مع الأيــام..فرمان البلدية ينتصر للبهارات

> علي محمد يحيى:

>
علي محمد يحيى
علي محمد يحيى
الحكاية أنني ورفيق العمر منذ أوائل أيام الصبا، الأديب والباحث الأستاذ أديب قاسم، كنا من أشد المتذوقين للبهارات بأنواعها، أما تأكيدي لأيام الصبا فذلك يعني منذ كنا نذهب صباح كل يوم إلى المدرسة قبل ما يزيد عن الأربعة عقود من السنين، حيث كنا نعرج فاتحة كل صباح على مفرش العم أحمدو لنملأ المعدة بوجبة فطوره الشهية المعتادة من الروتي والفاصوليا وعليها ملعقة من السمن المعمّل ذي الرائحة المتميزة -بديلاً للسمن الجبلي - وشيء من خلطته العجيبة من البهارات، عليها ملعقة من مسحوق الثوم والبسباس الأحمر. وإذا لم تكن التحويجة التي كان ينثرها العم أحمدو على طبق الفاصوليا مقنعة لصديقي الأديب، فإنه يصيح بأعلى صوته راجياً متوسلاً بأن يزيد من الحوائج والثوم قليلاً، و كان العم أحمدو بدوره لا يبخل في تلبية أي من هذه الطلبات لأي من زبائنه الصغار، ممن كانوا يملأون طاولات فرشته التي كانت تتوسطها نصبة حلة الفاصوليا، ومن ضمنهم أديب قاسم، وبتعالي أصواتهم المستعجلة لوجبة الصباح حتى يطمئنوا للحاق بطابور الصباح الدراسي قبل أن يوصد عم سالم (الباطوالة) باب المدرسة ويغلقها بالزناجير والسلاسل.

الأستاذ أديب قاسم كان أنموذجاًَ خلال سنوات العمر في معرفة خصائص وأنواع البهارات، كما كان حاله في الأدب والشعر، فكان يصنفها ويوصّفها لنا نحن رفاقه، من حيث اختلاف الرائحة والجودة وفوائد كل منها، وبلد إنتاجها وآثار وطرق خزنها الذي ينعكس على جودتها ولونها وصلاحيتها وغير ذلك من أسرار البهارات.

وفي مرحلة الشباب لم تكن تخلو ليلة من لياليها إلا نادراً دون أن يكون لنا حضور أمام نصبة الحاج علي أحمد يرحمه الله تعالى في مطعمه بالشيخ عثمان، صاحب أشهر وأشهى طبق فاصوليا في كل عدن. وبسبب شهرة طبقه هذا كان من أهم زبائنه الرئيس الراحل سالمين، والأستاذ فضل محسن والأستاذ العزيز أحمد محمد قعطبي وغيرهم كثر من قيادات ذلك العصر السياسي. المهم أنه عندما كان الحاج علي أحمد يعد لنا ونحن من رواد مطعمه بالطبع أنا والأديب، طبقي الفاصوليا الموصى عليهما، فإنه يرحمه الله كان يؤكد للعامل المباشر بطبق الفاصوليا بالحوائج الدبل الخاص بالأخ أديب قاسم لعلمه بمزاجه نحو البهارات. ودارت الأيام - كما تغنيها الراحلة أم كلثوم - ولكن دون رغبة الأديب، إذ لم يعد أسوأ ما يذكر أمامه غير البهارات والحوائج، حتى مطبخ منزله كاد يخلو من حوائج الشركة وغيرها من البهارات، بعد أن فقد حاسة شم روائحها. وإذا أراد أحد أن يقوض مجلساً فيه الأستاذ أديب قاسم فليذكر البهارات ويرى بعد ذلك ما يجري من منطلق المثل القائل ما زاد عن حده ينقلب ضده، والسبب سامحها الله هي بلدية الشيخ عثمان وفرمانها الذي لا يُغتفر حين أقرت بقاء مستودع أسفل سكنه مخزناً لأحد أكبر موزعي البهارات في المدينة، يخزن بضاعته الكثيرة منها دون مراعاة لحقوق الساكنين أو بالحيطة بما يمنع أو حتى يقلل مما يعانيه الساكنون المجاورون لهذا المستودع من أضرار انبعاثات الروائح القوية النفاذة وبالأخص الأستاذ أديب قاسم وسكنه فوق المستودع مباشرة، حتى وصفها وكأنها مثل كم هائل من مسيلات الدموع، ومن سدادات الأنوف ومنفرات النفوس ومفرقات الجموع بسبب قوة روائحها تلك ومؤثراتها السلبية على حياة كل من يسكن أعلى المستودع المسنود بقاؤه بقوة فرمان البلدية بإجازة الخزن في المستودع رغم الجهود المضنية والسنين الطوال التي قضاها الأستاذ أديب بين مئات الشكاوى ومكوكيات المتابعة. وقد نصحته البلدية مؤخراً بأن يتخذ احترازاته من أضرارها بأن يقوم بتصفيح سلمه الخشبي المتشقق حتى لا تنفذ إلى مسكنه الروائح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى