قصة قصيرة بعنوان (الرصاصة الأولى)

> «الأيام» مختار مقطري:

> بدأ يعلمها منذ عشرة أيام كيف تشحن المسدس، وكيف تطلق الرصاص.. وحين سألته لماذا؟ أجابها محذراً:قد تحتاجين لاستخدام المسدس في الأيام القادمة.

ومنذ عشرة أيام وهي تشعر أن أمراً خطيراً سوف يحدث.. لم تدرك ما هو بالتحديد لكنها لعنته ولعنت السياسة ورجال السياسة.. خافت على ابنهما الوحيد فتوسلت إليه أن تحمله وتسافر إلى القرية، فرفض بشدة وأضاف بحزم:

- أحتاج لك هذه الأيام أكثر من أي وقت مضى.

تغيرت عاداته منذ عشرة أيام، ولم يعد يخرج بعد الغداء (ليخزن) مع رفاقه، ولم تجسر أن تسأله كيف يحصلون كل يوم على (القات)، وقبل الساعة العاشرة مساء أو بعدها بقليل كان يعود إليها مخموراً، يجلس في ديوان (المقيل) أمام التلفزيون، وقبل أن يطلب منها، تعودت أن تحضر إليه زجاجة (فودكا) وطبق (المزة) .. هو الذي علمها كيف تصنع (المزة).. نصف ساعة ثم يثمل.. فيتنهد وهو يقول:

- ليتني تزوجت امرأة مثقفة.. ليتك كنت تجيدين القراءة والكتابة على الأقل.

تسكت على الإهانة.. فيقول بحسرة:

- ليتني أحضرت لي زوجة من (موسكو).تشعر بالقهر.. فتتركه لتختفي في غرفة النوم بالدور الأعلى، وصوته المتقطع يلاحقها وهي تصعد الدرج باعتذارات لم تعد تقبلها، وبعد أن يهدأ غضبها تتساءل لماذا قدر لها أن تتزوج عكسرياً، لم يكن بوسعي أن أرفض كما أن الرجال في قريتنا كلهم عسكر، هكذا تواسي نفسها دائماً.

وقبل هذه الأيام العشرة المخيفة كان يأخذ مسدساً فقط كلما خرج بعد الغداء (ليخزن) مع رفاقه، لكن عاداته تبدلت منذ عشرة أيام صار يأخذ معه المسدس وسلاحه الآلي (الكلاشنكوف)، وجبه الغداء صار يتناولها مع رفاقه ثم يأتي بهم إلى البيت، كانوا خمسة ثم عشرة ثم أكثر من عشرة، يترجلون عن (صالونات) وسيارات عسكرية، (ومراقح القات المطول) تنافس أسلحتهم الآلية في طولها.. (يخزنون) في الديوان، وحين تخرج من غرفة النوم قاصدة الحمام تسمع أصواتهم تتعالى في نقاش حاد ووعيد وتهديد، تقف في رأس السلم، فلا تفهم شيئاً مما يقولون سوى أنهم عازمون على أمر خطير من أمور السياسة التي تلعنها وتلعنه.

بعد المغرب يخرج الرفاق ويخرج معهم بعد أن يذكرها بأن تعد لهم (المزة)، ويعاتبها لأن (مزة) الأمس لم تكن كافية ويوصيها بالإكثار من (الجبن والسلطة).. يلمح في عينيها نظرة عتاب، فينهرها قائلاً:

- أجلي العتاب، وقفي بثبات ولو لمرة واحدة.خوفها كان يكبر مع مرور كل يوم من تلك الأيام العشرة المخيفة، وبعد أيام خمسة صار خوفها أكبر من ذي قبل، كانت واقفة في رأس السلم تسمع أصواتهم المخيفة لعلها تفهم شيئاً من الأمر الخطير الذي سوف يحدث.. ميزت صوته وهو يصيح ساخراً:

- إلى أين تهرب أيها الجبان؟

وأجابه الجبان بصوت ثمل:

- لن أهرب إلى الحمام على الأقل؟

ومن مكانها كان بإمكانها أن ترى كتفيه وهو يدخل الحمام، لكنها رأت ظلاً في جدار السلم، وسمعت وقع أقدام على الدرج فجرت إلى غرفة النوم وأغلقت بأبها بالمفتاح، احتضنت طفلها الرضيع واعتراها خوف شديد حين رأت مقبض الباب يتحرك.لم تخبر زوجها بأمر هذا المتسلل كل مساء. خشيت أن تنفجر قنبلة فوق رأسه ورؤوس رفاقه، وشعرت بأن الظرف غير مناسب لحدث خطير آخر.وفي اليوم الأخير من تلك الأيام العشرة المخيفة، لم يكتف ذلك المتسلل بتحريك مقبض الباب ولكنه تمادى في عشقه المخمور وطرق الباب، فاختنقت في فمها صرخة.. تجرأ الوقح ونادى عليها بصوته المبحوح، وحين اندفعت إلى الدولاب لتأخذ المسدس كان يركل الباب بقدمه ويدفعه بكتفه، أدارت المفتاح بيدها اليسرى وفتحت الباب بقوة وأطلقت رصاصة. سقط صريعاً وغطى وجهه الدم، وكان منذ عشرة أيام قد بدأ يعلمها كيف تستخدم المسدس، بعد أن علمها من قبل كيف تصنع (المزة)..!

يوليو 2006م

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى