأحزاب السياسية الفعالة في المعارضة اليمنية، حيث سمعنا الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، رئيس البرلمان وحزب التجمع اليمني للإصلاح يضع الأخ الرئيس مرشحاً لحزبه، ولا يذهب الأخ د. ياسين سعيد نعمان بعيداً عن ذلك أيضاً حتى وإن كانت التصريحات تأتي بطريقة شخصية، ناهيك عن آراء الأخ م. حيدر أبوبكر العطاس، التي جاءت من وراء الحدود وإن تغيرت باتجاه آخر بعد عدول الرئيس عن قراره.

كلنا يدرك أن الديمقراطية اليمنية الناشئة تصطدم بعقبات اجتماعية وسياسية جد قوية، بسبب من عدم اكتمال بنية الدول المؤسسية، حيث تلعب الدولة دوراً هامشياً في الحياة العامة للناس ولم يتعمق - بعد - دورها إلى مستويات الحياد القانوني الذي تؤديه دون التفات لمشيئة التحكم القبلي والعسكري أو بهما معاً، ناهيك عن التحالفات الطفيلية الأخرى التي تنشأ من حولهما، لتمارس هذه الفئات دور المعرقل التاريخي لتطور الدولة بما هي منظومة قانونية متكاملة، فالدولة هي غنيمة القوى المتنفذة التي تعيد إنتاج مغانمها عن طريق الفساد في كل مرة، سواء باسم الثورة أو الوحدة، بينما تتهمش كثير من القوى الاجتماعية الفعالة بحق، وتظل ملحقاً إدارياً في توليفة عقيمة. ومن هنا تتأكد حقيقة إصلاح الملعب السياسي التي نادى بها كثير من العقلاء في بلادنا، وتضع أمام فخامة الأخ الرئيس مهمة جد صعبة ولكنها مستحق وطني لا يقل أهمية عن استحقاق الثورة والوحدة، هذه الحقيقة تتمثل في إحداث ثورة اجتماعية جديدة تقض مضاجع حلف الطفيلية المفسدة التي تؤخر حراكنا الاجتماعي العام، وتنخر الاقتصاد وتفسد السياسة، وهو حلف ندرك تماماً قوته وهيمنته في الواقع اليمني المعاش، ويشكل خطورة على كل شيء، وهو ما يتطلب جهداً مشتركاً للقضاء عليه بحكم ديمقراطي حقيقي وإرادة شعبية داعمة وضاغطة.

إن جهد السنوات الثماني والعشرين من حكم فخامة الأخ الرئيس تبقى ناقصة من دون إصلاح الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في الوطن، ومن دون الديمقراطية المنشودة كما يتمناها الشعب لا كما يروج لها الإعلام الرسمي، وبفصل كامل للسلطة القانونية عن السلطات الأخرى وجعلها حكماً في العمل السياسي بين الفرقاء، ولذلك على الرئيس أن يجعل من التأييد الشعبي له قوة لإصلاح ما أفسده الحرس القديم والطفيليون المتحالفون.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى