صانونة التفاح بدل الزميطاء

> سعيد عولقي:

>
سعيد عولقي
سعيد عولقي
«يا المزارع يا المزارع يا اللي زرعك كله قارع» من منا لا يذكر هذه الأغنية الشوارعية اللي كانت تتردد على أفواه الناس بلا ملحن ولا مطرب وبلا آلات موسيقية.. وقد جادت بهذه الأغنية العبقرية الشعبية الفذة التي كانت الجماهير تواجه بها المحن بين المحنة والأخرى وانطلقت هذه الأغنية في الأسواق والشوارع بعد فترة كافية استطاع فيها الناس أن يدركوا أن حكومتهم لابد أنه ليس لديها ما يشغلها غير بيع البامية والكبزرة والبسباس الأخضر والبدنجان.. وجادت قريحة شاعر أبين العظيم «المشطر» بقصيدة من شعره الشعبي الجميل بلغته العامية التي لا تبارى.. ولكنه هذه المرة بلغ قمة السخرية حين اختار السيريالية أو اللامعقول ليدخلها إلى الشعر العامي.. انظروا مثلاً هذا البيت الذي أحفظه من قصيدته الفانتازية الشديدة السخرية.. يقول المشطر: «يا سكر انقاص يا حالي كما البامية.. ياريتني بحري با اشبع من الرمباع!!».

اللى جاب الخضرة مضرة على بالي وهيّج بلبالي هو أنني رحت أمس العشي واجدتي قبل ما يقبصني حرابي حقير أو خطير أو زغير.. أو أو ما شئتم من الأوصاف.. رحت أمس العشي إلى عند المخضري منشأن اشتري لي كيلو وإلا كيلوين زميطا يعني طماطمه باللهجة الحميرية.. وأنا زبون لي مدة مش قليل عند هذا المخضري لأننا عميله أو هو عميلي.. أنا أشل منه اللي اشتي وهو يشل مني فلوس.. عميل يعني عميل مش صفاط.. زي أي عملاء مع السي آي ايه.. والكيه جي بي.. والواي اس بي (والوكالة الأخيرة يمنية أصيلة مختصر كلماتها البوليس السري اليمني والله أعلم) قلت للسيد المخضري:«هات اثنين كيلو طماط!» قال:«طلع أربعمائة ريال!» وبعد أخذ ورد وكيف وليش وبعض العرعار لعدة اتجاهات وجهات استقر قراري على تخفيض الكمية إلى النص فاكتفيت بواحد كيلو فقط بدل الاثنين وأنا أقول للمخضري: «وعلى كذا ما عاد فيش فرق كبير بين الزميطا والتفاح» قال المخضري:«تشا تفاح اندي لك؟» قلت له: «ويصلح نطبخ به بدل الزميطا؟» قال:«وليش لا؟! أنت حر تطبخ وتنفخ وتقلي وتشوي.. عاد في أحسن من هذي النعمة؟» قلت:«الحمدلله على كل حال.. يعني أنت تشوف انه الصانونة على تفاح بدل الطماط باتكون أحسن؟» قال:«وليش لا.. جرب..» وقفت أفكر قليل في هذي الحالة: هل أنا أقترب من الجنان وإلا قد رحت إلى عنده؟ فقال المخضري المخضرم منتهزاً فرصة تفكيري قال:«هل تصدق بالله ومالك عليا يمين انه في ناس يقشروا التفاح هذا زي البطاط قبل ما ياكلوه.. باتصدق هذا الكلام؟» قلت:«أصدق وليش لأ على قولتك.. أنا كنت أشوف الانجريز قبل الاستقلال يقشروا التفاح قبل ما ياكلوه.. ما ياكلوه إلا مقشر لأنه صحي أكثر وهو مقشر» قال:«منشان كذا قدرنا نحنا والمناضلين كره نخرجهم من بلادنا» قلت مدعمماً:«وياليتهم لم يخرجوا وياليتكم إن كنتم أنتم فعلاً اللي خرجتوهم لم تقوموا بإخراجهم» فغر المخضري فاه ورفع حاجبيه وكأنه لم يصدق ما سمع.. قال:«أيش تقول؟ ما كنتش تشاهم يخرجوا؟» قلت له:«أيوه.. ما كنتش.. لانه ذلحين بالله عليك فكر.. من باقي هنا يقدر يقشر التفاح قبل ما يأكله؟ ولا واحد.. هه..» قال متسائلاً سؤال لم يخطر لي على بال:«وأصحاب السفارة البوريطانية؟ يقشروا التفاح وإلا يأكلوه بقشره؟» قلت له محاولاً التفلسف:«والله شوف.. اللي هم من أصول انجريزي قح هذولا يقشروا أما البريطانيين وهم شاولي باولي من أمم كثيرة تجمعهم بريطانيا العظمى باسم المملكة المتحدة فهمت.. يعني زي القبايل عندنا.. عندهم أهل ويلز وأهل اسكوتلاندا وأهل ايرلندا الشمالية وهكذا وهكذا زيما نقول نحنا من صعطه أو صعده إلى ثمود ومن عدن إلى عمران.. وذلحين بدين الله عليك بكم با تحسب عليا الكيلو الزماط؟» حلف يمين مرة أخرى انه لا يقل قرشاً واحداً عن الميتين ريال:«وشل الطماط وخلي فلوسك بجيبك ولو لقيت ناقص بأي مكان شله بلاش ولا تسلم حتى قرش!».

كنا في ساعة شيطان أعوذ بالله منه ومن أعماله وقررت أشل تفاح بدل الطماط وأخلي البيت يسووا لنا صانونة التفاح مع سكر انقاص وقليل بامية وبعدما نأكل لما ننتقع بانخرج نجري ونجري لما نشبع من الرمباع.

أعزائي القراء.. هل تصدقون أننا منذ بدأت كتابة هذا المقال وإلى أن انتهيت منه ارتفعت أسعار الدقيق والرز والسكر والجرامات أبوعسكري والفاصولية الحمراء والفاصولية الزرقاء والشونجم ابو حربة وسبعة ألف ومئة وخمسين نوعاً من الأدوية!!

الله يكون في عون اللي ما يعرفش يقشر التفاح.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى