ولا يزال مسلسل التقليد مستمراً ..!

> «الأيام» مختار مقطري:

> منذ أن كلفني قلقي على واقع ومستقبل الأغنية اليمنية دخول مجال الكتابة الفنية - كان ولا يزال دخولاً متواضعاً - في عام 2000م تقريباً وأنا أكتب وفقاً لمبدأ مفاده:( لا حياء في الفن كما لا حياء في الدين)، وكثيرة هي المقالات التي كتبتها منتقداً حالة التقليد في الأغنية الشعبية و(نهب) التراث وغياب الإبداع الحقيقي المعتمد على التجديد والابتكار في الكلمة المغناة والجملة اللحنية الجديدة المستندة على الإيقاعات المتنوعة في الأغنية الشعبية وأصالة الأغنية التراثية.. وأجدني اليوم كمن كان يؤذن في مالطا، أو نافخاً في قربة مثقوبة، فالحال لم يتغير، بل صار نجوم الموسيقى والغناء اليوم (داخل) اليمن أولئك المقلدين للأغنية الشعبية كما هي والأغنية التراثية كما وثقها جيل الرواد ولا يفعلون شيئاً سوى الوقوف في وجه التجديد والابتكار واستبدال كلمات غنائية هزيلة حيناً ومكررة حيناً آخر بالكلمات الغنائية الراقية في أغنية التراث، ولا يتورعون في أحيان أخرى عن نسب الألحان التراثية لأنفسهم، في حين أن التراث ليس بحاجة إلى هذا التقليد بل إلى تجديد متطور بتقنيات حديثة.

وليس جديداً ما قلته أعلاه، فلقد تناولته أكثر من مرة، ولكن الجديد فيه أني أتناوله اليوم وأنا أشعر بالسعادة بعد أن وجدت من يتفق معي في مبدئي (لا حياء في الفن)، إنه الشاعر والملحن أحمد العفيفي، ففي عصر يوم جمعة (16/6/2006م) رافقت جمعية الشرق للموسيقى والفنون ومنتدى باسويدان الثقافي وكلاهما من مديرية دارسعد بعدن في زيارة التعارف لهما لمنتدى (الرهوي) الثقافي - قيد التأسيس - بمنطقة باتيس بمحافظة أبين، وحين بدأ المغنون يؤدون أغاني معروفة قديمة لفنانين كبار، قال أحمد العفيفي بإصرار إن اللقاء يجب أن تتخلله أغان جديدة، فغنى شاب أغنية من كلمات الشاعر عوض باسويدان (صبها) في لحن أغنية تراثية، فوجه له أحمد العفيفي نقداً توجيهياً ناصحاً إياه بأهمية التجديد والابتكار في التلحين، وحين حاول صاحب المنتدى الملحن المبدع أنور الرهوي إثناءه عن توجيه النقد للمغني الشاب حرصاً على لياقة الضيافة ارتفع صوت أحمد العفيفي قائلاً: «لا حياء في الفن» .

نعم لا حياء في الفن حتى في التعبير عن الإعجاب لأني في اللقاء ذاته استمعت واستمتعت بثلاث أغنيات غناها الفنان أنور الرهوي وكلها من تلحينه، الذي لامس شغاف قلبي وأطرب مشاعري بنشوة الاستماع إلى اللحن العذب والشجي بكل ما فيه من أصالة غير مقلدة، ولكنها زاخرة بالجديد في الفكرة والجمل اللحنية المتنوعة والمتناسقة في الإطار العام للحن بما يترجم المعاني في النص ترجمة صادقة، وكانت آخر أغنية لأنور الـرهوي من كلمات الفنان محمد خليل الذي قال:

« لقد أحيا الرهوي النص الذي كتبته» أي: نفخ فيه من روحه المبدعة فوهبه الحياة.. وفي اللقاء أيضاً أدهشني الفنان الشاب ردفان عمر بلحن بديع ورشيق مليء بالحيوية النابضة والمشاعر الملاطفة للنفس والمداعبة للروح ليرقص القلب على إيقاع طروب مستوحى من النص الغنائي الجميل لأحمد العفيفي، ورغم أن هذا اللحن ضمن المحاولات الأولى لردفان عمر إلا أنه ينبئ عن موهبة فنية كبيرة لو واصل ردفان عمر مشواره الفني على التجديد والابتكار، المنبعثين من أصالة التراث والروح الحلوة في الأغنية الشعبية.

وفي كل المحافظات اليمنية فنانون موهوبون كثر كما في أبين ولكنهم جميعاً في الهم شرق، في ظل هذه الآلية الرسمية المتبعة في توثيق الأعمال الفنية في الفضائية اليمنية والقناة الثانية غير المنصفة وغير العابئة بأهمية الجديد والتجديد في الموسيقى والغناء، وفي ظل هذا الإصرار على الاستمرار في التقليد فلا عزاء للفنانين الموهوبين في اليمن، لأن كبرياءهم الإنساني والفني يمنعهم من الخضوع لهذه الآلية المذلة للفن نفسه لتوثيق أعمالهم الفنية، وهي آلية لا تخدم سوى هذا الغناء السائد المقلد للأغنية الشعبية والناهب للتراث، لأنها تكتفي للموافقة على توثيق الأعمال الفنية وصرف الميزانيات لهذا الغرض بإجازة النص الغنائي فقط من قبل شاعر أو أديب واحد أو مسؤول واحد أحد. وكثيراً ما يكون للمعرفة أو الزمالة أو الوساطة أو جبر الخاطر والخجل حيناً ومآرب أخرى أحياناً دور في إجازة نصوص خالية من روح الشعر ولا تصلح للغناء بدلاً من إجازة الأغنية كعمل فني متكامل (نصاً ولحناً وأداء) من قبل لجنة استماع متخصصة.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى