محطات من تاريخ (ثمود) .. توزعت أدوار أبناء البادية بين رعي الإبل و العمل بالشركات والانخراط في العمل العسكري

> «الأيام» ناصر محمد المنهالي:

>
جنود في جيش البادية عام 1955
جنود في جيش البادية عام 1955
الخدمات الأولية والارتباط بالعمل .. من خلال تأسيس جيش البادية بحضرموت وتواجد مراكزه على مستوى الشريط الصحراوي من عساكر غرباً حتى حبروت شرقاً.. بالاضافة الى تلك الشركات التي تعاقبت على أعمال المسوحات والتنقيب عن النفط بثمود وذلك من خلال مواقعها الكنوب المنتقلة على مستوى محطات الشركات بالصحراء.. وعلى هذا الأساس قدمت خدمات أولية للمواطنين في المناطق الصحراوية في بعض المجالات الخدماتية ومنها الصحة في مجال إسعافات الكسور وضرب الحقن وتضميد الجروح والاسعافات للحالات المتعسرة في الولادة (وعلى سبيل التدليل على ذلك فإن المرحوم العقيد سعيد محمد بن تسع المنهالي قائد فئة المشاة برتبة ملازم في جيش البادية بمركز سناو، مرافقاً له المساعد الطبي حسن بن حسينون قدما الاسعافات لحالة ولادة متعسرة لأسرة من الأسر القاطنة في الصحراء ولضعف الامكانيات في كميات الدواء فارقت الأم الحياة والابن رافقته السلامة.. والضابط والطبيب أديا المهمة قدر الاستطاعة في ظل شحة الامكانيات في منتصف أعوام الستينيات من القرن العشرين).

أما في مجال المواصلات فكان يتم نقل مجموعة من أبناء الصحراء للتعليم بمدرسة البادية بالمكلا ذات النظام العسكري في النشاطات اللا صفية بدراسة المنهج السوداني الصادر من معهد بخت الرضا بالسودان الشقيق من ثم التحاقهم بجيش البادية مع تأهيلهم بدورات فنية في الاقسام المتخصصة بالجيش والبعض منهم تحصلوا على منح دراسية في الخارج بلندن ومصر، ومنهم العقيد مسلم مبخوت المنهالي الذي كان من العشرة الاوائل المتفوقين في الدراسة من خريجي المرحلة المتوسطة بمدارس الوسطى بالسلطنتين القعيطية والكثيرية آنذاك.. وبهذا التفوق في التحصيل العلمي تمكن من الدراسة للمرحلة الثانوية في جمهورية مصر العربية الشقيقة.

وبعد ذلك بفترة واصل دراسته في مجال هندسة الطيران بالاتحاد السوفيتي سابقاً وحاز بامتياز على مؤهل علمي مهندس طيار.

ومجاميع أخرى من أبناء البادية التحقوا مباشرة بصفوف جيش البادية وفيما بعد تأهلوا في دورات محلية في مجال المشاة لرتبة صف ضباط وضباط ولذكائهم الفطري حازوا على درجات التفوق في مهارات المشاة وترقوا الى مختلف الرتب منهم من شغل رتبة نائب عهدة ونائب فئة وقادة للحظائر والفئات مع السرايا.

ومن أسرى حرب معركة الوديعة آنذاك من أبناء البادية الأخ محمد عوض التميمي الذي كان من ضمن كفاءات سلاح الفيرات (سيارات المصفحات) ذلك السلاح في مجال المشاة الذي اعتبر أقوى سلاح في زمان جيش البادية مقارنة بالوحدات العسكرية، وسالم الحمامة المنهالي وغيرهما من المؤسف لم تسعفنا الذاكرة في ذكرهم.. من أبناء البادية من تبوأ مناصب قيادية بجيش البادية بحضرموت في قيادة الجيش بالمكلا وصاروا قادة عسكريين كباراً من الوزن الثقيل ومنهم المرحوم العقيد سالم عمر الجوهي من قبائل سيبان والذي يعد القائد الحضرمي الاول لجيش البادية وبمرتبة القائد الرابع لذلك الجيش لتسلسل القادة الذين توالوا تباعاً على قيادة الجيش البدوي الحضرمي من الاردن وبريطانيا وهم القائد الاردني الاول الكولونيل نايف والقائد البريطاني الثاني الكولونيل قري والقائد البريطاني الثالث الكولونيل ينصل المساعد الحربي بمستشاريه المستشار البريطاني المقيم بمدينة المكلا عاصمة السلطنة القعيطية آنذاك حيث إن المستر انجرامس كان أول مستشار بريطاني في حضرموت.. وهو مصاب في إحدى رجليه ونتيجة لتلك العاهة تراه يكسح (يعرج) مثل الوعل في مسار سيره على الجول يضلع كأنه في جيلان الفقرة أو في كور سيبان، ومن أبناء البادية المرحوم العقيد حسين مسلم المنهالي الذي درس بمدرسة البادية بالمكلا من ثم وسطى غيل باوزير أول مدرسة وسطى بحضرموت ومنها التحق بإدارة جيش البادية وانتقل الى الادارة العامة للمستشارية بمدينة المكلا ومن ثم تحصل على منح دراسية في الخارج ومنها دراسة في مجال الشئون الادارية والسياسية وعين ضابطاً سياسياً في العبر التي تقع غربي ثمود، وبعد ذلك التحق بدورات عسكرية بلندن في مجال القيادة والاركان العامة وتخرج برتبة نقيب وشغل مناصباً قيادياً (أركان حرب جيش البادية بحضرموت) وعين مستشاراً عسكرياً للوفد المفاوض مع بريطانيا بجنيف لنيل الاستقلال الوطني لجنوب الوطن في الـ 30 من نوفمبر من عام 1967م وأول خريج حضرمي في المجال العسكري من بريطانيا.. كما أن المرحوم الطماطم بن حربي المنهالي تولى مسئولية مساعد الضابط السياسي في ثمود.. وعين العقيد أحمد نوح بارشيد مساعد المستشار لشئون البادية بحضرموت في الستينات.

الجدير بالذكر أن هناك قيادات وصف ضباط وجنوداً تمركزوا بمراكز جيش البادية على مستوى مناطق الشريط الصحراوي في الصحاري والرمال.. لكن للأسف الشديد في هذا المحاط الذاكرة لم تساعدنا على ذكر أسمائهم بالتحديد مع ذكر مختلف رتبهم العسكرية من الحظيرة الى السرية.. في ظل عدم الحصول على وثائق التوثيق في هذه المجالات رغم أن الجهد لا يزال قائماً بغية الاستكمال لكل مراحل هذا التاريخ ذي الشأن.. وبهذا آملين أن لا يساور البال شيء في عدم الاستعراض الشامل في هذا السياق طالما وأن هذا وذاك الذي صدر في مقال مصدره الفطنة من ذاكرة إنسان وليس المرجعية مصدرها كتاب والكمال لله عز وجل والمعلوم ان الانسان كثير النسيان.

إلى جانب الانخراط في سلك العسكرية تم تشغيل مجاميع من أبناء البادية للعمل لدى الشركات النفطية العاملة في الصحراء في أعوام الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي في مجالات مختلفة ومنها قيادة السيارات والآليات الثقيلة الحفارات (الونوش) لحفر آبار المياه والهندسة والحراسة والاعمال العضلية (الكولية) والمعرفين للطرقات والمواقع نظراً لكثرة الضياع في ظل ضعف الخرائط الجغرافية للصحراء والرمال في ذلك الزمان وكذا العمل بإدارة الشركات حيث عمل المرحوم راضي سعيد المنهالي مترجم اللغات بإدارة شركة بان امريكان بثمود لخبراته ومؤهله الدراسي.

على هذا الاساس توزعت الادوار لمختلف الاعمال ما بين أفراد الاسر في البادية من خلال العمل في مرعى الثروة الحيوانية للحفاظ عليها والاستفادة منها.. والبعض في العمل العسكري والبعض الآخر في العمل المدني بالشركات، تلك العوامل المستجدة على طبيعة حياتهم.. عرفوا مهناً أخرى الى جانب المهنة الاساسية رعي الابل مما ساعد في تخفيف نوع من البطالة والمعاناة.

ان تلك الخدمات التي اعتبرت آنذاك في حد ذاتها أولية لمحدوديتها في الامكانات.. إلا أنها شكلت في عصورها حالات ذات أفضلية أفضل من عدمها وفي موضع قدم بدأت حياة البادية في السير بخطوات متواضعة في اتجاه مراحل الاستقرار استفادة من تراكمات الخبرات التي أفرزتها المنعطفات في حياتهم.. في تأمل للوصول بغية تحقيق الآمال رغم قسوة الحياة في بعض الأزمان ولكن آمالهم كبيرة في تحقيق حياة أفضل من زمان.. وعوامل الاستقرار تتطلب مجهوداً زراعياً مدروساً تجنباً للانتكاسات، والزراعة بطبيعتها تبغي الحلال مع الاهتمام بالحرث بموجب مواسمها ومحاصيلها لابد ان تكون منافعها للبشرية وثروة الحيوان.. تحاشياً لأسلوب طرق الارتجال في ظل عدم التفريط في ذلك الحيوان (الإبل - الاغنام) المستفاد منه في سماد حرثها وجملة منافع مع فوائدها حفاظاً على هذه الثروة من أجل تكاثرها نظراً للحياة الفطرية في غريزة الانسان والحيوان للماء والنماء وهما شريان الحياة.. ورجال البادية بطبيعهم يتصفون بصفات حميدة في تربية حيواناتهم مهما كانت الاتعاب .

أخيراً وليس بآخر:
إن هذا المقال المتضمن قدر المستطاع لمحة من اللحمات التاريخية لحياة البادية في الصحاري والرمال في فترة من فترات تلك العهود.. انطلاقا من واقع الذاكرة وليس هو الكل لثمود التاريخ والجيش المعاصر (H.B.L) وإنما بداية لجزء من التاريخ العميق في هذا السياق.. بقدر ما حفظته الفطنة في ظل طيات الايام من أجل الاطلاع على حقبة من الزمن شهدت محطات تاريخية عبر مراحلها الاولية.. من البدوي الراعي لإبله (المبل) الى العامل والمترجم والاداري والجندي الصبور والضابط والمهندس الطيار والقائد العسكري من الوزن الثقيل.

عضو المجلس المحلي بمديرية ثمود.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى