قصة قصيرة بعنوان (سوء فهم)

> «الأيام» عبدالرحمن أحمد محمد :

> مع إشراقة شمس الصباح كاملة.. كان يخطو بخطى واسعة.. حثيثة إلى عمله الواقع بحي العمال,كان في نحو الستين.. وكان متزوجاً.. ذا ثلاثة أبناء..توقف بعد مسافة قصيرة قطعها من بيته إلى محطة باصات الأجرة..

ونظر إلى الخط الاسفلتي الأسود العريض بعينين نصف نائمتين.. كأنّ نسمات الشتاء الباردة لا تزال تداعبهما وتلفهما بأسمالها الطيفية.

توقف أمامه باص صغير.. أبيض اللون.. وعندما رأى إشارة السائق إلى ناحية حي العمال.. ارتقى درجة الباص الوحيدة.. وقال وهو يقف بجوار امرأة تجلس على مقعد عريض لثلاثة ركاب:

- تحركي لو سمحت إلى الوسط.. لأدخل!

كانت المرأة تحجب ممر الركاب إلى المقاعد الخلفية.. بجانب جسدها الممتلئ.

وقالت المرأة بصوت عصبي:

- ادخل.

ثم تنحنحت بجسدها الثقيل قليلاً.. على حضن مقعدها .. وقال في لطف واضح:

- عفواً.. أنا أريد الجلوس في الداخل.

أشاحت المرأة بوجهها البض المكشوف.. وهي تقول:

- خلاص.. مفهوم.. أمامك الطريق.

واصطكت قدمه بقدمها الرابضة على ممر الباص.. وقال وهو يتقدم إلى مؤخرة الباص:

- عفواً.. عفواً.. أنا قصدي هناك.. هناك سأجلس.. عفواً.. عفواً.

وبعد أن جلس قال في نفسه «لعلها ظنت أنني سأجلس جوارها سامحها الله .. يبدو أنها فهمت عكس ما في نفسي.. سامحها الله».

وأحس بعينيها الواسعتين الناريتين تصوبان إليه نظرة ثاقبة، وهي تستدير برأسها المدثر بعباءتها السوداء.

وقال في نفسه وهو ينظر من زجاج نافذة الباص صوب المباني الاسمنتية «واضح.. واضح جداً أن سوء الفهم قد تملك عقلها».

وبعد أن صار رأسها إلى الأمام.. راح يتأملها بنظرات خفيفة متقطعة .. كانت المرأة تبدو في مقعدها مكتملة الصحة .. أو هذا ما بدا له من كتفيها ونصف ظهرها الأعلى.

كانت المقاعد فارغة من سواهما.. وفي المحطة القادمة قامت المرأة.. ونهضت بخفة.. ثم توقفت في عتبة الباب.. ونظرت إلى آخر الباص بعينين حادتين.. ثابتتين.. ونزلت. وفي هذه اللحظة طلع شابان فوق العشرين إلى الباص.. ونظرا معاً إلى المرأة في تناص بصري..

وفي مؤخرة الباص كان ذاك يقبع في الزاوية اليمنى للمقعد الأخير.. وراح يسترق النظر إليها.

كانت معتدلة القامة.. ذات جسد ممتلئ.. وخصر دقيق.. رهيف.

وسار الباص.. وراح ينظر إلى الشابين اللذين اقتعدا بجوار الباب وقال في نفسه: أوه.. عرفت الآن.. لقد فهمتني خطأ.. عرفت الآن.

وابتسم وهو يعيد الكرة للنظر إلى الشابين اللذين انطلقا في حديث منخفض.. هامس.

المكلا/ أوائل يناير 2006م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى