مصداقية الحزب الحاكم في المحك .. هل يطبق أم لا قرارات مؤتمره العام السابع بعدن بتخصيص 15% من المقاعد للنساء في المجالس المحلية؟

> «الأيام» د. محمد علي السقاف:

>
د. محمد علي السقاف
د. محمد علي السقاف
نعم مصداقية الحزب الحاكم في المحك في مدى وفائه والتزامه بقرارات مؤتمره العام السابع بعدن بتخصيص نسبة 15% من المقاعد للنساء في الدوائر الانتخابية للمجالس المحلية، ومصداقية تمسك المرأة اليمنية بحقوقها الدستورية في المواطنة المتساوية بينها وبين المواطنين الذكور هي أيضاً على المحك، فشكوى التظلم والمطالبة بحقوقها لن تجدي إذا لم تقرر المرأة اليمنية صراحة وعلناً أنها ستقاطع الانتخابات المحلية كناخبة ومرشحة وأنها ستصوت في الانتخابات الرئاسية لصالح مرشح المعارضة إذا لم يتسجب الحزب الحاكم لمطالبها المشروعة، وهي في الأساس تمثل واحداً من قرارات مؤتمره العام السابع بعدن فهي فرصة استثنائية أمام المرأة اليمنية بسبب أهمية الانتخابات الرئاسية مقارنة ببقية الاستحقاقات الانتخابية، ولأنها في هذه المرة هي انتخابات فعلاً تنافسية كما تبدو ومفتوحة أمام جميع الاحتمالات، أما في حالة استجابة الحزب الحاكم لمطلبها المشروع فمتروك لكل ناخبة أن تقرر لمن ستدلي بصوتها لبرنامج المرشح الرئاسي الذي يتفق مع رؤاها السياسية وتطلعاتها لمستقبل اليمن.

ولعل السؤال الذي يتبادر إلى ذهن القارئ هو لماذا يحمل الكاتب المسئولية الجسيمة للحزب الحاكم في تحقيق مطالب المرأة المشروعة في المساواة مع الرجل ولا يحمل المسئولية ذاتها لأحزاب اللقاء المشترك على سبيل المثال؟ وهل هناك متسع من الوقت لتعديل القوانين ذات العلاقة أم قد فات الأوان؟

أولاً مسئولية الحزب الحاكم وحده دون بقية الأحزاب.. لماذا؟

لأن المؤتمر الشعبي العام هو الحزب الحاكم في الوقت الحاضر وهو وحده الذي يتمتع بأكثر من ثلثي أعضاء مجلس النواب لإقرار أي تعديل لقانون الانتخابات وقانون الأحزاب السياسية، ولأنه الحزب الوحيد الذي نص بشكل صريح ومحدد في مؤتمره العام السابع بعدن تخصيصه نسبة 15% من المقاعد للنساء في الدوائر الانتخابية للمجالس المحلية والبرلمانية دون أن يجبره أحد على عمل ذلك، مما يفترض أن عرضه تلك النسبة يمثل قناعته مثل تمسكه بالرئيس علي عبدالله صالح كمرشح للمؤتمر للانتخابات الرئاسية القادمة مثلما جاء ذلك في نفس قرارات المؤتمر العام السابع بعدن. فلماذا إذن نجح المؤتمر الشعبي العام في تحقيق هذا المطلب وأثنى الرئيس عن قراره في 17/7/2005م بعدم ترشيح نفسه للرئاسة.. لماذا نجح المؤتمر في هذا ولم يعمل على تطبيق بقية قراراته خاصة القرار الخاص بالتمكين السياسي للمرأة؟

(أ) موقف المؤتمر وقياداته من الكوتا النسائية

لن نسرد هنا تصريحات القيادات السياسية في المؤتمر الشعبي العام والحكومة بوعودهم السخية للمرأة اليمنية قبل مواعيد الاستحقاقات الانتخابية، التي ترجمت في أرض الواقع إلى تراجع في كل مرة في مستوى تمثيل المرأة في الانتخابات البرلمانية والمحليات لعام 2001م سنكتفي هنا بالإشارة إلى بعض التصريحات وقرارات المؤتمر حول الانتخابات المحلية.

تصريح عبدالقادر باجمال: في كلمته أمام المؤتمر الوطني الثاني للمرأة في 8 مارس 2003م دعا إلى تخصيص دوائر بعينها تتنافس فيها النساء فقط في الانتخابات البرلمانية لعام 2003، وجاءت النتيجة فوز المرأة بمقعد واحد يتيم في مجلس النواب وخسارتها المقعد الثاني التي كانت ممثلة فيه في برلماني 1993-1997 وفي المؤتمر الوطني الثاني للمرأة نفسه طالبت إحدى النساء بتغيير قانون الانتخابات وتبني نظام القائمة النسبية، وكان رد باجمال على الاستاذة أمل الباشا «أنا مع هذا الاتجاه بأن تكون هناك نسبة مئوية للمرأة لكن هذا لن يتأتى الآن، ولكن يمكن العمل به لانتخابات قادمة.. ففي عام 2006م ستجرى انتخابات محلية فإذا جرى هذا التعديل سنكون بعد 3 سنوات أمام اختبار حقيقي في قضية تمثيل المرأة وعلى الاقل نبدأ بالمجالس المحلية فأنا مع هذا المقترح» («الأيام» في 12 مارس 2003م العدد 3812). من هنا بإمكان رئيس الوزراء باجمال الذي أنيط به أيضاً منصب الأمين العام للحزب الحاكم أن يعمل على تنفيذ قررات حزبه بهذا الخصوص.

قرارات المؤتمر الشعبي العام

أقرت الدورة الرابعة للجنة الدائمة المنعقدة بصنعاء في فبراير 2005م «تخصيص ما لا يقل عن (لاحظوا هذه العبارة) 15% من الدوائر للنساء بالنسبة للانتخابات النيابية ونسبة 15-20% في انتخابات المجالس المحلية بمستوياتها».

أول تراجع انقلابي عن قرارات الدورة الرابعة للجنة الدائمة في المؤتمر العام السابع بعدن في 15-17 ديسمبر 2005م حيث خفضت النسبة من 15-20 لانتخابات المجالس المحلية إلى نسبة 15% للمحليات والبرلمانية، واكتفى نص هذا القرار بالقول «بدفع الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في ذلك» ولم يقل القرار اشتراط المؤتمر تطبيقه تلك النسبة إذا عملت به ايضاًَ مثله بقية الأحزاب السياسية، فصياغة القرار جاءت وكأنه قرار ذاتي للمؤتمر وليس مشروطاً بموافقة بقية الأحزاب على تخصيص النسبة نفسها.

الأمر الذي جعلنا نوضح في مقال لنا تحت عنوان (المؤتمر والكوتا النسائية وعود سرابية أم حقيقية) والمنشور في صحيفة «الوسط» بتاريخ 22 مارس 2006م.

تصريحات الأمين العام المساعد للشؤون السياسية لحزب المؤتمر عبدالرحمن الاكوع

في لقاء الأكوع مع عضوات المحور السياسي في اللجنة الوطنية للمرأة، أشار إلى ثلاثة خيارات، الخيارين الأول والثاني في حالة تبني ميثاق شرف تلتزم جميع الاحزاب والتنظيمات السياسية الموقعة عليه بتمثيل النساء بنسبة 15-20% من إجمالي مرشحيها لعضوية المجالس المحلية والمحافظات، بغياب هذا الميثاق لعدم اهتمام الأحزاب أو بعضها في جدواه فلن نشير إلى تفاصيله، سنذكر هنا الخيار الثالث الذي تقدم به الأكوع ويتضمن حسب قوله «تحديد نسبة من الدوائر لترشيح النساء على أن يخضن الانتخابات كمنافسات للمرشحين بعيداً عن الدوائر المغلقة مشيراً ان هذا الخيار سيعمل به في حال لم يتم الاتفاق مع الأحزاب على ميثاق الشرف...».

وسيلاحظ أن السيد الاكوع بتبنيه الخيار الثالث جاء كبديل في حال غياب الاتفاق مع الاحزاب على ميثاق الشرف بقوله أنه سيعمل به من الواضح أن المقصود بالجهة التي ستعمل به هو الحزب الحاكم. وأضاف الاكوع في تصريحاته بالقول إنه «إذا لم نضمن نجاح المرأة فسنضطر حينها إلى تعيين مديري نواحي من النساء وسنتخذ قرارا بشكل انفرادي...» إلا أن أهمية هذه الاضافة ستفرغ من مضمونها في إطار مشروع استبدال تعيين المحافظين ومدراء عموم المديريات عبر الانتخاب في مطلع عام 2007م حسب تصريحات الاخ عبدالله غانم الأخيرة في منتدى «الأيام».

الحزب الحاكم هو المسؤول عن إدارة الدولة ورسم سياستها وإدخال الاصلاحات السياسية والاقتصادية والمالية ...إلخ ذلك، فالحزب الحاكم هو الذي قام بالتعديلات الدستورية الاخيرة لوحده لعام 2001م ولم يشترط لإجرائها أن توافق على بنودها بقية الأحزاب السياسية سواء بتغيير مدة ولاية رئيس الجمهورية من 5 إلى 7 سنوات ومجلس النواب 4 الى 6 سنوات وبأثر رجعي مخالفاً بذلك الدستور والقوانين، والحزب الحاكم وحده أقر برامج الإصلاحات الاقتصادية والمالية بالعمل مع البنك الدولي ومؤسسة النقد الدولية دون إعارة معارضة الاحزاب السياسية والشعب لهذه السياسية المدمرة للبلاد أي اهتمام ربما لقناعته أنها تلبي المصالح العليا لليمن وربما بضغوط المؤسسات المالية الدولية. لماذا فيما يخص التمكين السياسي للمرأة لا ينتهج السياسة نفسها ويتعذر عن تنفيذها لأن بقية الاحزاب لن تحذو حذوه؟ لماذا في هذه القضية تمتلك المؤتمر الرغبة في بلوغ الوفاق الوطني حول حقوق المرأة بدلاً من النظر لهذا الأمر بأن التاريخ سيسجل له هذا السبق الذي قد يسكب من ورائه تزايد عدد الأصوات النسوية الموالية له؟.. لماذا أحزاب حاكمة في اقطار عربية أخرى أعطت المرأة حقوقها في التمثيل السياسي وتحملت مسؤوليتها كأحزاب حاكمة بعكس المؤتمر الشعبي العام؟!

(ب) مواقف أحزاب حاكمة منتقاة في العالم العربي مغايرة لموقف الحزب الحاكم اليمني

الارداة السياسية والتوجه الجاد لإصلاح سياسي حقيقي، نابعان من الإرادة الوطنية في الداخل أو بتأثير ضغوط خارجية:

- واقع الاحتلال الامريكي للعراق وأفغانستان لعب دوراً حاسماً في تخصيص الدستور العراقي تمثيل المرأة بنسبة لا تقل عن 25% في المجلس التشريعي الانتقالي وبالنسبة نفسها من مقاعد الجمعية الوطنية وفق الدستور الافغاني الجديد.

- في السلطة الفلسطينية أعطت حركة فتح عبر القانون رقم 10 لسنة 2005م الصادر في 15/8/2005م كوتا نسائية لا تقل عن 20% من مقاعد مجالس الهيئات المحلية واعتماد قاعدة التمثيل النسبي الكامل.

- المملكة الاردنية أصدرت قانوناً يقضي بتعيين سيدة على الاقل في كل مجلس بلدي لم تنتخب فيه المرأة.

- في لبنان بوصول أحزاب وتيارات المعارضة إلى الاغلبية البرلمانية في الانتخابات الأخيرة دفعها إلى إعداد مشروع انتخابات جديد اعتمد نظاما انتخابيا مختلطا وتخصيص كوتا نسائية بنسبة 30% من أعضاء مجلس النواب وذلك تجاوباً مع مطالب الهيئات النسائية وتماشياً مع اعلان مؤتمر بكين لعام 1995م الذي أوصى برفع تمثيل المرأة الى نسبة لا تقل عن 30% ببلوغ عام 2005م.

-تونس وأدرجناها في آخر القائمة لنموذجيتها على مستوى العالم العربي لسببين: لدورها الرائد والسباق عربياً، وللإرادة السياسية لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي، الحزب الحاكم برئاسة الرئيس زين العابدين حين قام بتعديل قانون الانتخابات في مايو 1990م ضمن للمرأة التونسية نسبة تمثيل لا تقل عن 20% في المجالس البلدية وتبنى نظام القائمة النسبية، وعلى مستوى الانتخابات النيابية عدل قانون الانتخابات في عام 1993م بتبني كوتا للنساء بنسبة لا تقل عن 20% ونظام انتخابي مزدوج (النظام الفردي وبالقائمة النسبية) صدر القانون في 27 ديسمبر 1993م وأجريت الانتخابات في مطلع مارس 1994م أي في فترة أقل من 3 أشهر.

في هذه التجارب لم تشترط الأحزاب الحاكمة إقرار تلك الإصلاحات بموافقة الأحزاب الأخرى عليها كشرط مسبق لتبني الحزب الحاكم تلك التعديلات، فهل بإمكان الحزب الحاكم المؤتمر الشعبي العام أن يحذو مثلهم أم سيتمسك بالعذر السهل غير المقبول بضرورة موافقة بقية الأحزاب مثله بتخصيص النسبة نفسها في اختيار مرشحيهم؟

ثانياً: هل الوقت قصير وفات الأوان؟

اذا كانت هناك إرادة سياسية حقيقية لعمل حزب المؤتمر مبكراً على تنفيذ قرارات مؤتمره العام السابع بإجراء التعديلات القانونية المطلوبة لصالح المرأة، ولأنه تقاعس عن القيام بها فمسؤولية التأخير تعود عليه وعلى قياداته، ومع ذلك بإمكانه فيما تبقى من وقت أن يتدارك هذا التأخير ونكتفي هنا بتقديم مثالين فقط كيف تمكن المؤتمر من تعديل قوانين بسرعة فائقة حين تتطلب مصلحته ذلك.

المثال الاول: في استحقاق الانتخابات الرئاسية لسنة 1999م عدلت عدة مواد من قانون انتخابات رقم 27 لسنة 1996م بالقانون رقم 27 لسنة 1999م الذي صدر بتاريخ 20 أغسطس 1999م قبل شهر من موعد الانتخابات الرئاسية في 20 سبتمبر 1999م.

المثال الثاني: وفي تعديل قانون الضريبة العامة على المبيعات لم يستغرق - من اجتماع الرئيس بأعضاء الاتحاد العام للغرف التجارية وجمعيات رجال الاعمال لمناقشة نسبة تخفيض الضريبة عليهم، ثم إعداد التعديل والتصويت عليه في مجلس الوزراء وبعد ذلك مجلس النواب - أكثر من 9 أيام فقط.

انطلاقاً من هذين المثالين فقط نرى كيف إذا وجدت الإرادة السياسية والمصلحة تحرق المراحل وترفع العقبات والقيود لتبني الحزب الحاكم عبر حكومته وغالبيته البرلمانية أي تعديل لقانون تريده فهل يمكن وهناك متسع من الوقت المعقول فرض كوتا نسائية في قانون الانتخابات وقانون الاحزاب السياسية أو أحدهما امتثالاً لقرارات المؤتمر العام السابع لحزب المؤتمر الشعبي العام ووفق مسئولياته كحزب حاكم دون حاجة إلى موافقة بقية الأحزاب على هذا التوجه، فإذا عملها المؤتمر بشكل سريع قد تعيد بعض الاحزاب حساباتها وتخطو في توجه المؤتمر حتى لا تبدو معزولة وتعطي المؤتمر ميزة تحقيق مكاسب لصالحه دونها، ما لم يتم ذلك لا شك أن المؤتمر سيفقد مصداقية قراراته ووعوده ويجب أن يتوقع نتيجة ذلك تحول النساء الناخبات عمن اعتدن التصويت له في المرات السابقة إلى التصويت للأحزاب المنافسة للمؤتمر كنوع من العقاب لمواقفه الخاذلة نحو المرأة انطلاقاً من موقعه كحزب حاكم يملك أوراق التغيير وهنا ايضاً تقع المسئولية الكبرى على الناخبات اليمنيات بغض النظر عن اختلاف انتماءاتهن السياسية بضرورة توحدهن لإنجاح مطالبهن واشعار الحزب الحاكم وبقية الأحزاب بقوتهن وعقلهن الانتخابي في تحديد من الفائز في الانتخابات الرئاسية المقبلة وكذا في الانتخابات المحلية فهل لديهن الجرأة لعمل ذلك مثلما تجرأت النساء السويديات في الخمسينات أمام مماطلة الاحزاب التقليدية في قبول مطالبهن بأن هددن بتشكيل حزب نسوي يجمعهن ضد الأحزاب الذكورية وهو ما دفع في الأخير أن توافق الأحزاب السويدية على مطالب المرأة بالمناصفة بسبب التهديد.

والمرأة اليمنية هنا لا تطالب بالمستحيل فقط تخصيص بين 15-20% كمرحلة أولى وبيدها وسائل ضغط عديدة لتقبل طلباتها كما أوضحنا في المقدمة فإن فاتتها هذه الفرصة الذهبية فلا عليها إلا أن تلوم نفسها فالحقوق لا تعطى وإنما تنتزع حسب المقولة الشهيرة لأحد فقهاء القانون الدستوري الفرنسي.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى