والنتيجة.. إعادة التأهيل!!

> «الأيام» د. علي عبدالكريم:

> بعد كل المعارك والتضحيات وبعد كل التصريحات عن النجاحات والإنجازات التي لا ينكرها إلا كل جاحد وعن.. وعن.. وعن كل أشكال والعكننة والنحنحة.. ها نحن أخيراً نحط الرحال لسفينتنا التنموية في محطة «محلك سر» إذ لا تراكم حقيقي ولا تحسن في الأداء والإنتاجية ولا نتائج يعتد بها في الزيادات الحقيقية لإجمالي الناتج المحلي، خاصة إذا عزلنا تأثيرات ارتفاعات أسعار صادرات البلاد من النفط التي ترمي عين الحسود بعود قاتل إن حاولت القول إن دبابير الفساد والتبذير وهدر الموارد وتطاحن المصالح أوصلت البلاد إلى الحالة التي باتت مؤشراتها لا تسر الخاطر كما عبر عن ذلك بوضوح كامل دولة رئيس الوزراء في حديثه المطول إلى رجال الأعمال المنشور بصحيفة «الأيام» الغراء صباح يوم الاثنين الموافق 6/11/2006م.

إذن يحق لنا التساؤل أين نتائج الجهد التنموي طيلة العقود السابقة؟ وأين الحصاد والثمار بعد كل العناء والمتاعب والتضحيات والحروب والانتخابات وبكاء الارامل وشقاء المقيدين في جداول البطالة والمصابين بعاهات (خليك في البيت).. وغيرها من آفات التمييز وجنون ارتفاعات الأسعار دون رادع وسعار امتلاك الفلل والقصور وطوابير السيارات الفارهة وبرفقتها جحافل الحراسات في بلد كل مؤشراته التنموية لا تسر الخاطر ولا تبشر بخير.

أين تكمن جذور المشكلة؟!

كانت النقاشات الاقتصادية تدور حول مفاهيم هل نحن جزء من العالم النامي أو الآخذ في النمو أو في طريقه للنمو، أم هل نحن جزء من عالم الجنوب في جزئه الأكثر فقراً وتخلفاً وغيرها من التساؤلات التي ظلت ولا تزال تؤرق البال حول حقيقة التطورات والتغيرات التي أدت إلى إحداث تحولات كبرى في البنية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والصدمة لا شك كبيرة حين نصل إلى نتيجة مفادها أننا دولة في حاجة إلى إعادة تأهيل، ومعروف أن من يحتاج إلى إعادة التأهيل ذاك الذي تضعه الأيام والظروف والأسباب في خانة المعاقين أو ضمن ما يسمى ذوي الاحتياجات الخاصة.. المقارنة إذن كبيرة بمعايير الإنفاق والاستثمار والجهد التنموي المبذول طيلة العقود الستة الماضية، وأترك جانباً الرتوش والمظهريات التي تغطي بنية وعلاقات فاسدة وإدارة متخلفة، وتخلف أدوات إنتاج وصيرورة متدنية للإنتاجية بالمفهوم المعياري، ويظل لنا حق التساؤل عن أي تنمية نتحدث ونفاخر وهي التي قادتنا في نهاية المطاف إلى تابوت إعادة التأهيل؟ ويبرز سؤال أكثر أهمية:

من المطلوب إعادة تأهيله؟! هل المطلوب إعادة تأهيل النظام برمته، مؤسسات وأنظمة وعبر برنامج إصلاح شامل؟. أم المطلوب إصلاح الناس فاقدي الحيلة في وسوق مشوهة وعلاقات لا تبقي ولا تذر.. علاقات ذات طابع انتهازي نفعي تلغي مكانة المؤسسات والأنظمة والقانون والإنسان، علاقات تتسم بطابع القوة المالية، والقوة بمعناها الشائع، وهما أمران يفسدان أي مناخ حقيقي لعملية تنموية يرجى تحقيق نتائج إيجابية منها ومن استثماراتها التي تتحول للأسف إلى جيوب المنتفعين أو إلى مشروعات تتحول في كثير من الأحيان إلى عبء على ما تبقى من قدرات لدى الاقتصاد الوطني المنهك والمنتهك.المطلوب إذن إصلاح وتأهيل حقيقي للبشر عبر تنمية بشرية لها برامجها واشتراطاتها وقبلها عملية إصلاح وتأهيل جذري للنظام السياسي برمته المتسبب الأساسي في الوصول بنا إلى وادي الأحزان في حدائق البحث عن المانحين.. والله أكبر يا وطن لا تنتظر الكثير من المانحين فلم تعد السماء تمطر ذهباً لوادٍ غير ذي زرع مليء بالفساد والقوارض التي تأكل الأخضر واليابس وأوصلتنا للأسف الشديد لننال بتفوق وجدارة لقب البلد المعاق المطلوب إعادة تأهيله وتأهيل العاطلين والمهمشين فيه، في وادي زبيد وضواحي دار سعد وبوابات كرش والشريجة وجبال عيال سريح وبلاد الروس وما تبقى من حوطة لحج الغناء وجبال تعز الجرداء وهضبة عدن التي تنتظر عقد قرانها خلسة لـ(جازع طريق) يحولها إلى ممتلكات آل الجان المزاحمين لجحافل الغربان، خاصة بعد أثخن الفساد جسد الثورة والجمهورية والوحدة والديمقراطية بالجراح وأوصله بعد طول غربة واغتراب إلى بوابة إعادة التأهيل في غرف إنعاش المعاقين.

مفارقة!

المواطن العادي في حيرة من أمره ومن أمر الحكومة والنظام.. هو المواطن العادي الذي تتجه إليه الأنظار عند الملمات والمهرجانات والانتخابات ويتسلق من أجل خاطر أبدع الخطابات، ولكنه في نهاية المطاف يجني الألم والحصرم فهو الذي أسهم عبر نضاله وجهده في:

- تحقيق وحدة الوطن.

- أعباء خطط التنمية وعوائدها المفقودة.

- أفراح العرس الديموقراطي كما يقال.

- الإبهار الانتخابي ذي العقد الفريد في اليمن السعيد.

- الحكم المحلي الذي ما أنزل الله به من سلطان سواء بالتزكية أو بالتعمية أو بدعاء الوالدين.هذا المواطن وضمن مشهد درامي وجد نفسه مطالباً بإعادة تأهيل نفسه كي يكون أهلاً للاندماج مع إخوته من دول مجلس التعاون، وتراه سارحاً يندب حظه العاثر متسائلاً ما الذي جرى؟! ولماذا تقدم الآخرون وبقينا نندب حظنا المتعثر على الدوام ويشار إلينا بأصابع الاتهام «أنتم معاقون.. تأهلوا أولاً وبعدها يحلها الحلال» ولسان حال الجيران يقول صحيح نحن وأنتم إخوة وجيران ولكن المسألة مصالح مشتركة ومنافع متبادلة فقد ولى العهد الذي يفرق فيه الآخرون عطاياهم، ولى زمن الشاعر العربي القائل:

ألستُم خير من ركب المطايا

وأندى العالمين بطون راح

والمانحون ليسوا عهدة لدى طرف في انتظار عودة (جودو) الذي لن يأتي في زمن كزمننا إلا بالعلم والتخطيط السليم والإدارة الكفؤة والمعلومات الصحيحة والمصلحة والمنفعة المشتركة والأرضية القانونية السليمة، ولا تمول إلا المشروعات الجادة المدروسة جيداً ذات العائد المضمون، وحتى يتحقق لدينا مثل هذا الشرط وحتى يصبح اقتصادنا أكثر تأهيلاً ولديه القدرة على الاستجابة لاشتراطات الأطراف الأقوى، فإن ثمة قضايا جوهرية تدخل في صميم عملية الاصلاح الحقيقي الشامل السياسي والاقتصادي حتى نضمن على المدى البعيد حل الكثير من العوائق أمام تدفقات الاستثمارات وأشكال التعاون مع أي طرف سواءً أكان ضمن دول مجلس التعاون أو التعاون الثنائي أو التعاون الإقليمي أو خلافه، ثمة إجراءات جوهرية تضمن أن نعالج ما تشير إليه بيانات الهيئات والمنظمات الدولية التي ستكون شريكنا في مؤتمر المانحين، وقراءاتهم الخاصة لأوضاعنا.

بلادنا مازالت تصنف ضمن مجموعة الدول ذات درجة المخاطرة المرتفعة حسب مؤشري (الانستيتيوشنال إنفستور)(1) للتقويم القطري، ومؤشر اليورومني (2) للمخاطر القطرية والمؤشر المركب لمناخ الاستثمار، حسب البيانات الواردة في الكتاب الصادر عن مناخ الاستثمار في الدول العربية للعام 2005 فإن: مناخ الاستثمار لم يتحسن في بلادنا حسب المؤشر المركب لمناخ الاستثمار. كما أن بلادنا تصنف وفق مؤشرات التبادل التجاري ومخاطرها ضمن درجة مخاطر مرتفعة جداً وتأتي في مرتبة دنيا بعد بلادنا إما الصومال أو جيبوتي أو العراق أو موريتانيا. ونورد فيما يلي البيانات أدناه والمستقاة من تقارير دولية لعل من أهمها تقرير مناخ الاستثمار الصادر عن المؤسسة العربية لضمان الاستثمار لعام 2005م.بينما لم تتضح معالم مؤشرات العولمة والتنافسية الدولية لاقتصادنا الوطني.أعود للقول، البون شاسع بيننا وبين الاعزاء من دول مجلس التعاون في مختلف المجالات، ذلك ليس عيباً ولا عائقاً أمام جدية التعاون والتنسيق والبحث عن أفضل السبل للارتقاء بالعلاقات والمصالح المتبادلة ضمن طريق طويل يبدأ بالتشاور والتعرف على المصاعب والعوائق وكيفية حلها لتمهيد الطريق الطويل أمام مسيرة التنسيق والتكامل والاندماج تماماً كما كانت مسيرة الاندماج الاقتصادي بين دول المجلس والتي لم تكتمل بعد رغم مضي قرابة الثلاثة عقود، والتي سيكتمل هلالها بقيام الوحدة النقدية والعملة الموحدة لدول مجلس التعاون عام2010م كما هو مخطط.الأكثر أهمية أن نبادر بإصلاح أمورنا الداخلية ونعمل على معالجة بؤر الاختناقات والعوائق أمام عملية التنمية وأمام عملية جذب المزيد من الاستثمارات، علينا الاعتماد بدرجة رئيسية على الجهد الداخلي عبر محاربة الفساد وإصلاح حال الإدارة وتحسين إنتاجية العمل ونوعيته وتفعيل مكانة المؤسسات والأداء القانوني. أما المانحون فعلينا أن ندرك أن تحركات الاستثمارات تتجه نحو مناطق الجذب والمناخ الاستثماري، أما المواقع التي يراد إعادة تأهيلها فذلك يتم ضمن كلفة وحسابات تعد بدقة من مراكز القرار في أكثر من موقع وحسب توقع الفائدة المرجوة من هكذا مواقع، والعولمة عينها على الأسواق وسحب المدخرات عبر الخصخصة وخلافه، والشاطر من يعمل بكفاءة وتحسين شروطه وتكييف ظروفه وشروطه وقدرات التنافس لديه، على ألاّ نركن كثيراً على عنصر الفهلوة الذي أوصلنا إلى محطة إعادة التأهيل.

هامش

(1) يجري هذا المؤشر جملة مسوح استقصائية يتم الحصول عليها من قبل المحللين الاقتصاديين في البنوك العالمية والشركات المالية الكبرى.

(2) يقيس هذا المؤشر قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية كخدمة الديون وسداد قيمة الواردات.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى