من أعلام الثقافة والمسرح والتربية في الشحر .. الأستاذ محمد محفوظ العماري (أبو عمار)

> رياض عوض باشراحيل:

> تنبثق الإرادة الإنسانية في كل زمان ومكان عن أعلام في مختلف ميادين الحياة، وشخصيات تظل مفخرة للأمم وحديث الأجيال في حياتها وحتى بعد رحيلها، بيد أن غياب هؤلاء الاعلام او رحيلهم يشكل حقاً خسارة اجتماعية ووطنية كبيرة. انقباض في القلب وأسى يسيطر على الوجدان وحزن شديد لرحيل كوكبة من كبار المبدعين في الوطن من رجال الفن والمسرح والثقافة والتربية في مدينة الشحر خلال فترة زمنية قصيرة لا تتعدى ثلاثة أشهر.. فقد غادر دنيانا خلال هذه الفترة الفنان المجدد لتراثنا الغنائي والراقص الشاب علي سعيد علي ثم القيادي الوطني الصادق محمد فرج مصاقع، ثم رائد الكوميديا الحضرمية الفنان سالم برمة، ثم الشاعر والملحن القدير عمر محمد بن بريك الذي رحل بعد أن ابدع اغنيته الشهيرة (حبايبي رحلوا)، واخيراً التربوي الجليل والاديب المسرحي والمخرج ومدير الثقافة السابق في الشحر الاستاذ محمد محفوظ العماري (ابو عمار).

لقد رحل أخي وصديقي الوفي الاستاذ محمد محفوظ العماري (أبو عمار) في الثالثة من بعد ظهر يوم الثلاثاء الموافق 8/8/2006م وذلك بعد ان تحمل العناء وآلام المرض الذي أوهن جسده وهد قواه، ففارقت روحه الجسد وهو يتلقى العلاج بمستشفى الفرق في (ابوظبي) بدولة الامارات العربية المتحدة، وغادرنا (ابوعمار) بعد مضي ستين عاماً من مسيرة حياته العامرة بالنشاط الدؤوب والعمل الجاد المثمر في الحياة التربوية والثقافية والرياضية والاجتماعية في وطنه.

لقد كان رحمه الله من أولئك الاعلام الذين لم يقصروا جهودهم على مجال واحد لا يتعدونه الى غيره، بل كان ممن يمدون من آفاق معارفهم جسوراً تربط ميادين متعددة من النشاط في خدمة المجتمع فنياً وأدبياً وعلمياً وثقافياً.. فبرع إبداع (ابوعمار) يرحمه الله في الميادين الفنية والثقافية واتسع علمه في المجالات التربوية والتعليمية، كما رزق حافظة قوية أسعفته في حفظ الكثير من مختار الشعر وبليغ النثر، وعني بالادب المسرحي وبالإخراج بعد أن أتقن التمثيل على خشبة المسرح حيث شارك استاذنا ابوعمار في التمثيل ضمن فرقة الشحر للمسرح في العديد من المسرحيات الأدبية والاجتماعية والتاريخية، وفي الاوبريتات الغنائية التي أبدعها الشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار، وهذه الاوبريتات هي عروض مسرحية تتضمن الغناء، فقد مثل الفقيد في اوبريت (الشهداء السبعة) وكذلك في اوبريت الشموع العشر الذي تم عرضه في العاصمة عدن عام 1977م وقد أخرج هذين الاوبريتين المخرج القدير سالم أبوبكر باذيب، الصديق الحميم لابي عمار وتوأم روحه الفنية، فقد خاضا معا - الثنائي المسرحي الثقافي (باذيب وأبوعمار) - غمار العديد من المسرحيات والاعمال الثقافية والفنية، فحينما كان الاستاذ العماري مديرا لمكتب الثقافة بالشحر لأكثر من ثماني سنوات كان سنده الأيمن الاستاذ سالم ابوبكر باذيب رئيسا لقسم الفنون المسرحية والغنائية والتشكيلية والراقصة بالادارة.

لقد ضرب الاستاذ محمد محفوظ العماري ابان الثمانينات بسهم وافر في إبداع الكثير من المسرحيات ذات الاتجاه الوطني والاجتماعي والانساني ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مسرحية (بشر للبيع) وهي من تأليفه وإخراجه و(الغرفة رقم واحد) وهي ايضاً من تأليفه وإخراجه وتتحدث عن أهمية صيانة المواطن لأسرار وطنه وخصوصيات بلاده أمام الاجنبي، و(الاختيار) وهي من تأليفه وإخراج الاستاذ سالم أبوبكر باذيب، وكان ينتقي من المواضيع ما يحمل أهدافاً اخلاقية واجتماعية ووطنية يرمي بها الى اصلاح النفوس وتنوير العقول والمساهمة في بناء الوطن لأنه يعلم أن المسرح أداة فعالة لتنمية الحس الجماهيري والنهوض بالشعب، كما ساهم في تطوير الحركة الرياضية في مدينته وسخر طاقاته لذلك من خلال عدة مسئوليات تقلدها حتى تسنم منصب رئيس نادي كوكب الصباح بالشحر لدورة انتخابية كاملة.

وقد عرف عن الاستاذ محمد محفوظ العماري تواضعه وبساطته وحبه للناس والعمل على خدمتهم طوعياً ودون منّة، كما عرف عنه تمسكه بالقيم والمثل والفضائل العليا وتجلت روح الوفاء والنزاهة والعمل وعزة النفس في سلوكه ولا عجب في ذلك من رجل كأبي عمار أدرك بوعي أهمية تلك القيم النبيلة في الحياة.. لقد كان فقيدنا الأستاذ ابو عمار، مثقفاً مبدعاً ومفكراً ذكياً واستاذاً وتربوياً جليلاً من خيرة الاساتذة المتفردين بخصوصيتهم في العملية التربوية والتعليمية، لذلك أسندت اليه العديد من المناصب والمسؤوليات وتحمل مسؤولية قيادة العمل التربوي في العديد من المرافق التربوية منها: مدير مدرسة المكلا الثانوية (مدرسة بن شهاب حالياً) ومدير مدرسة حورة الثانوية وغيرها.. لذلك فلا بدع في أن تنعاه إدارة التربية والتعليم بمديرية الشحر والمحافظة وكذلك الوسط الثقافي والفني في حضرموت في كلمات تبللت بالأسى واللوعة.

وعندما حاولت السلطة الحاكمة إبان النظام السابق في نهاية الثمانينات الانتقاص من قدره دون حق وإرهابه دون مبرر سوى أنه امتنع عن مواكبة الركب والسير مع القطيع خلف الراعي، وقف الفقيد كالطود الشامخ صامداً أبياً معتزاً بقيمة وآرائه رافضاً المناصب والمغريات والمكافآت لتسويغ الأخطاء فآثر بعد ذلك الانزواء وانكفأ على نفسه إبداعياً ككل قامة اصيلة.

لقد رحل أبو عمار عنا تاركاً غصة ودمعة حارقة على هذا الرحيل المفاجئ .. فسلاماً لك ايها الصديق الوفي والحبيب الغالي الاصيل ورحمة الله عليك أيها الاديب المسرحي والمخرج المميز والتربوي القدير الغالي، وعزاؤنا في أعمالك الجليلة التي قدمتها في حياتك وخدمتك لوطنك وتراث أمتك الثقافي وجهودك التي ستظل في ذاكرتنا حية خالدة عبر الأجيال.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى