ازدهار البحر الأسباب والنتائج

> صالح سالم عوض:

> شكلت ظاهرة تغير لون البحر ووجود طبقة واسعة خضراء من الطحالب على السطح في سواحل عدن وبعض السواحل الأخرى على امتداد الساحل الشمالي لخليج عدن والبحر العربي وما ينبعث عنها من روائح وما يصاحبها في بعض السنين من نفوق لبعض الأحياء البحرية، شكلت قلقاً واسعاً وكثرت حولها التكهنات وتناولتها وسائل الإعلام بتفسيرات مختلفة وأحياناً متناقضة مما زاد من قلق المتلقين.

وقد تفضلت صحيفة «الأيام» مشكورة بنشر بعض الدراسات لبعض المختصين التي أسهمت بلا شك في محاولة إيجاد التفسير العلمي لهذه الظاهرة وقطع الطريق على التكهنات التي لا تستند على أساس علمي مع أنها قد اقتصرت حتى الآن على موضوع الطحالب التي تشكل طبقة خضراء على سطح البحر وهي لا تشكل سوى النتيجة الظاهرة لظاهرة بحرية معقدة يشترك في إخراجها الجو والبحر والتضاريس الساحلية والقاعية ومن أهم نتائجها هذا التنوع الحيوي الكبير والوفرة في كمياتها الموجودة في مياهنا الإقليمية بسبب خصوبة المراعي السمكية فيها، التي يرجع الفضل فيها بعد الله المبدع إلى هذه الظاهرة، حيث تعمل التقلبات المائية على جلب الأملاح الغذائية المترسبة على قاع الجرف القاري والمنحدر القاري والتي تنتج من تحلل الأحياء البحرية الميتة جلبها بواسطة المياه الصاعدة إلى الأعماق المضاءة التي تنشط فيها عملية التمثيل الضوئي، وتعمل المياه الهابطة من السطح إلى الأعماق التي تكون مشبعة بالاكسجين المذاب على زيادة نسبة الاكسجين في هذه الأعماق، وتعتبر هذه أهم العوامل لاستمرارية الحياة وعلى مختلف الأعماق. أما النتيجة الثانية المتمثلة في اخضرار البحر الناتج عن النمو الكثيف للطحالب في الفترة الشتوية تعتبر النتيجة السلبية أو على الأقل هذا فهمنا لها حتى الآن ولذلك تطفو على السطح ثم تنزاح تدريجياً إلى الساحل وتتلاشى هناك بعد أن تحدث إزعاجاً لمرتادي الشواطئ وساكني المناطق القريبة. قال تعالى: {أما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض} صدق الله العظيم. ولا ينبغي أن يفهم من ذلك أنني أقلل من أهمية ما نشر أو من أهمية دراسته، ولكنني أردت فقط تصحيح المفهوم الخاطئ الذي يمكن أن يكون قد ترسخ لدى البعض والذي يختزل الظاهرة في هذه النتيجة وحدها وبالتالي تركيز الاهتمام بالدارسة والبحث فيها دون سواها وهذا في نظري سيكون ناقصاً وعديم الجدوى.

وحتى تتواصل الكتابة عن هذا الموضوع على طريق البحث عن التفسير العلمي لهذه الظاهرة وبالرجوع لما يتوفر لدينا من معلومات ثم جمعها لعدة سنوات وكذا دراسات سابقة تمت عن هذه المنطقة فقد ارتأيت المساهمة وبإيجاز إذ لا يتسع المجال هنا للاسهاب في الشرح بالآتي:

يمتاز المحيط الهندي عن المحيطين الهادي والأطلسي بأنه لا يمتد من الجنوب إلى الشمال إذ تحده من الشمال قارة آسيا. وذلك يعني أن مناطق الضغظ الجوي ستختلف من فصل إلى آخر بين البحر واليابسة. وبدوره يؤدي إلى اختلاف مواسم الرياح من فصل لآخر وهذا يؤدي إلى اختلاف اتجاهات التيار البحري من فصل لآخر ايضاً. وتبعاً لذلك في خليج عدن والبحر العربي على الساحل الشمالي يكون اتجاه التيار البحري في الصيف من الغرب إلى الشرق وفي الشتاء يتحول إلى العكس ويصبح من الشرق إلى الغرب.

في فترة الرياح الموسمية الجنوبية الغربية (يونيو-أغسطس) في الجزء الشمالي من خليج عدن وبسبب جرف المياه السطحية بواسطة التيار العربي المتجه من الغرب إلى الشرق تتصاعد المياه التحتية بقوة إلى السطح (upwilling) مما يؤدي إلى تكون ظروف اكيانوجرافية خاصة ففي هذه الفترة في المستوى العلوي المضاء من البحر يلاحظ هبوط كبير في درجات الحرارة، الملوحة والاكسجين المذاب، وارتفاع حاد في تركيز الأملاح الغذائية وبشكل عام فإنه يمكن القول بأنه في الجزء الشمالي من خليج عدن والبحر العربي في فترة الرياح الموسمية الجنوبية الغربية تتكون ظروف اكيانوجرافية مشابهة للظروف الاكيانوجرافية في المناطق الساحلية الاستوائية ذات الآبويلنج. وتعتبر مناطق الآبويلنج من أغنى المناطق بالثروة السمكية إذ تقدر الاحصائيات العالمية أن هذه المناطق وحدها تختزن نصف اجمالي ما تختزنه البحار والمحيطات من الثروة السمكية معار إذ إنها لا تشغل سوى نسبة ضئيلة من اجمالي مساحة البحار والمحيطات.

في فترة الرياح الموسمية الشمالية الشرقية (أكتوبر - أبريل)، عندما يكون التيار العربي من الشرق إلى الغرب في الجزء الشمالي من خليج عدن تهيمن عملية هبوط المياه السطحية إلى الأعماق والتي يزيد من حدتها برودة المياه السطحية وارتفاع ملوحتها في الفترة الشتوية (winter confection) ويكون التيار العربي في هذه الفترة قريباً من الساحل ويشغل العمق إلى حوالي 450م، ويشكل مع الرؤوس البحرية والغبب والنتوءات القاعية دوامات بحرية (تيارات دائرية) يتراوح قطرها من (10) إلى (50كم) ويلاحظ فيما يسمى بـ (cyclone ) من هذه التيارات الدائرية صعود المياه التحتية إلى الأعماق المضاءة وإلى السطح ويلاحظ في هذه المياه ارتفاع قيم الأملاح الغذائية ونتيجة لذلك تنشط عملية التمثيل الضوئي التي يستدل عليها من خلال الزيادة الملحوظة في كمية الحلقة الأولى من السلسلة الغذائية، وإلى جانبها يلاحظ نمو الطحالب ذات النمو السريع والتي تشكل مستعمرات واسعة وكثيفة في فترة قياسية، ويساعدها في ذلك في هذه الفترة الهدوء النسبي للظروف الميترولوجية والهيدرولوجية ويعمل التيار البحري على انتشار هذه المستعمرات على طول الساحل.

وفي الختام يجب الإشارة إلى أن ما نشر حتى الآن عن هذه الظاهرة لا يمثل إلا القليل حيث إن هذه الظاهرة من التعقيد تستلزم تكاتف الجهود لمختلف الجهات العلمية المختصة لوضع خطة علمية لعدة سنوات لضمان تراكم المعلومات المنتظمة والتي تسمح بإعداد دراسة متكاملة عنها.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى