المانبوتية ومركب الهند الذي طال انتظاره

> علي محمد يحيى:

> المانبوتية أو البامبوتية بعامية أهل عدن، هي أولئك الذين يعرضون سلعهم المتنوعة على ظهور قواربهم الصغيرة ليبيعوها على السياح وهم على سطح سفنهم السياحية العملاقة الراسية في ميناء عدن بمراسي مدينة التواهي من خلال حبل طويل هو صلة الشراء والبيع بين السائح الذي على باخرته والبائع فوق قاربه. والكلمة في الأصل إنجليزية Manboat التي تعني صاحب القارب أو (رجل القارب) وكم كانت قوارب المانبوتية تلك، الكثيرة العدد التي زخر بها ميناء عدن في وقت من الأوقات، وهي تحمل كل أنواع السلع النفيسة والرخيصة المستوردة من كل بقاع الدنيا التي يحبها السائح ويرغب في اقتنائها من مدينة عدن المنطقة الحرة الشهيرة على المستوى العالمي، وبمينائها، ثاني الموانئ بعد نيويورك، يشتريها السائح من المانبوتية أو من المحلات التي كانت تزدحم بها شوارع التواهي أو كريتر، فكلها كانت سوقاً حرة مفتوحة.. إلا أن الأمتع كان عند السائح أن يشتري حاجته من على سطح باخرته.. من قوارب المانبوتية في عرض البحر، ليستمتع وهو يشدها إلى الأعلى مربوطة بالحبل داخل سلة من خوص النخل ثم يضع مكانها ثمنها.. فيستعيد المانبوتي الحبل بعدها ليرفعه مرة أخرى إلى سائح مشتر آخر يحمل معه سلعة أخرى. وهكذا فالرزق كثير والسفن الراسية كثيرة، وقوارب المانبوتية وأصحابها لا تهدأ ولا تنام ليلاً ونهاراً.

هذه الذكريات الجميلة كانت قد استرجعتها الذاكرة، وأنا أتحدث مع أحد ممن بقوا من أولئك الرجال الذين صنعوا تجارة المانبوتية - تجارة القوارب- وكان يستعيد ذكرياته ودمعاته التي كانت تختلط بكلماته الموجوعة الأسيفة على ذلك الزمن الجميل.. والأجمل أنه مازال يرى الأمل الذي لا بد من أنه قادم لا ريب فيه.. وبأن المراكب لابد وأن تعود عما قريب وأنها ستعاود زيارة عدن من جديد وهي آتية غادية ما بين بلاد الله كلها وبلاد الهند عبر بحر الهند- المحيط الهندي.. وأن مركب الهند هذا ليس هو مركب بعينه بل القصد به كل المراكب التي كانت تزور عدن والهند لمكانتها الكبيرة في قلوب أهل جنوب اليمن سكان المناطق الساحلية، ورحم الله فنان الشعب وشاعره الكبير الشيخ يحيى عمر وهو الذي تغنى بهذا المركب منذ ما يقارب ثلاثمائة عام وردّد في أغنيته:

يا مركب الهند يابو دقلين

ياريتني كنت ربانك

ومنه تناقل تلك الكلمات شعراء وفنانو الجزيرة العربية والخليج حتى آخر مضارب حدود مصر فصارت من تراثهم الشعبي الغنائي في عمان والبحرين والكويت والسعودية ومصر وكلها تحكي عن قصة مركب الهند. كما في الأغنية الاستعراضية الراقصة الكبيرة لدى الفرقة القومية للفنون الشعبية وتحت اسم (المنبوطية) في دارجة المصريين والتي عرفها أطفالنا بأغنية ورقصة (تعالي جنبي). فيا مركب الهند عد لزيارتنا ولا تتأخر، فقد طال انتظارك.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى