إذاً.. ما هو الحل يا مأمون أفندي؟!!

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
(أصلك مش فاهم يا ربيع).. كان هذا عنوان مقال جميل وشيق للكاتب المصري مأمون أفندي، تحدث فيه عن الوضع العربي الرسمي ومأزقه الكبير حيال عملية تدمير لبنان وقتل وتشريد سكانه.. وأما (ربيع) فهو صحفي مصري متحمس وغاضب ككل العرب من كل هذا العدوان الغاشم الذي تتجلى فيه الغطرسة والعنجهية الإسرائيلية في أبشع صورها، وتبرز فيه عوامل الضعف العربي الجماعي في أدنى مستوياتها.. ربيع الصحافي العربي، فارت دماء العروبة في شرايينه، ووجه العديد من الأسئلة الجادة إلى أمين عام جامعة الدول العربية السيد عمرو موسى في مؤتمره الصحفي، وأخذ الشاب منقاداً بحماسته العربية، يسأل بحرقة وألم عن الهزيمة العربية وأسبابها.. عن التخاذل والخذلان والانكسار العربي.. وسأل أيضاً عن مواقف الدول العربية الكبرى التي بدت باهتة كما هي العادة دائماً.

ولأن السياسة كما يخبرها جيداً عمرو موسى، تتعارض مع العواطف والآراء الشعبية ولا تتعاطى معها.. ولأن لها حساباتها الخاصة التي تخضع لمنطق العقل وتحصيل المكاسب والمصالح بمعناها الصرف، فهي غالباً ما تصطدم بقوة مع العواطف الإنسانية البسيطة، وتصطدم مع الحماسة المتقدة كحماسة (ربيع)، التي كان على السيد موسى مواجهتها والتعامل معها بما يخالفها، فما كان منه إلا أن خاطب أخانا (ربيع) بعبارة واحدة تلقائية عبرت عنها اللهجة المصرية ببلاغة شديدة اختزلت الحكاية كلها في حروفها القليلة، وهي العبارة التي علق عليها السيد مأمون أفندي وجعل منها محور مقاله الجميل.

إذ قال الأمين العام للصحفي المتحمس: «شرحت لك الأمر في ساعات، في درس خصوصي.. بس انت مش فاهم يا ربيع!!..

اصلك مش فاهم يا ربيع.. ان المعركة الجارية في لبنان معركة تشترك فيها أطراف إقليمية كثيرة تبدأ من طهران وتمر بالعراق وتعرج على دمشق وتنتهي بالضاحية الجنوبية في بيروت وأن هذه القوى (التي تشكل هلال كبير) يا ربيع.. أرادت ان تكون معركتها مع قوى دولية أخرى على أرض لبنان، وأرادت لمقدرات لبنان ولدماء أبناء لبنان أن تنزف بالنيابة عن دماء الآخرين.. أم أنك لم تلاحظ يا ربيع أن الجولان المحتلة لا تهب فوقها سوى رياح السماء الهادئة!! وانت طبعاً مش فاهم يا ربيع، أننا العرب لا نستطيع أن نواجه إسرائيل وندخل معها في معركة عسكرية مفتوحة، لأن امكانياتنا الحربية وتجهيزاتنا العسكرية لا تسمح لنا بالمواجهة في الوقت الراهن.. إن شاء الله تكون قد فهمت يا ربيع؟؟

ولازم تفهم ايضاً يا ربيع.. أن الدول العربية النفطية تعتمد أساساً على مورد النفط كمصدر وحيد وأساسي في دعم اقتصادياتها، وهي غير مستعدة لأن تضحي بهذا المورد من أجل دفع فاتورة أخطاء سياسية وعسكرية ارتكبها حزب الله بخطف الجنديين الإسرائيليين دون أن يستشير أحد في لبنان، خاصة وهو حزب سياسي ممثل تحت قبة البرلمان اللبناني، ويخضع لقوانين ودستور الدولة اللبنانية.. ومع هذا لم يتشاور مع أحد.. لا مع رئيس الدولة لحود ولا مع رئيس الوزراء السنيورة ولا حتى مع رئيس المجلس النيابي القريب منه بري!! فهل فهمت يا ربيع أن هناك زعامات أقرب لنصر الله من السنيورة اللبناني حتى وإن كانت خارج الحدود اللبنانية؟؟».

كان هذا هو منطق العبارة القصيرة التي رد بها السيد عمرو موسى على ربيع وفند مبرارتها مأمون افندي.. ولكن علينا في المقابل أن نسأل السيد مأمون بمنطق آخر يقول له: نعم.. يا أخي فهمنا وتفهمنا ما ذكرت ولكننا نعتقد أن هذا (الهلال) الذي تتحدث عنه قد رفض على الأقل معطيات الأمر الواقع، وعبر بشكل أو بآخر أن له موقفاً جاداً واختار أن يحارب بغض النظر عن موقع المعركة.. والمعركة يا مأمون أفندي أياً كانت، لا بد لها من ثمن، وأعتقد أيضاً أنك تتفق معي أننا في جميع الأحوال ندفع الثمن غالياً سواء اخترنا أن نخوض معركة ثنائية على الأرض مع العدو الصهيوني، أم قبلنا بالمعركة اليومية التي تشنها علينا إسرائيل من طرف واحد كل يوم في حال بقينا ساكنين.. أم أنك لا تتفق معي يا سيد مأمون أن إسرائيل تقتل العرب كل يوم بدون معركة!!

وأود أن أتساءل يا سيد مأمون: ترى لماذا تنفق حكوماتنا العربية مليارات الدولارات على جيوشنا الرسمية، وتتسابق في شراء أحدث الأسلحة وتعقد الصفقات السرية والمعلنة من أجل تحديث القوات العسكرية دون أن تستخدمها للدفاع عن السيادة؟ هل من أجل أن يشاهد بعض زعمائنا قوافل جيوشنا المتخمة بالهزيمة والانكسار في المناسبات الوطنية المزيفة؟؟ أم أنني مخطئ في هذا يا مأمون أفندي؟؟

وأريد تذكيرك فقط كيف استطاع شهيد الأمة العربية المغفور له الملك فيصل بن عبدالعزيز أن يستخدم سلاح النفط حينما تطلب منه الأمر ذلك!! وكيف تجلى التضامن العربي في أروع صوره في حرب رمضان 73م وكيف كان التنسيق العسكري والسياسي متجانساً ومتناغماً على الساحة العربية حينها.. ثم أفهمني يا مأمون أفندي بمنطق الحق والباطل، كيف تقبل كعربي حر، أن تحتجز اسرائيل 9850 أسيرا فلسطينيا قضى منهم 183 سجينا نحبه تحت سقف السجون الإسرائيلية، إما بالإعدام أو بالتعذيب المفرط أو بالإهمال الطبي، وحينما أقوم أنا (العربي) بأسر جنديين فقط من جنود الاحتلال تقوم الدنيا كلها ولا تقعد؟!! ترى أي منطق هذا الذي يمكنني أن أقنع به نفسي أو جاري في حال القبول به أنه قد بقي لدينا نحن العرب شيء يسير من الكرامة؟ أم تريد القبول بأن تقتل إسرائيل من أبناء لبنان ما يربو على الـ400 شهيد من الأطفال والشيوخ والنساء وتشرد نصف المليون منهم، وتدمر بنية دولة كاملة فقط لأنني (أنا العربي) قمت بأسر جنديين إسرائيليين مقابل الرقم المهول من أسرانا العرب؟

يا مأمون أفندي.. إن ربيع هذا الذي لا يفهم يجسد ويعبر عن حال ملايين العرب الرافضين لمنطق السياسة الرسمية التي تحط من كرامتنا وتهزمنا قبل أن تهزمنا إسرائيل ذاتها، وما يؤمن به ربيع وأنا أيضا معه هو أن الموقف العربي الرسمي قد خذلنا تماما .. وأنه يمكن لهذا الموقف العربي أن يجد مخرجاً لنا يحفظ كرامتنا المهدرة، ويوقف غطرسة قادة الكيان العبري ويعيد قليلاً من الماء إلى وجهونا، وقبل كل ذلك إلى وجوه الزعماء العرب أنفسهم، أم أنني مخطئ في هذا يا مأمون أفندي؟!

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى