جراح (قانا) .. وآلام أخرى

> أحمد عمر بن فريد:

>
أحمد عمر بن فريد
أحمد عمر بن فريد
تكذب إسرائيل .. ويكذب أي مسؤول فيها (عسكرياً كان أو مدنياً) إن قال زوراً وبهتاناً أن ضرب ملجأ (قانا) للمرة الثانية كان خطأ عسكرياً وأنه يجري التحقيق فيه حالياً .. هم يقولون ذلك الآن، ومندوبهم في مجلس الأمن كان يعرض بالأمس شريط (فيديو) يحاول فيه أن يقنع الآخرين أن حزب الله يطلق صواريخه من بين ملاجئ (قانا) التي يحتمي فيها السكان المدنيون..!! وهذا المندوب الكاذب يعلم تماماً أن أحداً من أعضاء المجلس لن يصدقه فيما يزعم به ويدعي، باستثناء صديقه في اللاإنسانية (بولتن).

إسرائيل تعلم يقينا أن هذا المبنى يحتمي فيه عشرات الأطفال والنساء والشيوخ والمعاقين من الصغار، ولديها أجهزة إلكترونية دقيقة جداً تؤكد لها هذه المعلومة التي تحاول اليوم أن تواريها تحت ركام المباني المدمرة بأسلحتها الفتاكة وإرداتها البربرية .. إسرائيل تعلم أنها قد قتلت في (قانا الأولى) ما يربو على الـ (109) شهداء من الأطفال والنساء والشيوخ عام 96م، وأرادت الآن أن تتحدى العرب بتكرار المذبحة نفسها في المكان ذاته، وكأنما تريد أن تقول لجميع العرب: إنني أعلم أن أحداً منكم لن يحميكم من سلاحي وجبروتي!! وإنني أعلم أن جيوشكم العربية قد رهنت نفسها للهزيمة والانكسار والعار .. وأرادت إسرائيل بما فعلت من جرم أن تعاقب الإرادة الشعبية الباقي الوحيد في ظل الهزيمة العربية الرسمية بالمزيد من القتل للأطفال الصغار .. وقد فعلت.

إذاً .. نبارك لألمرت ولوزير دفاعه (شبيه بولتن) هذا الإنجاز البطولي الكبير .. نبارك لهما هذا العمل البطولي الجبار (رضّاعة) الطفلة العربية القتيلة التي خرجت من تحت ركام المهانة العربية إلى رحاب العزة والكرامة الإلهية وهي معلقة في رقبة الصغيرة الغضة .. نبارك لقيادات إسرائيل قتل الأطفال الصغار الأصحاء منهم والمعاقين، ونبارك للزعامات العربية (الكبيرة) هذه الإعاقة المتمكنة في ضمائرهم وفي عقولهم وفي إنسانيتهم ومسؤولياتهم.. ويشهد الله أننا نحسدهم اليوم على كراسيهم الوثيرة التي لم تعد إلا مكاناً للجلوس فوق كل مقومات الخور والهزيمة والعار .. نبارك للسيدة رايس (إنسانيتها)!! ونشكرها على فكرتها العبقرية بإنشاء الشرق الأوسط الجديد .. ونبارك للولايات المتحدة الأمريكية تحضر وإنسانية سيد محافظيها الجد ومندوبها (العظيم) بولتن في مجلس الأمن ونثني على تصريحه (اللاعنصري) وإن كنا نعذره ألف مرة في نظرته وتقييمه لقيمة الإنسان العربي، طالما وهي كذلك فعلاً لدى حكامه. فلماذا إذا نعاتبه على نظرته (القاصرة) (الدنيئة) وهي بالفعل قيمتنا الحقيقية لدى حكامنا (العظام)؟

قال (بولتن) في لحظة من لحظات التجلي .. وذات يوم إنساني حضاري في مجلس الأمن: إن مقتل طفل لبناني في الحرب (اللبنانية - الإسرائيلية) لا يمكن مقارنته بجريح إسرائيلي من الناحية الأخلاقية!! نعم هكذا قال بلا خجل ولا حياء .. إذاً إلى هذا الحد تدنت القيم والأخلاق تحت سقف مجلس الأمن، وإلى هذا الحد يمكن للتصريحات السياسية أن تتواطأ مع الخسة والانحطاط وتتخلى عن الإنسانية والمروءة .. وإلى هذا الدرجة يمكن أن تسقط (الأخلاق) في ثنايا كلمات عديمة (الأخلاق) .. وبمثل هذه النماذج من الرجال وبمثل هذه التصريحات يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تخسر ما بقي لديها من أرض تقف عليها في الشرق الأوسط .. ترى لماذا تفعل أمريكا كل هذا بنفسها؟

لو كان هذا الـ (البولتن) شيطان رجيم، وشاهد بالأمس جثث الأطفال الصغار وهي تنتزع من بين ركام المباني المدمرة بعد أن فارقت الحياة، لربما رق قلبه ولان .. وربما تراجع عن تصريحه السخيف ولذرفت عيناه الدموع الساخنة، ولو كان يعلم بولتن أن قيمة الإنسان العربي في وطنه تعادل القيمة التي يحظى بها الإنسان الحر في بلاده .. لما تفوه بما نطق!.. ولو كان يعلم هو وقيادات إسرائيل أنه قد بقي لدينا شيء من الغضب نحن العرب لترددوا ألف مرة ومرة قبل أن يتفوهوا بمثل تلك العبارة العنصرية، أو يسقطوا فوق رؤوس أطفالنا تلك الحمم المهلكة!.. هو قال ذلك لأنه يعلم أن (قيمة حياة) الإنسان العربي لدى حكامه العرب لا تتجاوز قيمة (خدش) يصيب جسد مواطن لدى حاكم يحكم في دولة ديمقراطية .. فصبراً جميلاً يا أهلنا في لبنان وقانا.

ألم محلي عابر:

افتتح أربعة مسؤولين يمنيين (مشكورين) يوم الأحد الماضي، مشروع محطة عدن (70 ميجاوات) بمديرية المنصورة بتكلفة إجمالية بلغت (47) مليون يورو تقريباً .. لتوقف عجز الكهرباء المخجل في المدينة، التي يقال لنا إنها العاصمة الاقتصادية لليمن، واللافت للانتباه أنه قد تم تمويل هذا المشروع ليس من دخل هذه المدينة المعطاءة، ولا من مداخيل نفطنا الذي لا نعلم كم يباع منه وبكم؟؟ ولا من فوارق أسعار النفط المهولة!! وليس أيضاً من صادراتنا من الذهب التي لا تدخل تحت أي بند في ميزانيتنا العامة، وتعلمه فقط بورصة دبي والراسخون في الفساد ولا نعلمه .. وإنما .. وكما هي العادة من جيوب ودخل (الدول المتصدقة والمتسترة على خيبتنا) .. من صندوق التنمية السعودي .. فلماذا إذاً جاء كل هؤلاء المسؤولين متبخترين وكأنما هذا الإنجاز العظيم قد خرج من بين جهودهم الجبارة، أو كأنما تمكنوا من انتزاع كلفته الكبيرة من بين براثن الفساد؟؟؟ كنت أتمنى محقاً أن يفتتح المشروع إلى جانب أبناء عدن سفير أو قنصل الدولة الداعمة للمشروع، وذلك حتى لا نزيف وعي المواطن ونحاول أن نخدعه بإنجازاتنا الكبيرة (صدقات العطف) .. إننا الدولة النفطية الوحيدة في المنطقة التي لا تشم رائحة النفط فيها، والدولة الوحيدة التي أهلها الفساد المتعملق والمتمكن في مفاصلها إلى دولة خبيرة في فنون (الشحاته) والاستعانة بالآخرين لإنجاز مهامها الأساسية.

[email protected]

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى