بين الديمقراطية التشاؤمية إلى الشتائمية إلى..التهويلية ! الهبوط في الهاوية.. أم الرقص بين المقابر؟

> غسان تويني:

>
غسان تويني
غسان تويني
كلما ابتعد واحدنا عن لبنان، يصير يتحرق الى النظر الى ازمته "المدوّلة" بغير المنظار المافيوي - "العقائدي" - الميليشيوي الذي يحاولون جعله يختصر قضية استعادة شبعا، فيهدر هكذا، على مذبح "الغجر" قدسية ما لا نزال نؤمن بأن ثمة منا من استشهد باسمها، بل من أجلها!...

المفاوضات الايرانية النووية ليست وحدها في العالم. وليست وحدها تطلق مضاعفات دولية في حجم مخاطر الذرة. نرى، ولو من بعيد، التهويل الكوري الشمالي باجراء تجربة نووية تجعل دولتين جبارتين عظيمتين حقيقيتين تتهافتان الى لقاء قمة تاريخي لا سابق له منذ سنوات، بل منذ ما يزيد عن نصف قرن، في ظل كلام لو يتحقق لتغيرت من جد خريطة العلاقات الجيواستراتيجية في العالم، بل موازين الاقتصاد وكل مترتباتها الانسانية.

مجرد قراءة اسطر قليلة من ذلك، وبعض الاحصاءات تجعلك تضحك، طويلا طويلا، من حكواتية التنظير الاستراتيجي اللبناني - السوري - العربي المدّعي القدرة، فضلا عن المعرفة بمستقبل الدول وديمقراطيتها والارهاب وتكوين الحكومات من توافه حواضر البيوت الحقيرة وفتات موائد الطموحات - المطامع السمجة.

وتخاف... تخاف حقا، لا من أنبياء ما يصح وصفه بـ"الديمقراطية التشاؤمية"، بل من الادنى رتبة، من مهرجانات "ديمقراطية تشاتمية" تذبح اناشيدها التصريحانية كل يوم البقية الباقية من العقلانية في القوى والحكم!

والتقارب الصيني - الياباني ليس وحده ما يذكّرنا بمترتبات أمور تعنينا. فهناك أزمة العلاقات بين جورجيا والروسيا التي لم تهضم بعد انفصال الولاية التي انجبت ستالين عن الوطن الام. وهناك في الجانب الآخر من أوروبا أزمة تتكرر حول الوحدة البلجيكية بين شعبين يتكلمان لغتين في ظل نظام سياسي واحد يفسح لكل شعب في مجال انماء وزارات خاصة به. ويتكلان على الانتخابات البلدية لحسم الأزمة.

***

عمّ نتحدث؟ من نقصد؟

مثلا، مثلا فقط،

ان الرئيس بشار الاسد، في مطولاته، ينتهي الى اعلان "التخوف على لبنان من الهبوط الى الهاوية" آخذا على الرئيس فؤاد السنيورة انه لم يلبّ دعوته الى زيارته، وكأنه يريدنا ان ننسى انه دشّن مهرجاناته الصبيانية بوصف الرئيس السنيورة بأنه "عبد مأمور عند عبد مأمور". فما الجدوى اذاً من حوار هذه كانت نقطة انطلاقه، ولو جاء الرئيس البشار يؤكد أول من أمس ما معناه ان لا شيء يمكن أن يفرق بين سوريا ولبنان اذا حكم لبنان سنيورةٌ ما يمثل "كل لبنان"، لا حزبا ولا كتلة ولا تيارا... كأنما الحكم السوري هو النموذج، فيمثل حزب البعث الحاكم "كل سوريا" بكل أحزابها وطوائفها واتجاهاتها... وليس في السجون احرار يطالبون بغير ذلك!!!

***

نعود نقول اننا لن ننساق الى ما يضيّق الافق اللبناني في معالجة أزمة الحكم التي تسببت بها سوريا. واذا كان الرئيس البشار يحذرنا من العودة الى مثل 1975، قائلا انه لا يعرف ماذا حدث قبل ذلك، فنحن نرجوه، بل نطلب منه بالحاح ان يعود الى خطبة والده الرئيس المغفور له حافظ الاسد في 20 تموز 1976 وفيها يعترف بأن دمشق سلحت الفصائل الفلسطينية وأحزاب "الحركة الوطنية"، فلما استعملت هذه سلاحها ضد المسيحيين، ارتدت دمشق عليهم وادخلت جيشها الى لبنان لوقف "الحرب الاهلية"... الا ان ما لم يقله الرئيس الاسد آنذاك هو ان دخول الجيش السوري تم بالتنسيق مع أميركا واسرائيل، بشهادة الذين تفاوض معهم (والكتب والوثائق موجودة، وكذلك بعض الشهود لا يزالون احياء وربما يشهدون!...) وكانت بعد ذلك حرب الجبل، صولات وجولات، كان يفاوض خلالها على هدنات متتالية، وفترات "وقف اطلاق نار" ضباط اسرائيليون وسوريون، معاً... والصور والمحاضر شواهد.

ونكتفي بهذا القدر مكررين اتفاقنا مع الرئيس السوري على ان لا سوريا، ولا لبنان في وسعهما أن يعيشا الواحد من دون الآخر.

نعم، ولكن... قلنا مرارا، وقال سوانا ونكرر: صحيح لا نريد لبنان يُحكم ضد سوريا. انما لا نريد لبنان يُحكم منها، كما خلال السنوات الثلاثين التي قال البشار انها كانت كلها تضحيات... بالدماء السورية والمال، الخ... متناسيا أكواخ التعذيب وسجون الخنادق والتعجرف في الحكم المخابراتي. وفرض الحكومات على الرؤساء والمجالس، وصولاً أخيراً الى الاغتيالات وما سبقها وما رافقها من عمليات التفجير وما اليها من ارهاب... وتلك هي عبرة احداث آذار 2005 التي يبدو ان الرئيس البشار لا يريد فهمها ويريدنا ان نصدق ان سوريا (واصدقاءها الذين لا يريد ان يسميهم حتى لا يحرجهم) يعتبرون ان التحقيق والمحكمة الدولية لا علاقة لهما بذلك. ونكتفي، الآن.

***

اما بعد... فعودة الى التحذير من الهاوية التي يمكن ان يقع لبنان فيها.

نعم ثمة هاوية تهددنا. ولكننا ننطلق من قول الرئيس البشار، بالذات لنقول له ان يطمئن: لبنان لن يقع وحده في هذه الهاوية!... واذا كنا اثنين فيها، يسهل ان نتعاون للتسلق الى خارج. شرط الا نكون قد سقطنا في الهاوية لاننا كنا نرقص، ومعا، على فوهة بركان، أو بين القبور!!! ألم يقل هو نفسه انه اذا قامت حوادث عنفية في لبنان، فسوريا كذلك مهددة بامتداد هذه اليها؟

فحذار السحرة الهواة الصغار أن ينقلب سحرهم عليهم! والبادئ أظلم.

حاشية: فاتنا ان ننوه بقول الرئيس الأسد انه اذا جرى اعتداء ايراني على اي من دول الخليج، فدمشق سترسل جيشها الى الخليج للتصدي للجيش الايراني، "عملا باتفاق الدفاع العربي المشترك". ونتابع:

مما يجعل اللبنانيين يتساءلون ولا ريب: الا يزال اتفاق الدفاع العربي المشترك قائما بين سوريا ولبنان، كما مع الخليج؟ وماذا عن الاتفاق العسكري الثنائي السوري - اللبناني؟

واذا كان الاتفاقان قائمين، فكيف تكون للكلام السوري الموجه الى الخليج صدقية إذا لم يتصد الجيش السوري ولو لاطلاق مدافعه وصواريخه من الجولان على الجيش الاسرائيلي العدو ولو عند بدء زحفه الارضي على لبنان لاحتلاله، بعد توقف الحرب الجوية بفضل المقاومة الوطنية الباسلة ثم تدخل مجلس الامن نتيجة الحاح الحكومة اللبنانية على نقاطها السبع التي وافق عليها وصار عرابها الرئيس البري المفوض من حركة "امل" و"حزب الله"، بعدما وقع وزراؤهما قرار الحكومة الاجماعي.

أوَلم يكن هذا مظهراً صارخاً للوحدة الوطنية؟

***

واخيرا، أخيرا... نعود الى الجولان، انما كطريق سلام لا طريق حرب... فنكرر ما قلناه وقاله سوانا مراراً ان في وسع دمشق أن تتوسل الجولان وتحريره كحرب صغيرة تضطر بعدها اسرائيل الى القبول بالدخول في مفاوضات السلام التي يطرحها المشروع العربي وتعارضها اميركا الى حد جمعها الدول التي تصفها بالمعتدلة ولا مشروع سلام تطرحه أو حتى تلوّح بالقبول به، لأن اسرائيل لا تزال ترفض...

ونحن لم نخترع طريقاً لاجبارها على القبول كما عام 1973 .

فماذا تنتظر دمشق البشّار؟ ان يدفعها لبنان الى الحرب؟ أم ايران؟

أو ان تأذن لها بذلك واشنطن؟

عن الزميلة «النهار» اللبنانية 9 أكتوبر 2006

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى