الطريق إلى الجولان من بيروت... إنما بالسلام !

> غسان تويني:

> «أنا الآن مزروعة في تراب الجنوب .. أسقيه من دمي وحبي»...هذه الكلمات سجلتها في وصيتها الرفيقة سناء محيدلي (من الحزب السوري القومي الاجتماعي) قبل ان تتوجه وحدها في سيارتها المفخخة بـ200 كلغ من "ت ن ت" الى معبر باتر - جزين لتقتحم تجمعاً عسكرياً اسرائيلياً وتفجّر نفسها في وسطه فتوقع ما زاد عن 50 إصابة بين قتيل وجريح، حسبما رددته وسائل الاعلام المحلية والدولية.

كان ذلك صباح 9 نيسان 1985. وكانت سناء، البالغة من العمر آنذاك 17 سنة، قد انضمت الى "المقاومة الوطنية" قبل ان تحزّب هذه الله أو تحتكر التحزّب له... فانضمت سناء بصفتها الحزبية، وواجهت الموت الفدائي بهذه الصفة، وهي تقول في وصيتها المكتوبة بخط يدها والموجهة الى قيادة الحزب والى عائلتها:

"انني ذاهبة إلى أكبر مستقبل، الى سعادة لا توصف.

"لا تبكوا عليّ من هذه الشهادة الجريئة، لا. لحمي الذي تناثر على الأرض سيلتحم بالسماء.

"آه، أمي، كم أنا سعيدة عندما سيتناثر عظمي عن اللحم، ودمي يهدر في تراب الجنوب، من أجل ان أقتل هؤلاء الأعداء الصهاينة و(الذين) نسوا بأنهم صلبوا مسيحهم.

"أنا لم أمت. هذه واحدة. والثانية ستأتي أكبر وستليها ثالثة ورابعة ومئات العمليات الجريئة. فضلت الموت بشرف عن أن يغدرني انفجار أو قذيفة أو يد عميل قذر(...).

"التحرير يريد أبطالاً يضحّون بأنفسهم، يتقدمون غير مبالين (...).

"آه لو تعرفون الى أي حد وصلت سعادتي. ليتكم تعرفون، لكنتم شجعتم كل السائرين على خط التحرير للتخلّص من الصهاينة الارهابيين (...).

"أنا الآن مزروعة في تراب الجنوب، أسقيها من دمي وحبي لها".

... وتوالت العمليات الفدائية، وكأنها تلبي نداء الدم الذي أطلقته سناء محيدلي. إلى أن تحوّلت حرباً ضروساً دامت 33 يوماً، عمر السيّد المسيح، وكأن في الأمر حكمة مقدّسة وشعاراً للتوحيد يستأهل أن تسقى به ذاكرة المقاومة فلا تصاب، لا هي ولا من يدعي احتضانها، بآفة العلم، النسيان!

وما دام الشيء بالشيء يذكر، فلا بد لنا من شكر الشقيقة سوريا على تخفيفها شدّة "الحصار الكهربائي" علينا... ليس طمعاً بنور يأتي من الشام، بل حتى لا يقع حكام الشام في مصيدة الجهالة التي ابتلتهم بها عقائدية حائرة تقودهم (من حيث لا يدركون؟) الى تكامل سياستهم مع الحصار الاسرائيلي، وكأن بين الحصارين مصلحة مشتركة (لا يمكن ان تكون سوى صهيونية؟) في السعي الى شدّ الخناق على الشعب اللبناني، بينما العالم بأسره، من شرقه الى غربه، يحيط بلبنان ويحاول انقاذ سلامه وحراسة هذا السلام حتى على الحدود السورية، كي لا نقول حراسته منها ومما لا يزال يتسرّب عبرها وكأنما ثمة نية أن تعم لبنان موجة جديدة من التفجيرات والاغتيالات... أو هكذا يقولون... ونحن ننتظر ان يثبت العكس!!! وكل آتٍ لناظره قريب.

تلحّ دمشق على سلوك الطريق الى الجولان مروراً بلبنان؟ (ولا نردّد قول القائلين "بديلاً منه").

لا بأس طريق لبنان مفتوحة لمن يريد سلوكها الى الجولان لاستعادته، انما ليس على حساب السلام اللبناني الذي دفعنا عنه أغلى التضحيات، ثمناً للتقاعس العربي والتفرقة العربية التي يزرعها "الجهّال".

حسبنا أن نذكّر الحكم السوري - نذكّر ونحذّر - ان التكامل الموضوعي الذي ناله هذا الحكم من اسرائيل عند دخول جيشه لبنان عام 1978 عبر واشنطن هنري كيسينجر (والوثائق والمذكرات شواهد، مفهوم؟) صار - من حيث لا يمكن ان نصدّق ان دمشق كانت مدركة - بمثابة التمهيد لاجتياح اسرائيلي للبنان في آذار 1978. وهو الاجتياح الذي كان يمكن ان يفترس لبنان بكامله ويدمره بكامله لولا قرار مجلس الأمن الرقم 425 الذي فرض على اسرائيل الانسحاب فوراً.

وفوراً باشرت الانسحاب، ثم توقفت بسحر ساحر عند الخط الذي صار يعرف بالشريط الحدودي، وادّعت، على رغم صدور بلاغ من الأمم المتحدة بأنها أنهت انسحابها في الموعد الذي كان مقرراً (منتصف حزيران) أنها سلّمت الشريط الحدودي هـذا الـى "قـيادة" الجـيش اللبناني في الجنوب!!! اي الى حليفها بل عميلها سعد حداد.

هذا للتذكير. أما التحذير، فمن أن تتكرر المهزلة - المأساة، ويشتد الحصاران المتكاملان موضوعياً، الاسرائيلي والسوري، وتنفذ اسرائيل عبر اضطرابٍ أمني مفتعل، لتحاول احتلال لبنان للمرة الثالثة أو الرابعة...

ولن يجدي ذلك سوريا وجولانها نفعاً. مفهوم؟

ماذا نقترح، ماذا نريد؟

نريد أن يتوقف حكام دمشق عن لعبة التذاكي علهم يكتسبون، ولا نقول يستعيدون، شيئاً من الصدقية العربية والدولية، فتفرض الأمم المتحدة بالزخم الذي اكتسبه منها لبنان، ان يعاد فتح ملف الجولان وترضخ اسرائيل لتصاعد ضغط الرأي العام الدولي عليها وعلى راعيها الأميركي، لمعالجة الازمة من جذورها، أي "أزمة الشرق الأوسط" الاسمها الحقيقي هو الصراع العربي - الاسرائيلي بسبب القضية الفلسطينية.

أضغاث احلام؟

ولمَ لا؟... هكذا كان طموح سناء محيدلي أن تسقي دماؤها والشهداء أرض الجنوب، فينبت النصر!

فلتكن المحاولة الدبلوماسية الشجاعة هي الخيار السوري اللارجوع عنه... تظل "أرخص" من حرب ستبدأ هذه المرة في لبنان ولا أحد يعرف اين تتوقف.

وحدها ايران، ربما (وليس أكيداً)، قد تكون الخاسرة اذا سلكت دمشق طريق الجولان عبر سلام في لبنان، مطلوب منها فقط ان تحترم سيادته واستقلاله.

ومن يدري، نجرّب. وقد تكون ايران، بما تدّخر من الدهاء الفارسي التاريخي، هي الناصح لدمشق الجهالة بسلوك طريق الصدق والاعتدال. فلتسألها!

وفي بازارات الشرق الأوسط، مصغراً كان أم مكبّراً، ثمة منازل كثيرة لمن يعرف كيف يفيد من تقلبات الأسواق العالمية، فيبيع ويشتري.

شرط ألا يظنّ أحد ان لبنان لا يزال معروضاً لبيع أو استئجار.

عن «النهار» اللبنانية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى