مع الأيــام..الديمقراطية اليمنية

> د.هشام محسن السقاف:

>
د.هشام محسن السقاف
د.هشام محسن السقاف
يعتقد البعض أن الانتخابات القادمة غاية وهدف بحد ذاتها، بينما هي مرحلة من مراحل التأصيل الديمقراطي، يقاس من خلالها التزام الناس ضمن العقد الاجتماعي المتفق عليه، وبأحكام المؤسسات القانونية داخل منظومة الدولة، التنافس الراقي - دون وجل - لتقديم أفضل ما يملكون من رؤى ومشاريع تطويرية، وتدوير السلطة بقدرة أفضليات المتقدمين للتنافس، بما يمتلكون من برامج، ولكن بمقدرة الوصول إلى سدة الحكم عن طريق الجماهير وصناديق الاقتراع، وقد كانت التحولات السياسية في كثير من بلدان العالم الثالث فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية تغيب شرعية التبدل والإحلال الديمقراطي (وأعني الشرعية الديمقراطية) بشرعية ثورية دموية في غالب الأحيان بديلاً للتطور عن طريق الديمقراطية.

ولذلك كان نصيب أكثر هذه البلدان - ومنها البلاد العربية وبلادنا من ضمنها - اضطرابات سياسية وانقلابات عسكرية ما أن تتخفى حتى تتفجر كبراكين الغضب لتحرق الزرع والضرع ولا نجني من ثمارها سوى التقهقر والانكسار وتبديد الإمكانات.

وحتى النظم التقليدية التي لم تشملها هبات الثورة وشرعيتها الثورية، كالأنظمة الملكية وما يشابهها، فقد كرست رؤاها المتفردة بالحكم، وساعدت الثروة في بعض الأحيان على إدامة فترة الاستقرار فيها إلى حين، ولكنها في كل الأحوال تعاني ما تعانيه اليوم لابتعادها وعدم أخذها بالإصلاحات الدستورية الديمقراطية. فالخيار إذاً، وكما ارتضيناه في اليمن من تلقاء النفس هو الخيار الديمقراطي، الذي جاء متمماً ومكملاً لنهج التراضي السياسي بين شطري الوطن الذي أفضى إلى تحقيق الوحدة اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990م.

وعندما نقف على عتبة النسخة الثانية من انتخابات الرئاسة والحكم المحلي، فإن معنى ذلك التأصيل مجدداً لخيار الديمقراطية في إدارة العملية السياسية في بلادنا بغض النظر عن النواقص والهنات التي ترافق سيرورة العملية الديمقراطية، وعدم استعداد بعض الأجهزة المؤثرة لتقبل وتحديث إدارتها بأنماط التحول الديمقراطي، ووقوف رجال الحرس القديم- ممن يجنون النفوذ والنقود من دواخل الوضع المتردي - سداً في وجه الإصلاح الديمقراطي، كل ذلك لن يؤثر كثيراً ، وإنما قد يؤخر اكتمال وجه الديمقراطية الحق في مجتمع يمني متجانس ومعقد، خير الوسائل والسبل لإدارته لن تكون إلا بالديمقراطية، عكس ما يطرح البعض من أن صعوبات الواقع الاجتماعي في اليمن سوف تكون حائلاً بينه وبين التوجه الديمقراطي العصري، وهي كلمة حق يراد بها باطل، لأنه حتى في ظروف المناطق القبلية المغلقة فإن توق المواطن إلى الدولة بما هي منظومة قانونية متكاملة أشد ما يكون شريطة أن يكون في هذه الدولة ما يغري باستبدال الوضع القائم، وهذا الإغراء لن يكون متاحاً إلا بتحديث وتحويل وظيفة الدولة من خلال أجهزتها وإداراتها تحديثاً ديمقراطياً يجعل الدولة وسيلة من وسائل الرفاه الاجتماعي الميسر، وحكماً عدلاً في كل شئون الحياة بما في ذلك السلطة وتدويرها بين الفرقاء السياسيين في الوطن الواحد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى