هــديــــة جــديـــدة لإيـــــران

> أمين قمورية:

> عادة، تسعى الدول الى امتلاك قوة نووية من اجل حماية حدودها واراضيها من عدو محتمل، او لتعزيز دورها السياسي ونفوذها الجغرافي خارج هذه الحدود.

باكستان كسرت هذه العادة عندما صار همها حماية قنبلتها النووية بدلا من ان تكون القنبلة النووية لحمايتها. فسلمت تدريجيا بشيء من سيادتها للأميركي باسم التحالف مع هذا الوافد الجديد الى المنطقة، وتخلت عن نفوذها الاقليمي بتركها صنيعتها "طالبان" في افغانستان لمصير اسود وقبلت بالمساومة مع الهند على كشمير حتى تحتفظ بالزر الاحمر... واذا بهذا الزر ينتقل تدريجيا من يد ضابط باكستاني الى يد ضابط اميركي وتصير قنبلة الحماية بحاجة الى حماية.

هذا بالضبط ما كانت واشنطن تأمل في ان تكرره مع طهران... لكن الرياح الايرانية جرت بما لا تشتهيه السفن الاميركية.

ثلاثة عوامل دفعت بإسلام اباد الى توظيف قدرتها النووية في غير محلها، وجعلتها قابلة للانصياع للضغوط الاميركية:

1 - هشاشة الوضع الداخلي والخلافات العميقة ما بين الجيش والاسلاميين والخوف من انقلاب جديد، اضافة الى تناقضات اجتماعية وعرقية يمكن التسلل من خلالها الى العمق الباكستاني المركب.

2 - تردي الاوضاع الاقتصادية والتفاوت الحاد ما بين القدرات العسكرية لباكستان والقدرات الاقتصادية والسير باضطراد الى مراتب اكثر الدول فقرا في العالم.

3 - الخوف من الوجود الاميركي في المنطقة، لاسيما بعد الزخم الذي انطلقت به واشنطن في اعقاب هجمات 11 ايلول واحتلال افغانستان الظهير الآمن لباكستان العدو اللدود للهند.

والعوامل الثلاثة عينها هي التي تجعل من ايران اليوم غير عابئة بالتهديدات واكثر اصرارا على المضي في مشروع بناء القوة النووية:

1 - الوضع الداخلي الذي صار اكثر تماسكا بعد توحد القرار في البلاد والانسجام التام ما بين المرشد ورئيس الجمهورية، علما ان هذا التماسك ما هو الا هدية من الهدايا الاميركية الكثيرة لايران. فإغلاق واشنطن الباب امام التحولات الاصلاحية التي كانت جارية في ايران ساهم في اعادة المحافظين الى الواجهة وجعل من الاصلاحيين قوة هامشية صامتة وغير مرئية ليس في استطاعتها ان تصفق لعدو خارجي يهدد بالحصار والدمار.

2 - الوضع الاقتصادي الذي تحسن باضطراد اخيرا بسبب الارتفاع الجنوني لاسعار النفط، وهذا السعر ما كان ليرتفع الى هذا الحد لولا السياسات الاميركية الهوجاء في العراق وغيره. كذلك فإن الوفر المادي في ايران لم يوظف فقط في القطاعات العسكرية بل كان اساسا في التجمع الشعبي للفئات المهمشة في المجتمع.

3 - الوجود الاميركي في المنطقة، بدلا من ان يكون عنصر تخويف للايرانيين والقيادة الايرانية صار بمثابة الرهينة في الاسر الايراني ان في افغانستان او في العراق. كما ازال الاحتلال الاميركي للبلدين كل السدود امام الايرانيين الذين تمددوا شرقا وغربا وصولا الى نقاط لم تصلها الامبراطورية الفارسية من قبل.

اخذ ايران من الداخل بات صعبا، اما اخذها من الخارج فصار اشد صعوبة: تماسك داخلي محاط بنفوذ اقليمي فاعل ومؤثر ومعزز بقدرات اقتصادية هائلة ونفط غال وسلاح تقليدي متطور قادر على حماية الانتاج النووي.

ايران القوية هي خليط مركب من ارادة وحنكة في الداخل و"هدايا" اميركية لا تقدر بثمن. ولربما كان القرار الدولي 1696 الخاص بإيران اذا جرى ربطه بالقرار 1701 الخاص بلبنان هو بمثابة هدية اخرى، ذلك ان طهران يمكن ان تغتنمهما لفرط التحالف السداسي القائم في وجهها لاسيما بعد نزول الاوروبيين في جنوب لبنان واحتمال ان يكونوا رهينة جديدة، كذلك بالسعي الديبلوماسي الى تحصيل الحوافز والمكاسب الاقتصادية في مقابل وعود بوقف التخصيب لن تنفذ.

عن «النهار» اللبنانية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى