قصة قصيرة بعنوان (يشرك) بعد الصلاة

> «الأيام» عبدالاله سالم الضباعي:

> مر أسبوعان والمواطن ماهر يتردد يومياً على أحد المرافق الحكومية بالعاصمة بغية وضع الختم على استمارة لديه جاهزة بعد أن استكمل جميع الإجراءات وتعبئة كافة البيانات والتوقيع عليها من قبل المختصين في مديريته ومحافظته. كان يحضر صباح كل يوم ويدخل المرفق مع أول موظف ويخرج عائداً إلى الفندق آخر النهار بعد انتهاء الدوام، ومع الأسف فالموظف المختص لم يحضر خلال هذه الفترة من شهر رمضان، شهر الصوم والجوع والعطش. وفي اليوم الرابع عشر وبعد أن كان قد سأم ماهر ومل من الانتظار وتعب من الذهاب والعودة دون فائدة وبينما هو يحدث نفسه إذا بأحدهم ينبهه ويقول له:هاهو الموظف الذي تنتظره قد وصل، فسأله أين هو، قال له: هذا الذي يفتح المكتب، فنهض ماهر من مكانه مسرعاً مستبشراً حتى وصل إلى باب المكتب حيث قابله الموظف عابساً وسأل ماهر بغضب: ماذا تريد؟ فمد له ماهر بالاستمارة فرد عليه الموظف بغلظة: ليس وقت موضوعك هذا عد لي بعد أسبوع. وأغلق المكتب بعنف في وجه ماهر الذي خرج من المرفق حزيناً يائساً وكان يحدث نفسه من يكون هذا حتى يتعامل مع المواطنين بهذا الشكل، غائب عن العمل ومحتكر ختم المرفق في جيبه وفوق هذا يتصرف بهذه الطريقة العنجهية فوجوده هنا لخدمة المواطنين وليس ليستبد بهم ويعبث بقضاياهم. ومن المسؤول الذي نشكو إليه هذا الموظف وأمثاله ممن يستهترون بقضايا الناس؟ أسئلة كثيرة تدور في رأس ماهر أثناء سيره وهو يحاول الخروج من المرفق فإذا به يرتطم بجدار السور المحيط بالمرفق من الداخل حيث كان شارد الذهن ومشتت الأفكار فلم يستطع تحديد بوابة الخروج فسقط على الأرض ولم ينتبه إلا على ضحكات من كانوا موجودين في حوش المرفق وسخريتهم منه، بدلاً من أن يقوموا بمساعدته على ما أصابه، فنهض ماهر وثيابه ملطخة بالدماء وشعر بالخجل واتجه مسرعاً صوب بوابة الخروج، وكاد يصطدم بإحدى السيارات المارة بالشارع مسرعة ولولا حفظ الله ويقظة سائق السيارة لأصبح في عداد الموتى. وبعد أن استمع ماهر إلى بعض الكلمات الجارحة من سب وشتم وجهت إليه من سائق السيارة دون أن يرد عليه وقف على جانب الشارع وأوقف إحدى سيارات الأجرة (تاكسي) وطلب من سائقها أن ينقله إلى أقرب مستشفى، ومن ثم إلى الفندق الذي يسكن فيه مؤقتاً حتى ينهي معاملته في العاصمة. و بعد أسبوع بالتحديد عاد ماهر إلى المرفق وهو محبط ولكنه لم يذهب كعادته مبكراً فقد ذهب متأخراً ساعة عن بدء الدوام، وعند وصوله إلى المرفق شاهد مكتب الموظف مفتوحا و مزدحما بالمراجعين فقرر الانتظار خارج المكتب ريثما تخف الزحمة وبعدها يدخل على الموظف. ولكن الزحمة لم تخف بل كانت في ازدياد، وبعد مرور ساعة شاهد ماهر أن جميع من كان داخل المكتب يخرجون منه دفعة واحدة وساحة المرفق تضج بأصواتهم المتعالية غضباً واحتجاجاً من تصرفات هذا الموظف الذي خرج على أثر خروجهم، وقام بإغلاق مكتبه، فتقدم ماهر يخترق جموع الناس الواقفين أمام المكتب ووصل إلى الموظف وقال له: لقد جئت على الموعد وأنا منتظر من الصباح لعل الزحمةتخف فرد عليه الموظف بغلظة شديدة وقال: موضوعك هذا بحاجة إلى إجراءات ووقت وليس كما تظن ولدي أعمال كثيرة متراكمة وطلبات لناس كثير غيرك ولست وحدك والآن وقت صلاة الظهر وبعدها سأذهب إلى السوق أشرك -و(الشرك) تعني في بعض المناطق اليمنية شراء شيء من اللحم لطبخه مع الشربة - فقال له ماهر: أنا أتيت من محافظة بعيدة وقد قضيت مدة شهر هنا لاستكمال هذه المعاملة وصرفت الشيء الكثير من إيجار فندق ومواصلات وغيره، وأنا أرجو منك أن تقدر ظرفي وأي شيء مطلوب مني فأنا على استعداد وتحت أمرك وجاهز للمساهمة فأنا عارف أن الظروف صعبة . حينها تبسم وجه الموظف العابس وأخذ بيد ماهر وهمس في أذنه:عليك أن تأتي في المساء إلى المنزل بعد الفطور فما يجوز الآن وأنا صام.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى