كـركـر جمـل

> عبده حسين أحمد:

>
عبده حسين أحمد
عبده حسين أحمد
قبل بضعة أيام احتفلنا بذكرى الحرب الملعونة - وكل الحروب ملعونة - كانت الحرب بيننا .. انقسمنا على أنفسنا.. بعضنا يلعن بعضنا.. بعضنا يحارب بعضنا.. بعضنا يقوم بقتل البعض الآخر.. وكأن الحرب كانت هدفنا الأول والأخير.. أي الحرب ضد بعضنا البعض.. أما الحرب ضد الفساد.. الحرب على الغلاء.. فهذا شيء آخر لا يعرفه أحد حتى الآن.

< وانتهت الحرب ضد بعضنا البعض.. وحاولنا أن نطرد صورتها من أذهاننا.. وأن نغلق عقولنا وقلوبنا في وجهها.. لولا هذه الاحتفالات الخطابية وغيرها.. هي التي تذكرنا بالمآسي التي مرت بنا.. وسوف نستغرق وقتاً أطول في إصلاح الذي تهدم في كياننا ووجداننا ونفوسنا.. لكي نتعوّد على نسيان ما حدث.. ولكن الشعور بتداعيات الحرب.. والشعور بالعذاب والحرمان.. من الصعب أن يتعود عليه الإنسان.

< ولا بد أننا كنا نحلم أن تتحول هذه الحرب التي عصفت بنا إلى حروب أخرى.. حرب على الفساد.. حرب على البطالة.. حرب على الظلم.. حرب على الغلاء الذي يطحن الناس كل يوم.. فقد كنا نصرخ من غلاء اللحم.. كانت قيمة الكيلو اللحم إلى وقت متأخر 1200 ريال.. ثم قفزت إلى 1500 ريال.. ومن البداية امتنعنا عن شراء اللحم.. وحرمنا أنفسنا من تذوق اللحم.. وربطنا الأحزمة على البطون.. وأصبحنا لا نعرف شكل ورائحة وطعم اللحم إلا في الأعياد.. في عيد الفطر وعيد الأضحى المباركين فقط.

< وتحولنا - غصباً عنا- إلى الأسماك.. فالأسماك هي غذاؤنا الرئيس منذ انفطامنا من اللبن.. وهي المكون الأساسي لوجبتنا الغذائية (الرز والصانونة).. وعليه ترعرعنا وتربينا وكبرنا.. ومنها امتلأت بطوننا.. وكان السمك في متناول أيدينا .. نشتريه بأبخس الأثمان ونحن نضحك.. ولكن مع تقلبات الزمان.. وبعد أن أصبحنا في قلب الكارثة.. وعين الإعصار.. تصاعدت أسعار السمك.. وانصرفنا عن أفضل الأسماك التي كنا نأكلها (الديرك والجحش والبياض) وغيرها.. إلى أقل الأسماك سعراً (الثمد والباغة) .. مما يتناسب مع جيوبنا الصغيرة جداً.

< وقبلنا على مضض أن نشتري الكيلو (الثمد) بأربعمائة ريال في البداية.. فلم نكن نعرف هذه الأسعار للسمك من قبل.. نحن أبناء المناطق الساحلية.. نحن الذين كنا ننعم بثروات بحارنا السمكية من كل نوع وكل حجم.. وكنا أينما اتجهت عيوننا .. فلا نرى إلا أطيب وألذ الأسماك أمامنا.. وفجأة بدأت الأسعار ترتفع بسبب الجشع والاستغلال وتصدير الأسماك إلى الخارج.. قبل الاهتمام باحتياجات الناس في الداخل وتوفيرها في الأسواق بالكميات المطلوبة والأسعار المعقولة.

< وكما كنا نشعر بالخوف من الحرب.. أصبحنا نشعر بالخوف من الإرهاب الغذائي.. فلا أحد منا كان يتصور ارتفاع سعر الكيلو (الثمد) من أربعمائة ريال إلى ستمائة ريال.. إلى ثمانمائة .. إلى ألف.. إلى ألف وخمسمائة ريال.. ولا أحد منا كان يتصور أيضاً أن سعر (الثمد) يمكن أن يعلو ويزيد إلى هذا الحد.. ولا أحد منا كان يتصور أنه سيجيء حين من الدهر يتوارى فيه ويختفي (الثمد) .. ثم قالوا إن السبب هو (الرياح).

< كم أتمنى لو أن هذه الرياح تحملكم وترمي بكم في (غُب) البحر!!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى