مع الأيــام .. أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا

> د. عبده يحيى الدباني:

>
د. عبده يحيى الدباني
د. عبده يحيى الدباني
(في البدء كانت الكلمة) .. ليس لدينا في هذا المقام إلا (الكلمة) تجاه ما يحدث اليوم في لبنان وفلسطين والعراق، وإن تكن الأصوات قد بحث وأثر الكلمة قد ضعف ولعله قد وصل إلى درجة (الصفر) وهي حالة مرضية حتى صرنا نردد مع أبي تمام:

السيف أصدق إنباءً من الكتب ** في حده الحد بين الجد واللعب

لكننا مع هذا ننطلق من قوله تعالى: {ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء} إبراهيم الآية 24.

على أن بمقدور الشعب العربي الكبير أن يعمل أكثر من الكلمة والشجب والتنديد والمظاهرات على أن هذه الأساليب نفسها لم تكن هذه المرة في المستوى المطلوب بالنسبة للشعوب، أما الحكومات فمواقفها أقرب إلى العدوان الإسرائيلي منها إلى قضية فلسطين ولبنان وشعبيهما المكافحين الصامدين المحتسبين. لقد أعجبني وأقنعني ما كتبه أحد الزملاء الأعزاء في صحيفة «الأيام» قبل أيام معاتباً الشعب العربي على استكانته وبروده وخذلانه.

داعياً إلى أن تقوم النقابات العربية وسائر منظمات المجتمع المدني إلى الإضراب الشامل عن العمل للضغط على الحكومات لتقوم بدورها، بل أن هذا الإضراب نفسه سيضر بمصالح الدول الكبرى الداعمة للعدوان، بل سيضر بإسرائيل نفسها التي تسفك الدم العربي من جهة وتضخ النفط العربي من جهة أخرى؟

نعم أين الجماهير العربية بمنظماتها ونقاباتها واتحاداتها وروابطها المختلفة؟ هل صارت تخاف على مصالحها الضيقة وأعمالها وأقواتها، خوفاً مبالغاً فيه بل خوفاً مرضياً؟ هل جفت روح التضحية لدى الجميع شعوباً وحكاماً؟ وصار التواكل والتخاذل هما شعار المرحلة وهويتها؟ بل لقد وصل الأمر حد التواطؤ وبيع القضية برمتها وإن ما خفي كان أعظم!

لقد ردد (البردوني) قبل أكثر من خمسة وثلاثين عاماً كاشفاً عن عورة الحكومات العربية قائلاً:

حكامنا إن تصدوا للحمى اقتحموا

وإن تصدى له المستعمر انسحبوا

هم يفرشون لجيش الغزو أعينهم

ويدعون وثوباً قبل أن يثبوا

القاتلون نبوغ الشعب ترضية

للمعتدين وما أجدتهم القرب

نعم إنهم يقتلون نبوغ شعوبهم حتى يرضوا أعداءهم، وما هذا الموات الذي يشهده الشارع العربي اليوم إلا نتيجة لهذا القتل المنظم الدءوب!

أما أعداء الأمة الإسلامية من أولئك الأقوياء مادياً وعسكرياً، الضعفاء دينياً وأخلاقياً وإنسانياً الذين يسفكون الدماء البريئة ويهدمون المنازل والملاجئ على رؤوس ساكنيها، ويخربون الأرض ويفسدونها من بعد إعمارها وإصلاحها فإن الشاعر (البردوني) لم ينسهم بل وصفهم بهذه الأبيات الخالدة حيث قال:

وأقبح النصر نصر الأقوياء بلا

فهم سوى فهم كم باعوا وكم كسبوا

أدهى من الجهل علم يطمئن إلى

أنصاف ناس طغوا بالعلم واغتصبوا

قالوا هم البشر الأرقى وما أكلوا

شيئاً كما أكلوا الإنسان أو شربوا

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى