مثقفو (السعدني) الثلاثة

> محمد سالم قطن:

>
محمد سالم قطن
محمد سالم قطن
قبل أكثر من عشرين عاماً، قدم الكاتب والصحفي العربي الكبير محمود السعدني، خلاصة تحليلية لنماذج المثقفين، خرج فيها بمقولة أن طائفة المثقفين المصريين والعرب لا تخرج، مشواراً ومصيراً، عن ثلاثة نماذج رسمها بقلمه البارع، يمثلها معاً مثلث الراحلين أحمد رشدي صالح، أنور المعداوي، سيد قطب يرحمهم الله.

الأول، كما يروي السعدني، كان يسارياً اشتغل بالسياسة في البداية، ثم طلق يساريته نهائياً بعد أن ذاق مرارة السجن، واحترف الصحافة في النهاية ومات مقهوراً. فقد كانت نهايته عكس بدايته، وكان سلوكه عكس معتقداته، وذهب دون أن يترك أثراً في حجم موهبته! أما الآخر، فقد كان أديباً ضليعاً وكاتباً إسلامياً ثورياً، واشتهر بعد ذلك كأحد زعماء جماعة الإخوان المسلمين، ثم قدر له أن يدفع حياته ثمناً لكتاب (معالم في الطريق) أصدره في الستينات.

وبالرغم من غيابه عن دنيانا كل هذه السنين، إلا أنه لا يزال يعتبر الأب الروحي لكل الجماعات الدينية التي ظهرت لا في مصر وحدها، بل في العالم الإسلامي كله.

كان الأول هو أحمد رشدي صالح، وكان الرجل الآخر هو سيد قطب. وكان الثلاثة يجلسون معا في قهوة عبدالله (مقهى اعتاد بعض المثقفين في مصر الأربعينات والخمسينات الجلوس فيه). الغريب أن الثلاثة تجرعوا الموت قهراً، وإن اختلفت الوسائل. لقد اكتشف رشدي صالح أن الكفاح طريق ليس له نهاية، فآثر أن يبتعد، وارتاد طريقاً آخر هو طريق أكل العيش. لكنه اكتشف بعد فترة أنه كسب عيشه وخسر موهبته وكانت النتيجة الإحساس بالقهر والمرارة، ثم الموت بعد ذلك.

وكان سيد قطب نموذجاً يختلف عن رشدى صالح، اكتشف منذ البداية أن الطريق الذي يسلكه يؤدي إلى السجن وإلى القتل، فأسرع الخطى على الطريق الذي اختاره، وعندما صعد على حبل المشنقة أدرك أن طريقه المادي قد انتهى، ليبدأ طريقه اللانهائي الذي أدى به إلى الخلود.

وكان أنور المعداوي نموذجاً ثالثاً، لم يكن سلبياً متعايشاً مع الظروف كرشدى صالح، ولم يكن فدائياً كسيد قطب. رفض الخضوع مع العيش الناعم، ورفض الثورة حتى الموت. وعندما اكتشف أن قوى البطش أعتى وأعنف، انفجر في داخل نفسه شيء ما، ولم يلبث أن قاطع الحياة كلها ومات!

ويختم السعدنى خلاصته بالقول: لعل هؤلاء الثلاثة هم مصر كلها في تلك الفترة. قد يقول قائل، هناك نماذج أخرى انسجمت أهدافها مع أرزاقها فعملوا وأنتجوا ولمعوا في كل عهد، وتضخموا وتضخمت أرصدتهم في كل وقت. وأجيب هؤلاء بأنني أتكلم عن طبقة المثقفين ولأن الثقافة ليست حرفة ولا هي فهلوة أو عملية تفتيح عين ولكن الثقافة هي وجهة نظر، وهي موقف، وهي طريق يختاره المثقف ويكون مستعداً لأن يدفع حياته ثمناً له.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى