الأربعاء, 21 مايو 2025
94
لضمان أن يتحوّل الزخم التاريخي الراهن إلى مكاسب مستدامة للقضية الجنوبية، ينبغي تبنّي مقاربة ثلاثية الأبعاد:
توسيع دائرة الشراكة الوطنية عبر إشراك القوى الجنوبية غير المُمثَّلة في حوارات منتظمة، بما يخلق جبهة تفاوضية موحدة تُعزز الشرعية الشعبية للمجلس الانتقالي.
الحفاظ على استقلال القرار من خلال صياغة علاقةٍ متوازنةٍ مع الرياض وأبوظبي تقوم على وضوح المصالح وحدود النفوذ، بحيث يبقى الدعم الإقليمي رافعةً لا وصاية.
الاقتراب من هموم المواطن بإطلاق برنامج خدمات سريع وشفاف في المياه والكهرباء والمرتبات، تُعلَن نتائجه للرأي العام شهريًا، لإثبات أن الشراكة الوطنية تُترجم إلى تحسينات ملموسة في حياة الناس.
إن تفعيل هذا المثلث الشراكة الواسعة، الاستقلال المتوازن، والالتصاق اليومي بالمواطن هو القرار المصيري الذي سيُثبّت مكاسب الجنوب ويمنح المجلس الانتقالي شرعية الأداء لا شرعية الشعارات فقط.
في هذه اللحظة التحوّلية، تصبح الاستعانة بالكفاءات الجنوبية المُجرَّبة أصحاب الخبرة التراكمية في الإدارة والدبلوماسية مسألة أمنٍ وطني، لا مجرّد ترفٍ تنظيمي.
إذ يفضي تغييبهم إلى اختلالٍ ثلاثيّ الأبعاد:
اختلال شرعية القرار بإقصاء الشخصيّات ذات الرصيد الشعبي والتاريخ النضالي، يفقد المجلس الانتقالي إحدى أهم مصادر شرعيته الداخلية:
شرعية الخبرة المتراكمة التي تثبت القدرة على إدارة الدولة لا الاكتفاء بشعاراتها.
إدماج هذه الكفاءات يُعيد للقرار روحَه الجنوبية ويحصّنه من أي ادّعاءٍ بأن المجلس رهينة دائرةٍ ضيّقة المصالح.
ضعف الجبهة التفاوضية أمام الإقليم والعالم.
يتطلب وجود وجوهٍ دبلوماسية متمرّسة يتيح بناء خطاب تفاوضي مؤسّسي يربط بين مطالب الاستقلال وحاجات الإقليم إلى أمن الممرّات البحرية واستقرار الأسواق.
حين يغيب هذا العمق، يبدو الجنوب طرفًا عاطفيًّا أكثر منه شريكًا استراتيجيا، فتضعف القدرة على انتزاع ضمانات دولية لأي تسوية مستقبلية.
تآكل الثقة الشعبية
المواطن الذي يعاني انقطاع الخدمات وغياب الرواتب لن يقتنع بخطط إنشائية.
إشراك خبرات إدارية عايشت أزمات مشابهة وعالجتها يُرسل رسالة طمأنة بأن برنامج الخدمات العاجل ليس مجرد وعود سياسيه وخطابات عاطفيه عابره، بل مسارًا يُراقب ويُحاسَب عليه ذوو الكفاءة أمام الناس.
وعليه، فان إعادة تموضع هذه النُخَب داخل مثلث الفعل ، الشراكة الواسعة، الاستقلال المتوازن، والالتصاق بالمواطن، ليست مجرد إضافة أسماء إلى قائمة مستشارين؛ بل هي:
إعادة هندسة مركز القرار بحيث يصبح تعدديًّا قادرًا على امتصاص الصدمات السياسية والإقليمية.
بناء جسر ثقة مع الخارج يُثبت أن الجنوب يملك مؤسسات وحوكمة لا تختصره في فرد أو فصيل.
تحويل الزخم التاريخي إلى عقد اجتماعي يربط شرعية الكفاح بشرعية الأداء والتنمية.
إن استثمارات القوى الإقليمية والدولية في الجنوب سياسيًّا وأمنيّا لن تتدفق ما لم تَرَ أمامها حُكماً يضمّ مزيجا من القيادة الثورية والخبرة المؤسسية.
ولذلك، فإن إدماج الكفاءات الجنوبية المخضرمة ليس خيارًا تجميليّا؛ بل شرطا بنيويًّا لنجاح المشروع الوطني الجنوبي وتحويل قضيته العادلة من شعار إلى واقع مؤسّس ومستدام.