يا محافظ عدن هذا هو التكريم الحقيقي لسالم أحمد بامدهف

> «الأيام» مختار مقطري:

> من الوداعة الآمنة البيضاء في الوجه الندي لهذه المدينة التي منحها التاريخ اسم عدن، لتقترن وإلى الأبد بجنة اختار الإله لها مكاناً في (شرق عدن) كما يذكر العهد القديم، من صمتها النابض وبساطتها الشامخة اعتداداً وكبرياء و قدرتها المحسودة على الصبر المليح.. من ترابها وسمائها.. من شواطئها وجبالها.. من قيظها الملتهب صيفاً يبرده في الجباه عرق البذل والعطاء.. من اعتدال جوها في شتائها المستحي، من عمق تأملاتها والرقي في تفكيرها وإيقاع خطاها الواثقة ومن الألق الأخضر في عيونها.. من مثابرتها في التحصيل الإبداعي الجميل ومزجه بعطاءاتها ثم صياغته إبداعاً راقياً مختوماً ببصمات أصالتها الخلاقة.. من هذه الملاحة الشعبية في هذه المدينة المرسومة بالماء والضوء، و من تسامي جمالها الثري بإشراقات التحضر فكراً وعلماً وأدباً وفناً.. من كل هذا الجمال الوضاء في وجنات عدن صنع سالم أحمد بامدهف ألحانه الخالدة.. فامتزجت فيها روائح العطور والبخور و(التمباك) في (الزعفران) وتراتيل (العيدروس) المطمئنة بتضرعات البسطاء تحت قبة (الهاشمي).. وفيها لمعت زرقة البحر في (ساحل أبين) و(صيرة) و(الغدير) وعبقرية المكان المنفتح على العالم كله في الميناء (بالتواهي).

ومن فيض ألحانه السلسبيل ارتوى عمال الرصيف (بالمعلا)، وتدفأت مشاعر المدراء والموظفين وسعاة البريد وسائقي سيارات الأجرة والمعلمين وربات البيوت والطلاب وعمال البلدية ومحصلي الضرائب والتجار ورجال الصحافة وذوي المال والأعمال.. وممثلهم فعل أئمة المساجد والفقهاء والمفكرون والأدباء والشعراء وأهل الفن.. الجميع صاروا بفنه عشاقاً في هذه المدينة لهذه المدينة.. فعبرت نبضات الحياة المتنوعة في ألحانه عن مشاعر الجميع.. فكأنه ركب في عوده أوتار عود زكريا أحمد إلى جانب أوتار عود رياض السنباطي.. زكريا في الجملة الموسيقية الإيقاعية القصيرة والسنباطي في الامتداد المتناغم في الجملة الموسيقية الطويلة.. لذلك وهبتنا عبقرية البامدهف الفنية عشرات الأغاني الخالدة بتنوعها الأصيل وتجلياتها حتى في بساطتها.. باقة أغنيات تناسقت فيها (قولوا له ليش ما يكلمنا) و(الزين جزع مرة) و(من علمك يا كحيل العين) وغيرها مع.. (نم على صدري) و(عرائس اللحن) وغيرها.. تناسقاً فنياً بديعاً يسنده الجمال الفني المتألق إلى الأبد.

ومقابل هذا العطاء الفني الكبير للبامدهف الذي ارتقى بمشاعرنا وعواطفنا كيف نرد الجميل لهذا الفنان الكبير الذي رسم للأغنية العدنية ملامحها الأصيلة.. أما آن الأوان لننصفه في وطنه بتكريم لائق بمكانته الفنية الكبيرة.. ونحن مهما بالغنا في تكريمنا إياه لن نفيه حقه وفضله علينا..!

نعم.. كيف يكون التكريم الذي يستحقه البامدهف؟ بعد الاستقلال الوطني 1967م رحل البامدهف مكرها من عدن واليمن كلها.. وتم تأميم منزلين إن صحت معلوماتي كانا ملكاً له ولعائلته الكريمة وصارا اليوم ملكاً لمواطنين آخرين، فهل ينزل البامدهف في فندق إذا وافق على حضور حفل تكريمه المزمع تنظيمه قريباً بحسب ما علمت؟! ليس هذا هو الوفاء الحقيقي دون شك.. وهذا ليس رأيي أنا فقط بل هو رأي البامدهف نفسه وأمله الوحيد ومطمعه الغالي والمستحق.. هذا ما أخبرني به قبل أسبوع الزميل الإعلامي القدير جميل محسن المقيم حيث يقيم البامدهف في دولة الإمارات العربية المتحدة والذي يزور عدن حالياً.. وبدوري أنقل وعبر «الأيام» الغراء طموح وأمل البامدهف ورأيه في كيف يكون التكريم الذي يستحقه، إلى الأخ أحمد الكحلاني محافظ عدن، راجياً منه أن يصدر توجيهاته بالإسراع في إجراءات تعويض البامدهف عن منزليه المؤممين.. كإجراء استثنائي يستحقه البامدهف باعتباره أحد عمالقة الفن اليمني الذي قدم لنا عطاءاته الخالدة بسخاء، وهو ما يستحقه كل فنان قدم ما لديه من عطاء جميل بكل سخاء.

إن فناناً كبيراً بحجم سالم أحمد بامدهف جدير بأن نهديه بيتاً جميلاً في عدن لا يدخل ضمن حقه في التعويض، لعله يعود ليستقر في اليمن وفي المدينة عدن التي يعشقها وهجرها مكرهاً. ولاشك أن لديه الكثير من العطاء الفني الجميل الذي لم نسمعه منه والذي أبدعه خلال سنوات غربته الطويلة التي دامت أكثر من 35عاماً ولا شك أنه يحب أن يقدمه لأول مرة في وطنه الغالي اليمن في عدن تحديداً.

ولا شك أن البامدهف يكره أن يزور عدن بعد غياب طويل لينزل في فندق أو يسكن في منزل صديق أو قريب.. إنها عزة النفس لدى الفنان. فلنحترم عزة نفسه وعزة النفس لدى كل فنان..!

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى