رياضتنا اليمنية والهر الذي يحكي صولة الأسد

> «الأيام الرياضي» شكري حسين:

> قامت الدنيا على رؤوس المدربين الوطنيين ولم تقعد وبالذات من أتيحت لهم فرصة الإشراف على منتخباتنا الوطنية سابقا ولاحقا .. اذ مثلت النتائج المخيبة التي حصدتها فرقنا مؤخراً فرصة كبيرة لتصويب سهام النقد إلى نحور أشخاص معينين جعلتهم بعض الكتابات محل اتهام وسببا مباشرا للسقوط المتكرر الذي تتعرض له كرتنا كلما أطلت برأسها على الآخرين.

وفي غمرة الغيظ العارم من الانتقادات التي مارستها صحافتنا الرياضية ومازالت، بالحق تارة وبالباطل مرات كثيرة، وجدت نفسي اتساءل هل يحق لنا نحن معشر الصحافيين الرياضيين أن ننتقد فقط؟ وهل نحن منزهون عن الخطأ ولا نقبل من أحد أن ينتقدنا؟ وهل كل ما يكتب اليوم في صحافتنا يصيب كبد الحقيقة أم أن سهام النقد تأبى إصابة هدفها رغم وضوحه واتساع رقعته؟

وقبل الإجابة لا بد من الاعتراف أولاً أن الكثير من الاقلام وعند استعراضها للنتائج الموجعة التي تنزل بساحتنا تصاب بالهلع والذعر من أن تقول الحقيقة، فتبحث عن كبش فداء تنهال عليه بسكاكينها فتقطعه إرباً، ويخيل لها أنها قد ظفرت حينها بمصباح علاء الدين.

وثانياً.. نحن بشر لنا حسنات كما أن فينا عيوباً ومساوئ، ومن يعتقد أن بمقدوره وحده أن يفرد الصفحات ويرص الكلمات ويعدد الروايات وينتقد فقط ولا يقبل به فذلكم مكابر على اعتبار ان القاعدة الجماهيرية التي قد ربما يراهن عليها أحدنا ويعتبرها هي الأساس لا تعترف إلا بالواقع، فهي وإن امتدحته اليوم قد تقدحه غدا، وقد قيل (يوم لك ويوم عليك) وقبل هذا يجب ان نعترف أن القارئ اليوم قارئ فاهم وواع وهو أذكى بكثير مما نتصوره. وعودة الى ما بعاليه أرى ومن وجهة نظري المتواضعة أن المدرب الوطني مظلوم بل ومفترى عليه، وقد قيل (لا كرامة لنبي في أرضه) فهو من ناحية يعمل في ظروف سيئة وأجواء غير ملائمة فهو وإن تصدى للمهمة برباطة جأش وكله أمل في خدمة وطنه وبلده صورناه كمن هو باحث عن (لقمة العيش) ولا يعرف غيرها وسرعان ما تنهال عليه (نبال) الإساءة عند أي سقوط.. وإن رفض وأعلن انسحابه قبل وقوع العاصفة قلنا عنه رجل به خور ورعديد لا يستحق القيادة.

ولست بصدد سرد نماذج لمثل هكذا أحداث، فالواقع مفعم بالشواهد ولكن حسبي في هذه العجالة الإشارة إلى ثلاثة منهم، فالأول الكابتن (أحمد صالح الراعي) الذي تصدى للمهمة بعد أن نفذ الكابتن رابح سعدان بجلده من واقعنا، وهو الخبير الذي من المفترض الاستفادة من خبراته المتراكمة، فعندما حلت المواجع بالمنتخب لم نجد أمامنا إلا الراعي فأشبعناه نقداً وتبارت أقلامنا في البحث عن أقذع الاوصاف فألصقناها بشخصه، ونصبنا له وللاعبيه المشانق، ولم يبق لنا إلا المطالبة بمحاكمته كمجرم خان الوطن وداس على الأمانة .. والثاني هو الكابتن (أمين السنيني)، فعلى الرغم من النجاح الكبير الذي ارتبط بإسمه بوصولنا الى العالمية تحت قيادته وقولنا فيه ما لم يقله الشافعي في مالك، وكتابة الكثير من معلقات المدح والاشادة في حقه وبعدها وبفترة وجيزة وفي استحقاق لاحق قلنا عنه (أحمق) والحماقة قد أعيت من يداويها، ولم يشفع لثالثهم الخلوق (عبدالله فضيل) الذي سار على درب سابقه ووصل بناشئينا مرة أخرى الى الاسياد بروح الانضباط وحسن التعامل وغرس مفهوم العبادة في نفوس لاعبيه وجمال الأداء والمستوى الراقي، الذي ظهر به المنتخب رغم محدودية الخبرة، فأقمنا عليه الدنيا عقب الخروج من الدور الأول وكأن أمر الخروج شيء مستحيل أو أنه ضرب من خيال أو كأن الوصول الى المباراة النهائية محجوزاً لمنتخبنا من وقت سابق دون غيره.

إذاً مشكلتنا يا سادة يا كرام أننا نهول الامور وننفخ في مزمارها دون النظر إلى الواقع ونحملها ما لا تتسع .. مشكلتنا اننا ننظر فقط إلى الجزء الفارغ من الكأس ونغض الطرف عن الشوائب العالقة فيه.

مشكلتنا أننا تصورنا أن عندنا رياضة وكرة قدم حقيقية بمقدورها إبطال سحر السحرة أهل السامبا والقضاء على رقصة أهل التانجو ومضارعة العطور الفرنسية لزيدان ومن بعده هنري ورفاقه.

اعتقدنا وبكل أسف وفي لحظة على ما يبدو (سليمانية) انه بمقدورنا الطيران في سماء طوكيو وهيروشيما والسير بخيلاء على ظهر شمشون كوريا وأخذ الفسحة والاسترخاء على شواطئ جدة، وما أرى حالنا إلا كالهر يحكي صولة الأسد.

ويا سادة ليست المشكلة في مدربينا الوطنيين، فهم وإن كانوا جزءاً منها إلا أنه من الظلم أن نجعل أوزار الخيبة على ظهورهم وحدهم دون غيرهم.. فهم وعلى قدر إمكانياتهم فعلوا ما لم يفعله غيرهم من المدربين العرب أو الاجانب، بل وتحققت بعض الانجازات على مستوى الاندية بمدربين محليين كما هو الحال بأمين السنيني الذي قاد وحدة صنعاء إلى البطولة أكثر من مرة وأيضا سامي نعاش الذي قاد التلال الى البطولة بعد سنوات عجاف، وهكذا أيضاً عبدالله باعامر وعادل المنصوب وسعيد نعوم وغيرهم من المدربين الذين لا تحضرني أسماؤهم حالياً، والذين تمكنوا من الصعود بفرقهم الى مصاف أندية النخبة في الوقت الذي عجز فيه غيرهم من المدربين العرب.

ويا سادة وجهوا سهام نقدكم إلى وزارة الشباب والرياضة، واسألوها عن المنشآت الرياضية ومقرات الاندية والملاعب التي تقام عليها دورياتنا، قولوا لها أين هي البنى التحتية وهل مخصصات الاندية تكفي لمناشطها؟ .. دعوها تحدثكم عن ملايين الريالات التي تذهب هدراً أو في جيوب اشخاص ، ولاعب الكرة عندنا يتضور جوعاً ويشكو فقراً.

إسألوا اتحاد كرة القدم عن خططه المستقبلية وعن أسباب عدم انتظام مسابقاته وعن الدورات التأهيلية المختلفة .. قولوا لهم إن النجاح عبارة عن منظومة عمل متكاملة فهل هم أهل لها؟ .. دعوهم يحدثونكم عن أسباب تدهور كرتنا وضعف مستوى منافساتنا فـ (عند جهينة الخبر اليقين).

كم هو مؤلم أن يتحدث عدد من لاعبي منتخبنا الوطني الأول ويشكون بمرارة ويبدون امتعاضهم من التعاطي الذي أسموه بالغريب مع مشاركتهم الاخيرة في تصفيات كأس آسيا وكم هو مؤلم ان تقرأ في عيون نجوم المنتخب علي النونو، معاذ عبدالخالق، سالم سعيد، محمد صالح يوسف ومحمد السلاط الذين التقيتهم على هامش مباراتنا مع اليابان، علامات الأسى والحسرة من التناولات الإعلامية، وكم هو محزن أن يسألني أحدهم هل نحن من اليمن ونمثل بلدنا اليمن أم أننا من بلد الواق الواق؟.

ويا جماعة رفقاً بمدربينا ولاعبينا فهم يؤدون عملهم حسب إمكانياتهم وقدراتهم، ولا انسى ان أشير في آخر المطاف الى التناولات المعقولة لعدد من كتابنا الرياضيين كالاستاذ عادل الاعسم الذي تمتاز كتاباته بالرصانة والواقعية عقب كل خسارة، وايضاً الاستاذ محمد سعيد سالم والزملاء سامي الكاف وجميل طربوش وناصر الحربي وأحمد الظامري وغيرهم، وليعذرني البعض لعدم اطلاعي على كل ما كتب حول مشاركة المنتخب.

وباختصار لن تتطور كرتنا ولن تقوم لها قائمة إلا بإصلاح الاساس فيها والمتمثل في إقامة مدارس خاصة للناشئين وجلب خبراء وانتظام المسابقات والعناية باللاعبين وتوفير سبل الراحة لهم، فمقارنتهم مع لاعبي دول الجوار ظالمة بكل المقاييس .. وايضاً الاهتمام بالأندية وزيادة مخصصاتها، وقبل ذلك الارتقاء بالعمل الإداري سواء في الأندية أو على مستوى الاتحاد العام، وبناء الملاعب الصالحة والمنشآت الرياضية وغيرها من الامور التي لم تعد خافية على أحد.

ثم اعلموا أننا لو جئنا بمدربي العالم كله للعمل في مثل أوضاعنا هذه فلن نتقدم قيد أنملة ومن يرى غير ذلك فهو واهم، والأيام بيننا.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى