> د. منصور جميع عوض:

د. منصور جميع عوض
د. منصور جميع عوض
لم أشعر بالغربة وأنا في الجارة الطيبة (البيضاء) كما شعر صاحب (قريشي لحج) العسكري عوض أثناء الدورة العسكرية في عمان بالأردن حيث هاج به الحنين وقال: عوض ذكر موطنه .. ريت الحسيني قريب.

وفي مدينة البيضاء (العاصمة) والبيضاء الناصعة من الدرن .. ومن بياض (البيضة) كما وصف الله به حور الجنة (كالبيض المكنون) مدينة تاريخية قديمة تشهد بذلك قلاعها .. شعاع من نور (داراً وإيماناً) وليست خلق ساعة، أو على هامش عواصم محافظات الوطن اليمني، الموضة العمرانية بناء أحياء سكنية جديدة وإهمال المدن القديمة وهجرها .. ومن المداخل الخلفية تلمس المفارقات العجيبة، حيث تكاد تختفى العناية بالمظهر الصحي الحضاري كالبناء العشوائي وأهرام القمامات وطفح المجاري الظاهرة العامة في أغلب المدن القديمة التي قفت لها الطرق، وحرمت من الخطوط الدائرية التي تظل موصلة للحركة، إلا أن هذه القطيعة في تخطيط المدن الحضرية تعجز عن قطع علاقات الجوار الحميمة رغم عفويات الأطفال.

لكي أتعرف على مفاصل المدينة سرت على قدمي على ضوء خارطة رسمها لي ابني مدرس بالطفة ومن وسط المدينة حيث نزلت أحد فنادقها عدت من الطريق الذي دخلت فيه السيارة المدينة حتى الفرزة (شرقاَ) وفي طريقي إلى مبنى إدارة الزراعة والري حيث ينتهي خط الاسفلت وقعت عيناي على مساحة مسورة بسور غير مرتفع رأيت فيها قطعاناً مبعثرة من الغنم كأنها مجرات صغيرة ترى من بعد !! أحجام وألوان في الغالب بيضاء وبعضها مشكل (أبيض وأسود وحمراء الوبر) كأنها فسيفساء!! قلت في نفسي .. هل يمتلئ هذا السوق بالأغنام مع علمي بكثافة الأغنام في أرياف المحافظة، ولا يخلو بيت من الغنم وفي بعض القرى نسبة الحيازة للأسرة مرتفعة.

في مكتب الزراعة والري قوبلت من زملاء المهنة بالترحاب ورغم انشغال المدير العام (م. محمد الأشول) بمشاكل التشجير والمواشي السائبة وقضايا حماية البيئة عرفت قدر اهتمام السلطة المحلية برئاسة المحافظة والصعوبات لحماية التشجير وإقناع المواطنين بأهمية هذه القضية خصوصاً وأن الجفاف قد عم المحافظة وأثر ذلك على الزرع والضرع. والشجرة وغرسها وحمايتها ليست لمجرد الزينة وجمال المدينة، بل لأغراض أخرى منها للصحة العامة، والسلوك الثقافي علاوة على علاقة الشجرة بتلطيف الجو و(الجاذبية) للأمطار.. وسر الله في خلقه، وقد حث الإسلام على زراعتها.

نسيت المهمة التي تجشمت الطلوع لحلها .. وشعرت بضرورة العطاء رداً ووفاء لعلاقة الجوار وصلة الرحم، وأقل ما أقدمه خلاصة تجاربي في المجالات التي كسبب فيها قدراً من المعرفة والتجربة.. خصوصاً في مجال التشجير وضرورة مشاركة المجتمع.. فقد بدأت التجربة قبل نصف قرن في الجارة أبين عندما أسس الأبحاث قسم الغابات وفي بداية السبعينات تشكلت لجنة تشجير في دلتا أبين كخطوة أولى .. وأثناء تجربة الحكم المحلي في أبين كان التشجير يمثل مكانة في خطة المرافق وتقييمها، وبدأت - فعلاً- المرافق والمؤسسات تهتم بالشجرة وترعاها لتنطلق إلى الشوارع وواجهات بعض المنازل والمزارع. وأثناء بناء ساحة الشهداء تم غرس ثلاثين ألف شجرة (حديقة الساحة) من غير تشجير صدر الساحة ومنشآتها .. كما انتقل نشاط اللجنة بدعم قسم الغابات وحضور قسم الإرشاد الزراعي بنقل الحملة إلى الكثبان الرملية قرب (مصعبين) ومن طريق الاستقلال (المعهد التعاوني بدارسعد حتى مدخل الشيخ عثمان) لتنتقل التجربة الأولى إلى المنصورة وقد لاقت التجربة ما تعانيه حملة التشجير في مدينة البيضاء (حاليا) ولكنها حسمت مع المتابعة والمراقبة وحملة التوعية المكثفة. أما في تشجير طريق دار سعد - الحوطة فقد كان للسلطة المحلية- وعلى رأسها المحافظ عوض الحامد- بصمات مهما تغيرت خارطة الطريق لا تنسى. بصمات الحامد قريبة الشبه باهتمام محافظ البيضاء (يحيى العمري) وكل بداية صعبة.. والإنسان عدو لما يجهله إلا أنه وبالصبر كل من سار على الدرب وصل. تمنى عوض الشاعر الوهطي أن يكون (بحري) يشبع من الترنباع عندما كانت واحة لحج أكثر اخضراراً، وينسب بعض الناس القول إلى مسؤول منحدر من الريف أصاب موطنه قحط أن رأى غابة خضراء تمنى أن يكون بعيراً يرعى ويرتع فيها.. قال الضالعي (إذا الناس بغجه ادعس لك ادعس ولمه لا اذا القعود تبرطع).