رأي في قضية الارض والمساكن .. يا سيادة النائب العام .. هذه وقائع أخرى في ملفات الفساد

> علي هيثم الغريب:

>
علي هيثم الغريب
علي هيثم الغريب
هنلك من سلم أمره لله سبحانه وتعالى بعد أن نهبت أملاكه ووظيفته الحكومية، خاصة في هذا الزمان الذي يعتصر كل حر شريف.. ويحكم على كل مواطن ضعيف جبابرة صادروا الأراضي ومنازل الناس بالقوة وأعطوا أوامرهم للقضاء بعدم البت بهذه الأمور التي تدينهم من أول يوم من استلام دعوة التقاضي.. فكأني أرى المتنفذين ساسة هذا الزمان مع بعض موظفي الحكومة قد اتفقوا فيما بينهم على تقسيم أراضي محافظات الجنوب إلى إقطاعيات وعزب.. ثم بيع كل ما هو غال وتأجير ما يتبقى مفروشاً.. ضمن حوف الشرق إلى باب المندب وما بينهما من نبتة أرض وثروة وبشر هو مملوك ملكية خاصة ومعروض للبيع تحت مسميات عدة.. فهذا استثمار وتلك خصخصة وأخرى شراكة.. وعلى من يرفض ذلك أو يتظلم ولا يعوم مع تيار السلب والنهب، فالاتهام وإسقاط عضويته من «الوحدة» هما المكافأة. فسبحان الله هل هانت الوحدة لهذا الحد على أبناء محافظات الجنوب.. إذن.. ما العجب أن تتجمد قرارات السلطة المحلية في عدن وأن يكون المدان قضائياً رمزاً للوحدة ولعدالة هذه الحقبة.. ومن وقفوا يدافعون عن الحق من أعضاء السلطة المحلية وبعض الموظفين والكتاب والصحف المدافعة عن الوحدة والديمقراطية وحقوق الإنسان متهمون.

ولا زيادة في العجب أن صار الناس الذين عملوا من أجل الوحدة هم الخصوم.

قبل أيام وفي العدد (4810) من «الأيام»، وتحت عنوان «جملة ملفات ترغمنا على صرف النظر عن الانتخابات» كان الأستاذ الصادق نجيب يابلي قد أوضح أربع قضايا جوهرية تتركز في التلاعب بأملاك وحقوق المواطنين.. ودلل على هذا بمستندات تدين من أجازوا لأنفسهم الاستيلاء على حق من الحقوق. وذكر أن هذا لا يحدث الا في «قانون الغاب» وعندما ننتظر الجواب من قبل الجهات المعنية يتضح أن المصيبة الأعظم أن تلك الجهات لا تستطيع أن تعمل شيئاً.. وأن ما حدث هو واقع حكم الغاب فعلاً.. ونحن على استعداد سيدي النائب العام أن نمثل أمامكم كشهود بناءً على ما بين أيدينا من مستندات وما لدى الوطن والسلطة المحلية في عدن من شهود شرفاء لا يرتضون الصمت على المظالم. وسأطرح على النائب العام والقراء بعضاً من أدلة: أن عدداً كبيراً من التعاونيات الزراعية التي تأسست بعد الوحدة المباركة (توجد 60 تعاونية زراعية عدد أعضائها 15 ألف عضو) قد تم الاستيلاء عليها من قبل بعض المتنفذين بالقوة ثم باستخراج الوثائق.. فماذا حدث؟! حدث أن الجاني يتصرف ويهدر أملاك الآخرين أمام أنظار الجميع. فماذا نتوقع من الملاك الشرعيين غير اللجوء إلى القضاء لتأمين حياتهم أولاً ثم المطالبة بحقوقهم. ولكن المصيبة أن أبواب القضاء مغلقة أمام مثل هذه الشكاوى.. والإغلاق لا يحكمه شرع الله ولا القانون. ونأتي إلى حادثة أو قضية أخرى هي نوع من الكوميدياً الإدارية الساخرة في مرارة.. نوع من التمييز غير المفهوم بين المجتمع اليمني الواحد.. قبل سنوات قليلة حددت أراضي الجامعة في مدينة الشعب، ولو نزلت ياسيادة النائب العام لعلمت أن أحد المسؤولين كان قد اشترى أراضي هناك وبطريقة عجيبة تعرج سور الجامعة مثل الثعبان فإذا بأملاكه خارج السور، واثنان آخران كان من الصعب على السور أن يتلوى بنفس الطريقة كما حصل في المرة الأولى «المؤمن لا يلدغ من حجر مرتين»، ولكن كان تعويضهما عادلاً.. أما البقية الذين حفروا الآبار وعملوا الارتوازات بالتقطير ومدوا الكهرباء والماء وبنوا فلتين وبدأوا فعلاً باستثمار الارض فبعد غلبة مطالبهم لم تفلح لجأوا إلى القضاء فأنصفهم ثم لجأوا إلى السلطة المحلية في عدن فأقرت تعويضهم أسوة بالآخرين دون تمييز؟

وهنا نتساءل: هل يتساوى هؤلاء مع الآخرين الذين جمعهم حوش الجامعة معاً؟! على الأقل حفاظاً على روح المواطنة الواحدة والألفة بينهم؟!.. وهل في القانون مواطنة متساوية تسمع بإهدار حق دون آخر؟! وهناك قطع أرض تصرف، كان أولى بها الشباب العاطلون من أبناء المحافظات الجنوبية، وهناك جمعيات أراضيها في خطر، وأخرى تم شراؤها من قبل المتنفذين بأبخس الأثمان وكان أولى بها كما قلنا أصحابها..لا المستثمرون الوهميون ومقاولو الأنفار.. لذا نطالب النائب العام بتوقيف وإلغاء مخطط بيع أراضي أبناء محافظات الجنوب.. لكي -وقبل كل شيء- يحب الناس وطنهم. فحتى يحب المواطن وحدته أكثر عليه بالتلاحم أولاً بأرضه وترابه.. وحتى يكبر أطفالنا وأولادنا على حب الوحدة وتقديسها، كيف نترك ما يقرب من 80% من هؤلاء الأطفال- بعد أن جُرد آباؤهم من الأرض والوظيفة والأمان- يعيشون مع أسرهم تحت حد الفقر، وفي مناطق انعدمت فيها كل المرافق الحكومية التي تعطي للإنسان آدميته. هؤلاء الأطفال هم أبناء المنهزمين في حرب 94م الظالمة، ولا يستطيع آباؤهم إدخالهم حتى التعليم الابتدائي، وهم مرشحون وبكل فخر ليكونوا أميي القرن الواحد والعشرين.. بالإضافة إلى أن تلك المحافظات منبت جيد لخروج مزيد من الرافضين «لشماعة الوحدة» وقد ذاقوا طعم المرارة والفقر وعدم الاهتمام بهم منذ طفولتهم، وظلوا مع آبائهم مهمشين في أرض هي الأغنى في الشرق الأوسط كله.. أما الموظف في محافظات الجنوب فبعد أن كانت له مكانته وقدرته المادية من خلال مرتبات الحكومة، فقد انهار هذا الموظف لدرجة أن الصور صورته متسولاً رغم أنه كان برتبة عسكرية كبيرة أو وكيل وزارة، وتحول هذا الموظف اليوم إلى بائع أو (خراز) أحذية، ومنهم من قد داهمته الشيخوخة ويعيش مع أطفاله على لقيمات راتبه التقاعدي الذي لا يساوي ثمن وجبة الصباح لأحد المتنفذين. وبعد أن كان الموظف ذا عزة أصبح اليوم ذا مذلة وديون.

وبناءً على ما ذكر، وبما أن النيابة العامة شعبة أصيلة من السلطة القضائية - التي أغلقت أمام مثل هذه القضايا- لها دون غيرها الحق في رفع الدعوى الجنائية ومباشرتها ولها في هذا المجال سلطة التحقيق والاتهام ولها دورها في منع الجريمة وصولاً للغاية من كل ذلك المتمثلة في تحقيق عدالة أوفى وأأمن للجميع. خاصة وأن الجميع يعلم أننا داخلون على دور من أدوار مسألة الأرض والثروة والوظيفة، وداخلون في مسألة المطالبة بنظام يحفظ لأبناء محافظات الجنوب حقوقهم، أمران يجب على النيابة العامة والقضاء والذين هم مسؤولون عن مصلحة هذا الوطن ووحدته وشرفه والذين هم مسؤولون عن الحساب الواجب عليهم أداؤه للجيل من بعدنا، أن يقدروا هذا المسائل حق قدرها، وأن يعالجوها ويعطوها العناية ما تستحقه مسألة وطنية كبرى يتوقف عليها مصير الوحدة والديمقراطية والاستقرار.

نعم إن التشبع بفكرة إلغاء الآخر كان وما يزال حتى الآن إحدى نقاط ضعف السلطة. لقد كنا قادرين على وضع أهداف كبرى ورسم طرق سريعة للتخلص من «الآخرين» من أجل حل مهمات هي أصلاً مستحيلة التحقيق بدون أصحاب الحق، ولم نتعلم النظر إلى الأمام قليلاً وأخذ العبر من التاريخ والدروس من المقابر، ومعرفة عواقب أفعالنا الملموسة وأحكامنا اللا معقولة. وليس هذا فحسب، بل ربما كنا نخشى من الاعتراف بحقوق الآخرين ونعتبر تغييب حقوقهم انتصاراً. واذا كان هذا حال السلطة التنفيذية فنتمنى أن لا تنتقل هذه العدوى إلى القضاء الذي نراه يترنح أمامنا بفعل التفاعل غير الملائم بينه وبين المتنفذين. ولا يمكن أن يُدرس مصير الوحدة إلا من خلال خارطتين أساسيتين: خارطة الأرض والثروة والمستفيدين منها، وخارطة شراكة أبناء محافظات الجنوب بالدولة وليس بالنظام السياسي، وإذا كنا لا نريد تكرار الأخطاء القديمة فعلينا التوصل إلى مستوى آخر لفهم واقعنا، ويجب أن تصبح وجهة نظرنا عند الخيار السياسي والوطني وجهة نظر أطراف الحق، وأن نؤمن إيماناً قاطعاً أن وجودنا يتوقف بحد ذاته على مستوى فهمنا للوحدة بين الشمال والجنوب، وعلى القدرة على الاختيار الناضج والمفعم بالمسؤولية لا للقادة المعينين في المناصب العليا فحسب بل للمواطن وحياته ومعيشته.. أي الإنسان وأن مصيرنا المشترك يتوقف على هذا.

لهذا دعونا مرات ومرات النيابة العامة و القضاء باعتبارهما أرفع قيمة عند الله عزوجل، ولكي ننزع هذا الصرح الشامخ من السياسة، ويضمن لهذه الوظيغة مكانتها العالية، ونطالبها بالمحافظة على حقوق المسلمين في محافظات الجنوب وأملاكهم ووظائفهم وأعراضهم.. من هنا كان منع القضاء من النظر إلى دعاوى دون أخرى (هذه الأوامر معمول بها في محافظات الجنوب فقط) أول نقطة للظلم، إذ كيف يمكن استجلاء الحقيقة وإنصاف المظلوم وتحقيق العدل بين الخصوم والقضاء على هذه الحالة. فأي قضاء في العالم يمنع القاضي من الفصل في أي نزاع؟! فإذا كان منزلي منهوباً فلماذا لا يحق لي اللجوء إلى القضاء؟ وإذا كان الدستور والتشريعات قد رفعت من شأن القضاء والنيابة العامة حين ولتهما المحافظة على حقوق الناس، فإن هذه الصلاحيات تفرض على القاضي والنائب العام ووكيل النيابة أن يتجردوا من كل مؤثرات الأوامر الإدارية والسياسية.

إن التاريخ الإسلامي يزخر بكثير من السير والمحاكمات التي شهدت وقوف الخلفاء الراشدين وليس فقط الأمراء وقادة الجيوش أمام القضاء.. من قبيل ذلك جلس علي بن أبي طالب كرم الله وجهه مع خصم له، ووقف عمر بن الخطاب رضى الله عنه مع خصم له أمام زيد بت ثابت فألقى زيد وسادة لسيدنا عمر ليجلس عليها فقال له عمر: «هذا أول جورك». ومن هذا المنظور فهل سلب أراضي الناس ومساكنهم حق؟! وهل منع المظلوم من اللجوء إلى القضاء لاسترداد أملاكه حماية للحق؟! وهل هذا الاعتداء على أملاك الغير يخص فرداً بذاته يعيش منعزلاً عن المجتمع أم أنه يخص المجتمع كله؟! وهذا الاعتداء على الحقوق الخاصة، هل يؤثر على حقوق المجتمع ككل، بل وينال من كيانه وبنيانه أم لا؟! وهناك سلسلة من الأسئلة الخاصة بكيان الإنسان وحقوقه التي هي في الأصل تخص كل أفراد المجتمع، وحمايتها هي حماية للمجتمع كله.

وهنا، وبعد أن عرضنا بعض النماذج من القضايا التي تم نشرها في الصحافة وباعتبار أن ذلك النوع من القضايا يتصل بحرمة حقوق الإنسان الخاصة وهي تمس كل أفراد المجتمع، بل وتتواءم تلك التأثيرات لتعم الجميع.. وحاولنا إلقاء الضوء على حال القضاء والقضاة وموقفهم من البت بتلك القضايا. وبنقل هذه الهموم وطرحها على بساط الواقع العملي ومن خلال صحيفة «الأيام» ونقاوة تعاملها مع حقوق الإنسان سيبدو صدق هذا الطرح وأهمية معالجته. كما أن القيد على النيابة العامة في تحريك الدعوى الجنائية ضد المعتدين بناءً على شكوى المعتدى عليه يعد أمراً حرياً بالعدول عنه لأنه مناف للأخلاق والتشريعات، ولا يتحقق من ذلك الرفض في تحريك الدعوى الجنائية من قبل النيابة العامة أو المحاكم، بأن في هذا القيد حماية للوحدة، فحماية المجتمع أوجب ، ولا يتصور أن أطفالاً يرون مأساتهم يمكن أن يصمتوا في الكبر، بل أن رفع هذا القيد وتحريك الدعوى الجنائية يعد مانعاً لحدوث مثل هذه الجرائم مستقبلاً، ولا ريب أن الوقاية خير من العلاج، وأن من العلل مالا يجدي معها دواء.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى