مدير عام الشركة اليمنية للمطاحن وصوامع الغلال بعدن لـ«الأيام»:تدخل الحكومة لحماية المستهلك كان وجيها في الماضي ولم يعد له مبرر في ظل الاقتصاد الحر

> عدن «الأيام» خاص

>
نشوان علي محمد سعيد
نشوان علي محمد سعيد
في ظل الأزمة الملتهبة والخاصة بارتفاع الاسعار والتي تعاني منها السوق المحلية وخاصة الارتفاع الملحوظ في أسعار القمح والدقيق.. هذه الأزمة التي أصبحت محل اهتمام الجميع وحظيت باهتمام رسمي وشعبي كونها تهم المواطن البسيط وتؤثر على مستوى معيشته.. في هذا السياق وإيمانا من صحيفة «الأيام» بأهمية توضيح الحقائق والتعرف على آراء جميع الأطراف، فقد زار مندوب «الأيام» الشركة اليمنية للمطاحن وصوامع الغلال في المعلا (إحدى شركات مجموعة هائل سعيد أنعم وشركاه) وهي من كبرى الشركات الوطنية إنتاجا وتخزينا للقمح والدقيق في بلادنا، وكان اللقاء مع الأخ نشوان علي محمد سعيد، مدير عام الشركة.

< باعتباركم أكبر شركات المطاحن في السوق المحلية.. كيف تقيمون واقع الاستثمار في هذا المجال؟

- لا شك بأن الاستثمارات الوطنية العاملة في مجال صناعة الدقيق في بلادنا تعد من الاستثمارات الحيوية والهامة بالنسبة للاقتصاد الوطني وللمجتمع، خصوصا في مجال الأمن الغذائي وتجاوز المراحل الحرجة التي قد تمر بها البلاد لسبب أو لآخر.

ولهذا فهي تحظى كغيرها من الاستثمارات الوطنية برعاية واهتمام كبيرين من قبل فخامة الأخ علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية حفظه الله الذي ينطلق في توجيهاته الحكيمة وقراراته من رؤية تنموية عميقة وبعيدة المدى انعكست بشكل مباشر على تشجيع الاستثمارات وزيادة إسهاماتها في التنمية وتعزيز الهياكل الإنتاجية في الاقتصاد الوطني سواء أكانت تلك الاستثمارات وطنية أو خارجية.

غير أن الاستثمار في هذا المجال مثله مثل غيره من مجالات الاستثمار الأخرى لا يخلو من مخاطر استثمارية وإن كانت في هذا المجال أشد حساسية من غيرها، باعتبارها مخاطر غير متوقعة في الغالب وغير مخطط لها سواء منها ما يتعلق بشحة عرض مادة القمح وارتفاع أسعارها عالميا وما قد تتعرض له البلدان المنتجة من كوارث طبيعية وبيئية أو ما يتعلق بالنقل والتأمين على البواخر إلى جانب ما تحتاجه هذه الصناعة من حرص وكفاءة عاليين فيما يتعلق باختيار خامات القمح وضمان استمرارية نوعية وجودة المحصول حتى لا يفقد سمعته وثقة المستهلك به في حالة أي خطأ أو تساهل بهذا الأمر.

< أشرتم إلى الدور الاقتصادي والوطني لشركات المطاحن في مسألة الأمن الغذائي في البلاد.. غير أن الواقع كشف عن ضعف دور هذه الشركات في ذلك مؤخرا بعد بروز فجوة بين العرض والطلب في السوق وما صاحبها من ارتفاع في الأسعار.. فيكف تفسرون ذلك؟

- الفجوة بين العرض والطلب في سوق القمح والدقيق لم تقتصر على السوق اليمنية فحسب، بل هي ظاهرة عالمية نتجت عن شحة عرض القمح وتدني حجم إنتاجه العالمي من 150 مليون طن الى 110 ملايين طن تقريبا، مما أدى الى ارتفاع سعر الطن الواحد عالميا من 170 دولارا إلى حوالي 250 دولارا.

أضف إلى ذلك أن هذا الارتفاع الكبير في سعر القمح عالميا صاحبه قرارات حكومية وإجراءات رقابية للمصنعين والمستوردين وتجار التجزئة بضرورة تثبيت الأسعار كما كانت عليه قبل يوليو 2006، لهذا كان من الطبيعي أن ينسحب من السوق عدد من العاملين الرئيسيين فيه سواء أكانوا من المصنعين والمستوردين أو أصحاب المعامل الصغيرة لافتقاد المنفعة المرجوة من العمل، بل كان في الحقيقة إحجامهم عن مواصلة البقاء في السوق هروبا من تكبد خسائر فادحة جراء ذلك قد لا يقدرون على تحملها، بل حتى إن تهريب الدقيق إلى الاسواق المحلية من الأسواق المجاورة الذي كان نشطا خلال الفترات السابقة توقف مع هذا الارتفاع العالمي للقمح.

ومع ذلك كله فإن الشركات التي ظلت متواجدة في السوق خلال هذه الفترة كانت وقفتها للعمل بخسارة تضحية وطنية كبيرة، وأسهمت بشكل كبير وفاعل في استقرار المجتمع وتثبيت السكينة العامة في البلاد مع أن انسحابها من السوق مع الآخرين كان من الممكن أن يحدث أزمة غذائية خانقة.

< أين وقفتم أنتم في الشركة اليمنية للمطاحن وصوامع الغلال في هذه المرحلة من هذه الأزمة؟

- بالنسبة لنا في الشركة اليمنية للمطاحن وصوامع الغلال وقفنا مع الشعب والحكومة وتحملنا مسؤوليتنا الوطنية في ذلك استجابة لتوجيهات فخامة الأخ علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية حفظه الله، فقد كانت توجيهات القيادة العليا للمجموعة في هذا الشأن واضحة ومحددة تقضي بأن تستمر الشركة في الإنتاج بكامل طاقتها الإنتاجية بما في ذلك أيام الجمع والإجازات مع الالتزام التام والحقيقي بالتسعيرة المتفق عليها بالرغم من حجم التضحية المترتبة على ذلك.

فالقضية الأساسية في ذلك الوقت بالذات الذي تزامن مع مشارف حلول شهر رمضان المبارك لم تعد بالنسبة إلينا مسألة ربح أو خسارة ولا عملية تجارية تقوم على العرض والطلب، بل تعاملنا معها انطلاقا من الرسالة الوطنية التي تحملها المجموعة تجاه المجتمع وتمثلاً لتعاليم ديننا الإسلامي في التعاطي مع مثل هذه الحالات برؤية أخلاقية وطنية إنسانية لأنها ترتبط بشكل مباشر بأقوات المواطنين ولها تأثيرات كبيرة على استقرار المجتمع وتماسكه.

غير أن ذلك كله لا يعني بالضرورة أن رؤيتنا في هذا المجال كانت مجردة تماما من أي بعد اقتصادي أو استثماري، بل كان قرارنا باستمرار العمل يهدف أيضا إلى الحفاظ على تواجدنا في السوق والحرص على استمرارية ارتباطنا بالمستهلك وتعزيز ثقته بنا سواء كمنتجات أو كشركة وطنية.

< مع تقديري لدوركم هذا كمجموعة وكشركة.. إلا أنني أود التأكيد على أن ما أعرفه شخصيا هو أن أسعار القمح والدقيق بما فيها منتجاتكم في السوق كانت مرتفعة خلال الفترة الماضية بالرغم من قرارات الحكومة والإجراءات الرقابية التي قامت بها الجهات المسؤولة فما تعليقكم؟

- نعم كان هذا صحيحا مع الأسف.. لأنه وبالرغم من التوجه الذي اختارته المجموعة والتزامنا كشركة بالسعر المتفق عليه كما أشرت إلى ذلك سابقا إلا أن ما كان يجري في واقع السوق هو البيع للمستهلك من بعض حلقات البيع بأسعار مرتفعة، فظهرت سوق سوداء كنتيجة لتدني نسبة العرض عن حجم الطلب في السوق وهو ما تم التنبه له مؤخرا فبدأت الحكومة بالتحرك للحد من هذا التلاعب وتقليص تأثير السوق السوداء في هذا الجانب ورغم ذلك استمر التجاوز هنا وهناك.

< هناك جهات حكومية مدنية تحمل التجار مسؤولية ارتفاع الأسعار، في حين اعتبر بيان عن الاتحاد العام للغرف التجارية والصناعية الممثل الرسمي للقطاع الخاص أن ارتفاع الاسعار في بعض السلع والمواد الغذائية كان نتيجة لارتفاع المواد الخام عالميا واستنكر البيان الحملة على القطاع الخاص وتحميله مسؤولية ما يحدث، وقد أضفتم أنتم هنا عددا من العوامل الجانبية مثل ظهور السوق السوداء التي قد نجد فيها من يلقي باللائمة على كبار التجار.. فما الذي يمكن لي أن أفهمه كمستهلك من ذلك؟

- أود التأكيد في البدء على أن الإعلام الوطني المسؤول ينبغي أن يكون له دور هام ومؤثر في مثل هذه الظروف لتنوير الرأي العام دون أي تجنٍّ على أحد او توزيع المسؤوليات هنا وهناك بلا تمحيص أو معالجة موضوعية بل يجب عليه ان يقدم الحقيقة كاملة ومجردة مهما كانت هذه الحقيقة، طالما أنها لا تمس المصالح الوطنية العليا.

أما فيما يتعلق بمسألة ارتفاع الأسعار والجدل الدائر حولها في الوقت الحالي فيمكن لي أن أقول إن هناك نقصا عالميا كبيرا في كمية العرض من القمح رافقته زيادة في الطلب مما تسبب في إحداث فجوة عالمية أدت إلى ارتفاع حاد في أسعار القمح في العالم كما أوضحت سابقا، وهي حقيقة قائمة ويمكن لأي أحد معرفتها وتعميق البحث فيها بكل دقة وسهولة من خلال شبكة الانترنت أو الفضائيات، كما أنه من السهل على الجهات الرسمية دراسة أسعار هذه السلع عبر السفارات والملحقيات التجارية وغيرها.

وبناء على ذلك فقد كان من الطبيعي أن تخضع السوق المحلية كغيرها من الأسواق الأخرى لتأثير الأسواق العالمية، لأن قانون العرض والطلب هو الذي يحكم الأسواق صعودا وهبوطا دون الحاجة إلى أي تدخل من أي جهة كانت، غير أن تزامن تلك العوامل المؤثرة على ارتفاع الأسعار مع اقتراب شهر رمضان المبارك دفع بالحكومة إلى اتخاذ قرار بمنع رفع الأسعار خلال هذه الفترة كإجراء احترازي مؤقت أملته المصلحة الوطنية وحظي بمباركة القطاع الخاص ودعمه وفق سقف زمني محدد ومتفق عليه.

أما فيما يتعلق بالتصريحات التي صدرت عن بعض الجهات الرسمية والمدنية فأعتقد أن التعميم الذي خرجت به حمل الكثير من الإجحاف خصوصا للمصنعين الذين بقوا يعملون في السوق بخسائر كبيرة وفادحة ونقلت صورة مغايرة عن القطاع الخاص الوطني وإسهاماته الفاعلة في التنمية مع الحكومة، لأن القطاع الخاص الوطني كما يعرف الجميع له دوره الأساسي في هذا المجال ويتميز برؤية وطنية مسئولة في معالجة الكثير من الإشكاليات التنموية والاقتصادية القائمة.

< هناك من ينتقد على الحكومة تدخلها في السوق والتحكم بالأسعار في ظل قوانين ومبادئ حرية التجارة في حين أن المستهلك البسيط قد يعتقد أن تدخل الحكومة أمر ضروري لضمان عدم التلاعب بالأسعار من قبل التجار فماذا ترون أنتم في ذلك؟

- أعتقد أن ما طرح من ضرورة تدخل الحكومة في السوق لحماية المستهلك من الاستغلال كان طرحا صحيحا ووجيها خلال العقود الماضية التي كانت تنتهج بلادنا فيها سياسة التجارة المقننة وحماية الإنتاج المحلي الذي يتطلب أن يكون معه بالضرورة حماية مماثلة للمستهلك من أي استغلال أو احتكار من قبل الجهات التجارية المتحكمة في زمام السوق.

أما اليوم وفي ظل منهج الاقتصاد الحر وحرية التجارة العالمية وإزالة الحواجز وتعالي وشدة المنافسة سواء داخليا أو خارجيا فلا أعتقد أن هناك أي مبرر لتدخل الحكومة في السوق بمثل هذه الإجراءات، لأن الطبيعة المنافسة في الأسواق المفتوحة تقوم في جزء كبير منها على التنافس في معايير عديدة أهمها انخفاض سعر المنتج وبالأخص في مثل واقع بلادنا الذي يعد فيه سعر المنتج هو الميزة التنافسية الأعلى من غيره بسبب تدني مستويات الدخول وضعف القوة الشرائية، ولهذا فمن الصعب جدا على أي جهة مهما كان حجمها أن تمارس الاحتكار أو تنفرد في التحكم بالسوق لأنها بكل تأكيد تحكم على نفسها بالموت في ظل منافسة لا ترحم، بل لا أبالغ إذا ما قلت إن المصنع المحلي يسعى اليوم بكافة الوسائل والطرق لأن يحافظ قدر الإمكان على عدم حدوث أي طفرة في الأسعار، لأن ذلك يؤثر كثيرا على قدرته التنافسية في الأسواق المحلية أو الخارجية وبشكل خاص في ظل عدم التكافؤ في الظروف والعوامل والبيئات التي تعمل في ظلها الصناعة الوطنية في بلادنا مقارنة بالشركات الأجنبية المنافسة لها في الوقت الراهن.

< كلمة أخيرة تودون قولها.

- أشكركم على هذه الفرصة الطيبة للحوار الذي أتمنى أن يكون مساهمة فاعلة في اتجاه خلق وعي سليم وثقافة استهلاكية صحية لدى الرأي العام وجماهير المستهلكين، كما أتمنى لكم ولصحيفة «الأيام» المزيد من التطور والنجاح في رسالتكم الوطنية السامية.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى