المحطة الأخيــرة..العلاج بالإشاعة

> محمد سالم قطن:

>
محمد سالم قطن
محمد سالم قطن
كان صديقنا (سالم) وهو مسؤول سابق، جرى استبداله بمسؤول لاحق، كما هي طبيعة الدنيا في لعبة الكراسي الصغيرة في مرافق الدولة وإداراتها، يعاني منذ بضعة أشهر حالة من الاكتئاب استعصى علاجها بالعقاقير الطبية والتمارين الرياضية، كان (سالم) يجلس كغير عادته، شارد الذهن، عابس الوجه، يتحسر على عهد مضى وأيام لن تعود. فقد كان في السنين الخالية واحداً ممن يشار إليهم بالبنان ويقرع لهم بالشنان. كان الجميع في البلدة الصغيره يعرفه بالمسؤول الفلاني، ولهذا فهو يتلقى يومياً آلاف التحايا من الناس، كلما دخل أو خرج، وكان أعيان البلدة يفسحون له في المجالس ويدعونه إلى كل الموائد والولائم في الأفراح والأتراح.

ومع تغير الأحوال، فقد ذلك الكم الهائل من الأصدقاء، فلم يعد أحد يهتم بدعوته ولا حتى بالسلام عليه وتحيته. ازدادت حالته سوءاً بعد أن تقدم لمقاضاته في المحاكم بعض الأهالي في البلدة، هذا بدعوى بسيطة وذاك بدعوى عريضة، وآخر راح ينبش عثرات الرجل في الأيام السالفات.

وعن طريق أحد معارفي سمعت بالمأساة التي حلت بالرجل، وكيف رحل طلباً للعلاج عند أطباء النفس ومعالجي الأعشاب، وحتى عند أطباء الرقية وأخصائي (الجن) ممن تكاثرت عياداتهم في مختلف البلدات والمدن في هذه السنوات.

لم تتحسن حالة صاحبنا، وأخذ بعض أقاربه ينصحونه بالتودد إلى علية القوم وتغيير بطاقته الحزبية إلى لون أقرب إلى بطاقات حزب هذا الزمان فلعله يظفر بمنصب جديد يستعيد به ومن خلاله عافيته النفسية والأدبية والمادية ايضاً.

أحد (الخبثاء) وهو من المتمكنين في فهم سيكولوجية أهالي البلدة التي يعيش فيها هذا المسؤول المنكوب، وله دراية بطبيعة الزمن الذي نحن فيه، اقترح مسلكاً علاجياً بديعاً لم يخطر لنا على بال وشرع في تطبيقه في الحال، لم تنقض أسابيع معدودة حتى شفي الرجل من كآبته واستعاد عافيته وزال عنه الضنك والذهول.

كان العلاج، كما عرفت فيما بعد، أنه استخدم (نفرين) فقط ممن امتهنوا نشر الأقاويل والإشاعات بين أهالي البلدة، ولهم في (الشغلة) إياها رصيد باهر وباع طويل. استخدمهما لنشر إشاعة بأن الرجل (المسؤول الفلاني سابقاً) تلقى اتصالاً من جهات عليا قبل أيام، تفيد بأنهم قد قرروا تعيينه مجدداً مسؤولاً، بل مديراً عاماً، للبلدة إياها، وأنهم يتعشمون فيه أن يمارس مهمته الجديدة في هذا العهد بالروح ذاتها التي كان يمارس فيها المسؤولية في العهد القديم.

انتشرت الإشاعة بين الأهالي في البلدة انتشار النار في الهشيم وسرعان ما تلقفها الكثيرون من أصحاب (بما أنه) وغيرهم من الناس، وأخذت الحالة النفسية للرجل تتقدم باضطراد، إذ جاءه العديد من المعارف يجددون معرفتهم ويؤكدون صداقتهم. وأخذ جرس الهاتف في بيته يعاود الرنين بين الفينة والأخرى، بعد أن كان لائذاً بالصمت إلا من مكالمة يتيمة أو مكالمتين. تلقى عدة دعوات لولائم وتقييل من بعض تجار البلدة بينهم أحد المقاولين. وأضحى كلما مر في شارع أو زقاق يتلقى من التحايا والابتسامات، ودرزن أو درزنين من عبارات (أهلاً بو فلان) و(كيف الحال) و(الله بلخير يا أستاذ)، بعد سنوات كان لا يظفر من هؤلاء ولا من أشباههم حتى برد السلام.

لم يكن (سالم) يدري أي شيء عن الإشاعة ومحاولة العلاج، ولهذا فقد سارت المحاولة قدماً من نجاح إلى نجاح حتى شفاه الله الشافي الكافي الذي جعل لكل داء دواء، ومن كل ضائقة مخرجاً، حتى لو كانت عبر الأكاذيب ومن خلال الإشاعات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى