فاروق الحضرمي وحكايات (الشيوبة)

> محمد عمر باجنيد:

> لم يكن فاروق بن زيمه يدرك أن بداية موته ستكون فوق التراب الحضرمي وأن الرجل الذي ولد حضرمياً مات قبل أن يرى في حضرموت مكاناً فيه بعض من مقومات الحياة العصرية بدءاً من مستشفى كامل التجهيزات وانتهاء بمطار دولي، ناهيك عما هو موجود وغير موجود من متطلبات حياة القرن الواحد والعشرين في ما بين - اليتيمين - مستشفى (ابن سينا) الحكومي ومطار المكلا المحلي (غير الدولي).

قصة فاروق بن زيمه الحضرمي هي قصة السواد الأعظم من الحضارمة عبر الزمن، إذ يولد الحضرمي مهاجراً وينشأ مهاجراً ولهذا يعيش مشاعر متناقضة منها ما يدفعه إلى العودة إلى بلده ومشاعر أخرى تحثه على الحصول على جنسية البلد التي يقيم فيها أو تمديد إقامته حتى يحدث الله أمراً، إلا أن القصة تنتهي بأن يموت الحضرمي مهاجراً وكأن الأرض التي تركها في حياته ترفض استقباله عند مماته .

ولد فاروق واسمه الكامل فاروق بن صالح بن زيمه الكثيري في إندونيسيا ثم نقله والده قبل أن يكمل الشهرين من عمره إلى كينيا، حتى بلغ سن الشباب فانتقل إلى حضرموت التي لم يكن يعرفها إلا من حكايات (الشيوبة) وأسمارهم فجاءت به الحكايات وأحاديث السمار إلى حضرموت في بداية الستينات من القرن الفائت وتحديداً إلى مدينة سيئون عاصمة الدولة الكثيرية آنذاك، وعمل بها قرابة السنوات الأربع غادر بعدها إلى السعودية وهناك زاول أعمالاً جمة لكن شهرته تحققت من الكتابة الصحفية.

المكلا المحطة الأخيرة
كانت المكلا آخر مدينة أقام وعمل فيها الراحل لكن المرض لم يترك له فسحة من التمتع ببحر المكلا وهوائها وجبالها، إذ بدأت مضاعفات وتوابع مرض السكري تهجم عليه، وفشل في أن يجد في المكلا مستشفى (يشخص) نوعية مصابه أو مستشفى به من الأجهزة والأدوات ما يكشف له عن نوعية توابع السكري التي هاجمته في ساقه اليمني ثم الساق اليسرى (جلطتين) فكانت خيبة الأمل التي أصابته أكبر من حجم المعاناة من توابع المرض وتساءل: هل أموت في حضرموت؟!

هل يقتلني الحب لحضرموت؟ بل هل يمكن أن تكون حضرموت بما يزخر فيها البحر من خيرات وما تحمله بطون أرضها من ثروات وما يضع نحلها من عسل وما يتردد عن ثراء أهلها وما يقال من أنها أرهقت ميزانية الدولة بالمشاريع المنفذة فيها فتعطلت التنمية في مناطق أخرى من البلاد !! هل يمكن أن تكون حضرموت بعد كل ذلك دون مستشفى يكشف للمرضى أوجاعهم ويداوي أمراضهم؟

هل يموت الحضارمة بين المهجر وحضرموت؟

هكذا كان يسأل نفسه (فاروق)؟

فلما لم يجد لأسئلته إجابة غادر إلى السعودية قافلاً بعد أن ظن أن الخلاص من حب المكلا مزيد من الحياة في المكلا، إلا أنه خسر ثمن حسن الظن فتفوقت عليه توابع مرض السكري بضربة من الجهة اليسرى في جسده لتتوقف تلك الجهة عن الحراك حتى وفاته (رحمه الله) فأمضى أكثر من عامين طريحاً على فراش المرض.

قبل الرحيل
فاروق بن زيمه يمثل قصة الحضرمي المهاجر .. إذ لم يكن مواطناً في (البلدان التي ولد بها أو نشأ وعمل فيها) فيستفيد من مزايا المواطنة ولم يكن وطن الوحدة يمنحه مزايا ككاتب ذاع صيته على مستوى الجزيرة العربية ويجد مستشفى عصرياً يمكنه العلاج فيه.

كان قدر فاروق أن يموت بعيداً عن حضرموت تاركاً (جعفر وشقيقتيه ووالدتهم) أما أنور الابن البكر للراحل فقد واراه والده في مقبرة العود بالرياض ليلحق به بعد أعوام ويدفن أيضاً في الرياض بعد وفاته في أحد مستشفياتها، مع الفارق أن الابن لم يكن يعرف أين موطنه هل هو بلد المولد والنشأة؟ أم بلد الأجداد؟!

بينما كان الأب يعرف سيرة الحضرمي المكررة وهي أن يولد حزيناً في قارة ويشب وبه صبابة في قارة أخرى ويبحث عن الرزق منهكاً في بلد آخر ثم تنتهي حياته و معه قصص (الشيوبة) في أرض أخرى لكنها بالتجربة ليست حضرموت.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى