على أعتاب زلزال عربي...

> خير الدين حسيب:

> تصدر بعد بضعة أيام في العدد الجديد من مجلة "المستقبل العربي" دراسة مطولة للدكتور خير الدين حسيب تحت عنوان "حول الحرب الاسرائيلية على لبنان وتداعياتها" وهي في ثلاثة فصول الاول عن التداعيات بالنسبة الى لبنان والثاني بالنسبة الى اسرائيل والثالث حول التداعيات العربية.

"قضايا النهار" اختارت من الدراسة الفصل الأخير المتعلق بالتداعيات والآثار العربية لهذه الحرب.

في التداعيات والآثار العربية للحرب الاسرائيلية على لبنان يمكن ابداء الملاحظات التالية:

-1 هناك تأثيرات معنوية بالغة على المستويين الشعبي والرسمي في ما يتعلق بالصراع العربي - الصهيوني. فقد استطاعت مقاومة يديرها حزب في لبنان ان تردع اسرائيل التي تقف وراءها الولايات المتحدة، وأن تحول دون احتلال لبنان وان تكبدها خسائر كثيرة في الجنوب وفي داخل اسرائيل نفسها، كما أشير الى ذلك سابقا، وأن تجبر اسرائيل على اعادة النظر في استراتيجيتها الدفاعية. واذا كانت هذه المقاومة اللبنانية قد استطاعت وحدها ان تحقق ذلك، فماذا سيكون الحال لو تعاونت المقاومة في لبنان وفلسطين والعراق؟ وماذا لو تبنت الانظمة العربية سياسة مواجهة وضغط على اسرائيل بدلاً من سياسات الاستسلام التي تنتهجها تجاه اميركا واسرائيل؟

ان الانجاز الكبير للمقاومة اللبنانية سيفرض على العرب، شعوباً وحكومات، اعادة النظر في استراتيجية التعامل مع اسرائيل وتحقيق المطالب العادلة للشعب الفلسطيني وللعرب جميعاً، ولن تستطيع الانظمة العربية الاستمرار في تبرير سياساتها الحالية.

-2 لقد أحدث الانجاز الذي حققته المقاومة اللبنانية تأثيرا كبيرا على الشعوب العربية، نفسيا ومعنويا. فقد ساعد ذلك في اخراج هذه الشعوب العربية من حالة الاحباط واليأس والعجز، وساعد في عودة التفاؤل اليها واخراجها من سباتها السابق، وقد تجلى ذلك، اضافة الى امور اخرى في التظاهرات الصاخبة في معظم العواصم العربية، على الرغم من منع بعض الانظمة العربية بعض تلك التظاهرات.

-3 لقد فرضت المقاومة اللبنانية على الأنظمة العربية اعادة النظر في مواقف بعض هذه الأنظمة مما حصل في لبنان. فبعد اتهام بعض هذه الأنظمة المقاومة اللبنانية بـ"المغامرة" و"تحميلها مسؤولية الدمار الحاصل في لبنان وتهديد السلام في المنطقة"، عادت بعد أربعة ايام لعقد اجتماع لمجلس وزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم 16 تموز وبعد ان بانت آثار القصف الجوي الاسرائيلي من ضحايا مدنية وتدمير البنية التحتية، حيث صدر بيان سكتت فيه عن " المغامرين" و"تهديد السلم في المنطقة" واكتفت بقرارات تدعم فيها موقف الحكومة اللبنانية ولكنها تجاهلت الاشارة الى المقاومة كليا، وأدى نجاح المقاومة اللبنانية وصمودها الى تغيير الخطاب الاعلامي للأنظمة العربية واضطرت الى عقد اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب في بيروت يوم 8/8/2006، ايد النقاط السبع التي طرحها السيد فؤاد السنيورة في مؤتمر روما وتبنتها الحكومة اللبنانية، ولكنه اغفل تأييد المقاومة اللبنانية بالاسم واشار بعبارات عامة الى تأييد الشعب اللبناني ومقاومته حيث اشار، ضمن اشياء اخرى الى انه "يعبّر عن رفضه الكامل لكل المشاريع التي تسعى الى تحويل لبنان مسرح مواجهة مفتوحة لتحقيق اهداف اقليمية او دولية على حساب المصالح الوطنية للشعب اللبناني وامنه واستقراره". كما عبر عن "دعمه الكامل لصمود الموقف اللبناني حكومة وشعبا ازاء العدوان الاسرائيلي ويحيي مقاومة لبنان لهذا العدوان في مواجهة سياسة الدمار والتخريب التي تتبعها اسرائيل لتدمير البنية التحتية والانسانية للبنان.

-4 ساعد فشل اسرائيل في تحقيق اهدافها في حربها على لبنان وصمود المقاومة في تخفيف الضغوط الاميركية على سوريا، رغم ان ذلك لم يكن هدفا مقصودا بحد ذاته في المواجهة التي تمت بين المقاومة واسرائيل في لبنان.

-5 مما لا شك فيه ان خروج اسرائيل مهزومة في لبنان سيساهم في اعطاء دفع معنوي للمقاومة في فلسطين. كما تشير المعلومات، كما ذكرنا سابقا، الى اتجاه الحكومة الاسرائيلية الحالية للتخلي عن "سياسة الانطواء" اي الانسحاب المنفرد من القطاع والضفة الغربية في الحدود التي كانت قد اعلنت عنها. ويعني ذلك انها ستضطر للتفتيش هي او من سيخلفها عن سياسة اخرى لها تجاه القضية الفلسطينية.

-6 كما لا شك في ان النتائج التي حققتها المقاومة اللبنانية في الحرب، سيكون لها تأثيرات معنوية وفعلية ايجابية على المقاومة في العراق، للأسباب الآتية:

أ- اثبات المقاومة اللبنانية في لبنان صحة مقولة ان "المقاومة هي وسيلة التحرير"وانه مهما كانت قوة المحتل فإن المقاومة قادرة، اذا أُحسن التخطيط والتنفيذ واذا استطاعت "المزج بين العقل والايمان"، ان تجترح المعجزات.

ب- ان المقاومة العراقية يمكنها الاستفادة من الدعم المعنوي ومن بعض خبرات المقاومة اللبنانية. واما في ما يتعلق بالجانب المعنوي، فقد حصل تطور مهم في موقف قيادة المقاومة اللبنانية من المقاومة في العراق، وتجلى ذلك في خطاب السيد حسن نصرالله في الجلسة الافتتاحية لـ"المؤتمر العربي الرابع لدعم المقاومة" الذي عقد في بيروت يوم 30/3/2006 حيث اشار في خطابه، ضمن اشياء اخرى، الى موضوع المقاومة العراقية بما يأتي:

"وعن الموضوع العراقي: ايماننا ان الخيار الصحيح والحقيقي الذي يمكن ان ينهي الاحتلال الأميركي للعراق هو خيار المقاومة المسلحة. نحن كمقاومين من موقعنا الثقافي والفكري والميداني نؤمن بذلك ونجاهر بتأييدنا للمقاومة العراقية وعلينا مساندتها والوقوف الى جانبها. ولكن، في الوقت نفسه، علينا ان نحصنها لأن اخطر ما يواجهها في العراق الاقتتال الداخلي. المقاومة في لبنان لم تتورط في اي قتال داخلي، كذلك المقاومة في فلسطين، لكنني لا استطيع ان اتصور ان اليد التي تقاتل المحتل الأميركي في العراق تقتل عراقياً. لدينا معلومات اكيدة ان بعض مجموعات القتل تعمل على قتل السنّة والشيعة. هي مجموعات تتم ادارتها مباشرة من قبل الاميركيين والصهاينة والبريطانيين، ولكن لا يخلو الامر من مجرمين وقتلة. يجب تحصين المقاومة في العراق وأن يتركز خطابها ضد قوات الاحتلال. يمكن عند ذاك ان تنتصر عليها والا تتجه نحو حسابات داخلية لا على المستوى المذهبي ولا غير ذلك. انهم يسعون في العراق الى احداث فتنة مذهبية، يجب تنزيه المقاومة بعدم خلط دم المحتلين بدم الابرياء. ان الدخول الى العملية السياسية يكون مقبولا بشرطين:

- عدم قطع الطريق على استخدام المقاومة.

- تقييد ايدي الاحتلال بوضع جدول زمني لاخراجه".

وكانت هذه اول مرة يشير فيها السيد حسن نصرالله امين عام "حزب الله" وبهذا الوضوح، الى دعمه للمقاومة العراقية.

ج- كما ان فشل الولايات المتحدة التي كانت داعمة لحرب اسرائيل على لبنان، كما اشير اليه سابقا، والتي كانت تهدف الى تصفية المقاومة اللبنانية ونزع سلاحها، وفشلها في تحقيق هدفها من الحرب دفعها الى التنازل التدريجي عن مواقفها ومطالبها من لبنان، ابتداء من بيان قمة الثماني في روسيا المتشدد والذي طالب، ضمن مطالبه الاخرى، الى "الاطلاق الفوري للأسيرين الاسرائيليين من قبل حزب الله"، الى مؤتمر روما، ثم الى المسودة الاولى للمشروع الاميركي - الفرنسي المقدم الى مجلس الامن والذي اضطرت اميركا نتيجة ميزان القوى على الارض اللبنانية بين المقاومة اللبنانية واسرائيل، الى القبول بتعديلات جوهرية عليها انتهت الى اقرار صيغة القرار (1701) وهو احسن من مسودة القرار الاولى وان كانت التعديلات الواردة فيه غير كافية، وهي تعديلات ما كان يمكن ان تتم لولا التغير الذي حصل في ميزان القوى على الارض اللبنانية. وهكذا تثبت المقاومة اللبنانية ان انجازاتها الميدانية وقصفها اسرائيل بحوالى اربعة آلاف صاروخ يمكن ان يجبر الولايات المتحدة على تغيير سياساتها، وهذا ما يؤكد ظاهرة " البراغماتية الاميركية" وهي خاصة مهمة في سياساتها. وهكذا يمكن ان تستفيد المقاومة العراقية من هذا الدرس الذي قدمته المقاومة اللبنانية، ومفاده ان ما تستطيع المقاومة العراقية انجازه على ساحة المعركة يمكن ان يفرض تغيرات اساسية على السياسة الاميركية في العراق ويفرض عليها انسحابا منه.

د- كما اثبتت هذه التجربة ان القوى الاخرى الرئيسة في العالم، من المجموعة الاوروبية والصين وروسيا، التي سايرت الولايات المتحدة في توجهاتها، في البيان الذي صدر عن قمة الثماني في اجتماعها بروسيا، والتي تجلت اولا في المسودة الاولى لمشروع القرار الاميركي - الفرنسي الذي وافقت عليه الدول الخمس الكبرى، ما لبثت ان غيرت موقفها وقبلت بالتعديلات التي ادخلت على المسودة الاولى لمشروع القرار. وما كان ذلك ليحصل بدون التغييرات التي حصلت على ميزان القوى بين المقاومة واسرائيل على الارض اللبنانية. والدرس الذي يمكن ان تخرج به المقاومة العراقية انها لا تستطيع الاعتماد على المواقف المبدئية والاخلاقية للدول الرئيسة في العالم، وان الانجاز على الارض والمصالح هو وحده العامل الرئيسي الذي يمكن ان يغير في مواقف تلك الدول.

ونخلص من هذا كله في مطالعتنا تأثيرات نتائج هذه الحرب على المقاومة اللبنانية و"حزب الله" وعلى اسرائيل وعلى الاوضاع العربية الى تسجيل استنتاجين:

-1 اذا توفرت الارادة واذا امتزج العقل مع الايمان بالقضية فإنه يمكن تحقيق النصر، مهما كانت العقبات.

-2 اننا على اعتاب زلزال عربي يمكن ان يغير اشياء كثيرة كنا عاجزين حتى الآن عن تحقيقه، وان الطريق سالك للمؤمنين بقضاياهم والمستعدين للتضحية من اجلها.

مدير مركز دراسات الوحدة العربية عن «النهار» اللبنانية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى