إسرائيل وأميركا تخسران الحرب على ثلاث جبهات

> باتريك سيل:

>
باتريك سيل
باتريك سيل
كان دينيس هيلي، وزير الدفاع البريطاني السابق، يقدم نصيحة حكيمة للزعماء السياسيين المعاندين بقوله: «حين تكون في حفرة توقف عن الحفر»... واليوم نرى أميركا وإسرائيل في حفرة عميقة وهما بحاجة ماسة الى التوقف عن الحفر قبل أن تبتلعهما الحفرة.

إنهما يقاتلان ويخسران على ثلاث جبهات: العراق، لبنان وفلسطين. وكأن ذلك وحده لا يكفي فهناك بين حكام الدولتين من يدفعه الجنون الى حد المطالبة بتوسيع رقعة الحرب لتشمل سورية وإيران وكل ما يسمونه بالعالم «الإسلامي الفاشي».

أجل إن إسرائيل تنكر ان لها دخلاً في حرب العراق، غير أنها في الواقع طرف في هذا النزاع شأنها شأن أميركا في حربي لبنان وفلسطين. فلقد شاركت في التخطيط الاستراتيجي لحرب العراق لأن من شأنها أن تبعد أي تهديد يأتيها من الشرق.

وقام أصدقاؤها المحافظون الجدد بالترويج للحرب ولفقوا معلومات سرية لإقناع الرئيس الساذج بأن ضرب العراق ضروري لأمن أميركا.

وبعد ثلاث سنوات ما زالت أميركا غارقة حتى الرأس في المستنقع العراقي، تبدد بلايين الدولارات وتخسر رجالها بنسبة واحد في اليوم من دون أن يدعوها التفكير السليم أو تدعوها الإرادة الى الخروج من الحفرة.

وهنالك رابط واضح بين الحروب في العراق وفلسطين ولبنان، وهو التعسف الأميركي الذي اتخذته إسرائيل نموذجاً للعنف العشوائي ضد المدنيين وخرق المعاهدات الدولية الخاصة بالشؤون الإنسانية. وما تفعله إسرائيل هو مجرد اتباع الدولة الرائدة أميركا.

ذلك أن الدول العظمى حين تخلق الظروف لانتشار الفوضى العالمية وتدوس على أسس النظام الدولي وتوازناته واستقراره، فإنها تشجع الدول الأصغر على أن تحذو حذوها. فالعقائديون المؤيدون لإسرائيل في واشنطن ما زالوا مدفوعين بخيالهم بأنه يمكن إعادة هيكلة الشرق الأوسط كله بواسطة القوة العسكرية ليتناسب مع المصالح الأميركية والإسرائيلية، ويأتي ذلك في وقت نجد فيه الرئيس بوش يدفعه القلق والخوف من نتائج الانتخابات النصفية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل الى الاصغاء الى هذا الهراء الجنوني ويمنعه عناده وجهله من التصدي الى هذا الجنون.

وما الحربان في لبنان وفلسطين سوى حربين تقوم بهما أميركا وإسرائيل بتخطيط مشترك وبتنفيذ قائم على تنسيق استراتيجي متين، فالإسرائيليون يخوضون القتال وأميركا تقدم التمويل والسلاح والغطاء السياسي والديبلوماسي، وهي عارضت وقف اطلاق النار لتمنح إسرائيل الوقت الكافي لانهاء المهمة.

غير أن رياح الحرب لا تجري كما يشتهون. فقد تحقق إسرائيل بعض المكاسب التكتيكية في لبنان وغزة - كما حصل هذا الأسبوع في هجمة الكوماندوس على بعلبك - غير أن النصر الاستراتيجي يكاد يستعصي تماماً على الانجاز. فـ «حزب الله» و «حماس» ليسا جيشين تقليديين يمكن إلحاق الهزيمة بهما في ميدان الحرب، كما أنهما ليسا «منظمتين إرهابيتين» تفتقران الى الاعتبار والاحترام. إنهما حركتا مقاومة وطنية ذات جذور عميقة في الأوساط الشعبية التي يمثلانها والتي يدافعان عن حقوقها وحيواتها ضد الأعمال العدوانية الإسرائيلية المتكررة.

ويبدو أن الهدف الفوري لإسرائيل من حربها في لبنان هو طرد «حزب الله» والسكان المدنيين المحليين الى مسافة 30 كيلومتراً حتى نهر الليطاني، أملاً في أن تدخل القوات الدولية بعد ذلك لتجردهم من سلاحهم وتحمي إسرائيل من الهجمات الصاروخية... وهذا حلم ووهم.

فاحتلال جنوب لبنان لن يحمي القوات الإسرائيلية من هجمات حرب العصابات - كتلك التي أجبرتها على الانسحاب عام 2000 - ولن تقوم أي دولة بارسال قواتها لتحمي إسرائيل من « حزب الله». فالقوات الدولية، كما أوضحت فرنسا، لا يمكن نشرها إلا بموافقة جميع الأطراف، بما فيها «حزب الله»، وفقط بعد أن يعود السلام. وتقوم إسرائيل في هذه الاثناء بقصف قرى الجنوب وتدميرها وزرع الرعب والهلع بحيث يضطر السكان الى النزوح شمالاً، هذا إذا نجوا من الموت ولم يدفنوا تحت انقاض بيوتهم.

ولا شك أن الثمن الأخلاقي والسياسي الذي ستدفعه إسرائيل لعمليات التنظيف العرقي وإرهاب الدولة التي قامت بها سيكون غالياً جداً. فاحتقار إسرائيل لحياة العرب ولقوانين الحرب أفقدها الشرعية التي استطاعت الحصول عليها خلال 58 سنة من وجودها. وهنالك الألوف بل عشرات الألوف من العرب الراديكاليين الغاضبين يتطلعون الى مهاجمتها.

ذلك هو التناقض الأساسي في صلب السياسة الإسرائيلية. فهي إذ تحاول أن تعيد قواتها الردعية الى ما كانت عليه بالوسائل الوحشية فتطالب بحرية مهاجمة أعدائها وتنكر على هؤلاء حرية مهاجمتها انما تخلق العديد من الأعداء الألداء المتعطشين الى الانتقام. واما هشاشة وضعها في حرب غير متكافئة فسوف تزداد بفعل حملاتها الشرسة على الجبهتين وليس العكس.

وأما هدف اميركا واسرائيل الأكبر من القضاء على «حزب الله» ومحو كل أثر للنفوذ السوري أو الايراني في لبنان، فهو مطلب خيالي أبعد منالاً يتبخر أمام الوقائع المحلية. فلسورية وايران أسباب تاريخية ودينية واجتماعية ذات صلة بشبكة من الروابط العائلية والمصالح الأمنية والاستراتيجية المشتركة، ولذا فإن اسرائيل أو أميركا لا يمكن أن تأملا يوماً بمزاحمة نفوذ سورية وايران.

وأياً كانت المفاجآت الحربية التي يمكن ان تأتي بها فترة الاسبوع او الاسبوعين القادمة فإن ما أصبح واضحاً هو ان كراهية اسرائيل وخيبة الأمل من اميركا لن يكون لهما حدود، هذا في حين أن «حزب الله» سيخرج من المعركة أقوى مما كان. ولأن اسرائيل واميركا رسمتا للحرب أهدافاً صعبة المنال فقد ضمنتا بذلك فشلاً محققاً.

وتجد اميركا اليوم نفسها على مفترق طرق مهم في تعاملها مع العالمين العربي والاسلامي. فإما ان تزداد غرقاً في الأعمال الحربية أو تكتشف الحكمة لتصحيح الهدف. وهنالك ساسة محنكون في واشنطن يعرفون ما ينبغي فعله، رجال من أمثال برنت سكاوكروفت، مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس جيرالد فورد والرئيس بوش الأب، وزبغنيو بريجنسكي مستشار الرئيس كارتر. غير ان أصواتهم غير مسموعة في البيت الأبيض في عهد جورج دبليو بوش.

ولقد خلق هذا الأخير لنفسه، بفضل «الحرب الشاملة على الارهاب» وبفضل تأييده المطلق لاسرائيل العديد من الأعداء. فليس في التاريخ الحديث رئيس اميركي نال من اللعنات ما ناله. ويبدو ان اميركا غير قادرة حتى على ضبط جموح عميلتها اسرائيل كما تبين لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في الاسبوع الماضي حين وعدها رئيس حكومة اسرائيل ايهود اولمرت بوقف القتال لمدة 48 ساعة ولكن جيشه استمر في القصف كأن شيئاً لم يكن. ولقد قالت لشمعون بيريس ان وقف القتال يمكن ان يتحقق خلال ايام فرد عليها «بل خلال اسابيع». فأين هي اذن زعامة اميركا الكونية الشاملة؟ لقد سقطت الى الدرك الأسفل وتحولت على حد قول رجب طيب اردوغان رئيس الحكومة التركية الى «ثقافة عنف».

والرئيس بوش يواجه اليوم خيارين، فإما ان يستمر في دعم اسرائيل في حربيها الكارثيتين في لبنان وفلسطين وربما امتدادهما الى سورية وايران أو أن يوقف هذا الجنون ويثبت زعامته في السلام. انها فرصته الوحيدة لإنقاذ رئاسته من الفشل الذريع. عليه ان يلقي بثقل اميركا الكبير وهيبته الشخصية في البحث عن حل اقليمي شامل. انه أمر قابل للتحقيق وما زال لديه الوقت ليفعل. ولكن لا بد له كي ينجح، من أن يتخلص من المستشارين الذين عرضوا اميركا للخطر. فمشاكل المنطقة لا بد من معالجتها جميعها لأنها متشابكة: 1- لا بد من حل النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي وانشاء دولة فلسطينية مستقلة على أساس حدود 1967 . 2- حل النزاع بين سورية واسرائيل على اساس إعادة الجولان. 3- لا بد من إعادة بناء لبنان بضخ الكثير من المساعدات وبضمانات دولية لمستقبل آمن. 4- على أميركا ان تبدأ حواراً مع ايران يهدف الى عودة العلاقات الدبلوماسية والاعتراف بمصالح ايران الاقليمية ومخاوفها الأمنية. 5- على اسرائيل ان تتخلى عن طموحها العبثي للهيمنة على المنطقة عسكرياً وان تعمد عوضاً عن ذلك الى عقد معاهدات سلام مع العالم العربي بأسره على أساس حدودها عام 1967 وعلى أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار.

فهل هذه الرؤية الطوباوية مجرد أحلام وردية؟ وأما الوضع الراهن فليس سوى استمرار القتل وخسارة كل الأطراف.

كاتب بريطاني متخصص في شؤون الشرق الأوسط- عن «الحياة» اللندنية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى