يوم من الأيــام..ســاديــة

> محمد عبدالله الموس:

>
محمد عبدالله الموس
محمد عبدالله الموس
نشفق كثيراً على أولئك الذين يصرون على جلد ذاتهم بتشويه تاريخ كانوا جزءًا منه لإثبات ولائهم للحاضر لمجرد أن أوضاعهم - على المستوى الشخصي - قد صارت أفضل بغض النظر عن صيغة هذه الأفضلية، ويصبح الأمر أكثر مدعاة لرثاء حال أولئك حين يتنكرون لذلكم التاريخ ويبالغون في لعنه متناسين دورهم في هذا التاريخ أو أنهم نتاج له حتى، ولا ننكر على أحدهم أن تتحسن أحواله الشخصية على أن إثبات أفضلية الحاضر يتجاوز الأوضاع الشخصية لأي كان.

في واقعة ليست بعيدة جمعتني صدفة كان الفضل فيها للمخرج المسرحي اليمني محمد الرخم، بأستاذ المسرح، الممثل المصري أحمد عبدالحليم، وهو ناصري حتى النخاع، ومع ذلك كان متحاملاً على التجربة الناصرية بصورة قلما تجدها في المجتمع المصري الشهير بعقائديته التي ترقى حد الخروج عن مزاج الحاكم، وليس أدل على ذلك من رفض المجتمع المصري التطبيع مع إسرائيل، رغم التطبيع الرسمي، لأن هناك حقوقاً عربية لم تعد إلى أصحابها، أذكر أنني سألته: لماذا نبالغ نحن العرب في التحامل على تاريخنا وكل تراكم فيه؟ ولماذا نستجدي ود الحاضر بجلد الذات بصورة تدعو للرثاء؟ فأكد هذه الحقيقة وزاد عليها أننا نعرف أن المتغيرات التي تعصف ببلداننا هي خارج إرادة أنظمتنا في كثير من الأحيان لأن كثيراً من هذه الأنظمة - إن لم يكن جميعها - لا تستمد قوتها من الشعوب.

لا يخلو تاريخ أمة من الأخطاء والعيوب، وكثير منها يقع في حكم الطبيعي إذا أخذنا في الاعتبار محيط هذا التاريخ، فلا يجوز محاكمة الماضي بظروف ومتغيرات اليوم، ونحن في اليمن لسنا استثناء بل ربما أن الأخطاء التي وقعنا فيها أقل كارثية مما نراه اليوم، وفي كل الاحوال فإن الأمم تستفيد من ماضيها بالحفاظ على الإيجابي والتخلص من السلبي وبهذا تصنع تراكمها المعرفي الذي يمكنها من اللحاق بالآخرين.

في تعاطينا مع ماضينا القريب في الجنوب يحرص البعض على استدعاء أنماط ما قبل الدولة، إن صح التعبير، من خلال نبش الماضي أو استدعاء ما تبقى من خيوط واهية للقبيلة بإحياء الثاراث رغم أن ما تبقى من نفس للقبيلة قد حل محله الالتقاء على أساس التفكير المشترك والهم الوطني العام الذي يقوم على روابط الرؤى بدلاً من العصبيات والجهويات في هذا الجزء من الوطن.

هناك من يرى أن النظام والقانون ودور المؤسسات كان سائداً بصورة أفضل خلال فترة الاحتلال البريطاني للجنوب، وأن سلطة النظام والقانون كانت أكثر هيبة حتى على مراكز النفوذ خلال فترة شمولية الجنوب! مقارنة بما نراه في حاضرنا، ولم يكن هناك وجود للمظاهر السلبية السائدة اليوم كالرشوة وعقلية (الباسط مالك) والفهلوة وحمل المباخر حتى لأرباب الفساد، وفي كل الأحوال فإن الناس لم تستبدل وإنما استبدلت طرق إدارة شؤون الناس ولكن إلى سوء، الامر الذي يدل على حرمان المجتمع من تراكماته.

يا هولاء إن تاريخنا هو تاريخ الآباء وإن تداخل الأجيال يجعله حلقات متصلة ومتداخلة ولا يملك أي منا حق تحريفه ليخدم مزايا أو يبرر عجزاً، فهل تكفون عن استدعاء الماضي لاستعداء المجتمع ضد بعضه؟ حري بنا أن نوجه الطاقات للخروج من مصاعب وأخطاء الحاضر التي بلغت حداً يصعب تصوره ولم يعد فيه شيء من حسنات الماضي وإيجابياته فما نغرسه اليوم سيصيب الأبناء حتى لو تصور البعض أنه خارج إطار الضرر.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى