وجهة نظر إسرائيلية التسوية مع إيران أم مع سوريا؟

> إيتامار رابينوفيتش:

> تمثل ايران التحديات الحقيقية لواشنطن. والتحدي المباشر يتمثل في العراق. فقد أدى الاحتلال الاميركي للعراق واسقاط نظام صدام حسين الى اطلاق الجن الطائفي في هذه الدولة وزاد من نفوذ الغالبية الشيعية هناك. ويشكل الصراع الطائفي الدائر بينها وبين الاقلية السنية التي كانت تاريخياً مسيطرة سبباً اساسياً في عرقلة قيام سلطة قادرة على الوجود او توقع قيام مثل هذه السلطة. وفي مثل هذه الظروف من الصعب الا يبدو الخروج من العراق اخفاقاً ذريعاً. وتبدو ايران الشيعية مفتاحاً لتهدئة الشيعة في العراق ولقيام سلطة قادرة على الاستمرار.

الامر الملح المباشر ولكن الاكثر خطورة هو مشكلة السلاح النووي الايراني. من الواضح للجميع ان نظام آيات الله مصر على الحصول على هذا السلاح. وحتى الآن فشلت المحاولات للتوصل الى فرض عقوبات دولية ضد ايران وحظوظ حصول ذلك تبدو ضعيفة. وفكرة قيام الولايات المتحدة واسرائيل بعملية عسكرية ضد ايران تبدو للعديدين في الولايات المتحدة سيئة للغاية وغير قابلة للتحقيق.

الى جانب هذه التحديات من الواضح ان ايران بصدد بناء هيمنتها على المنطقة عبر الطائفة الشيعية في عدد من دول الشرق الاوسط وذلك بنشر عقيدتها عن الاسلام الراديكالي وباستخدام الارهاب. تهدد ايران عدداً من الدول الصديقة للولايات المتحدة بدءاً باسرائيل مروراً بمصر والاردن ودول الخليج المنتجة للنفط. لقد وضع بوش ايران في محور الشر. ولكن الرسالة التي نستنتجها من كلام بلير ومن تقرير بايكر - هاميلتون ان محاولة تهديد ايران وعزلها فشلت وهناك حاجة الى محاولة التحاور معها والتوصل الى صفقة تحل المشكلات المذكورة أعلاه. ووفقاً لهذا المنطق تعترف الولايات المتحدة بنظام آيات الله وتتعهد عدم محاولة اسقاطه، وتتوصل معه الى اتفاق على مستقبل العراق، وتحاول منع طهران من تطوير السلاح النووي وحملها على انتهاج سياسة أكثر اعتدالاً في لبنان حيال اسرائيل.

تلعب سوريا في هذا السياق دوراً ثانوياً. فالتفاهم مع طهران سيؤدي الى التفاهم مع دمشق. في مثل هذه الحالة تصبح واشنطن غير مهتمة بالنظام السوري ويبدأ هذا بدوره بلعب دور ايجابي في العراق (فيحل مشكلة المتسللين المعادين لأميركا عبر الحدود) وفي لبنان (الامتناع عن اعادة تسلح "حزب الله") وفي السياق الاسرائيلي - الفلسطيني (ابعاد قيادات "حماس" و"الجهاد الاسلامي" عن دمشق).

ان حظوظ تحقق هذه العملية البعيدة المدى ليست كبيرة. اولاً لأن على بوش أن يقرر انه مستعد لمجازفة مزدوجة: الموافقة المبدئية على تغيير التوجه في قضايا أساسية والمخاطرة بفشل هذا التوجه. ثانياً: عليه اختيار موفد خاص لادراة العملية ومن الطبيعي ان يكون بايكر. فهل ستوافق وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على مصادرة صلاحيات اساسية تدخل في صلب مهمات السياسة الخارجية؟

من الأطراف الى المركز

واعتماداً على ما سبق ونظراً الى احتمال ان تستمر المواجهة مع ايران وتصبح المحور الرئيس للسياسة في الشرق الاوسط وللسياسة الاميركية في المنطقة تطرح ههنا مسألة أخرى: هل ترغب الولايات المتحدة بابعاد سوريا عن ايران او ستحاول ذلك؟

ان تحالف الهيمنة مع دمشق يشكل مرتكزاً اساسياً في سياسة طهران. تقدم سوريا الى طهران ممراً من طرف الشرق الاوسط الى قلبه (لبنان والصراع الاسرائيلي - العربي)، وأي تفاهم اميركي - سوري سيكون له تأثيره الايجابي على ثلاث جبهات: العراق، لبنان، والساحة الفلسطينية. وستتعرض هيبة طهران الى ضربة قاسية. وستحظى الدول العربية المحافظة والمعتدلة بدعم كبير، وسيكون باستطاعة الديبلوماسية الاميركية أن تحقق انجازاً مهماً لها بعد فترة من الاخفاقات. فهل هذا أمر ممكن التحقيق؟

هناك ثلاث موضوعات مهمة مطروحة على جدول اعمال هذا المسار:

1- العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وسوريا: هذه العلاقات هي اليوم في ادنى درجاتها. فادراة بوش والرئيس شخصياً ينظران الى الاسد بصفته عدواً يدعم المتمردين ضد الاميركيين في العراق والارهاب (بنسختيه الفلسطينية واللبنانية) ويسعى الى تقويض السيادة اللبنانية واستقرار حكومة فؤاد السنيورة. من جهة أخرى يدعي الرئيس الاسد ونظامه ان الولايات المتحدة في عهد بوش تعمل على اسقاطه. ان نقطة الانطلاق نحوحوار أميركي - سوري لا بد أن تكون اعادة العلاقات الى ما كانت عليه في التسعينات. تريد سوريا ضمانة بعدم اسقاط النظام وتحسين الاجواء ورفع مستوى العلاقات. وفي المقابل ستطالب الولايات بثمن في مشكلات أخرى مطروحة.

2- المشكلة اللبنانية: من المتوقع حوار واستشارات معقدة. تعتبر سوريا لبنان ثروة استراتيجية ومنطقة نفوذ شرعي. الولايات المتحدة ما زالت مصرة على الدفاع عن السيادة اللبنانية وعن منجزات "الثورة" المعادية لسوريا التي قامت عام 2005. تريد سوريا وقف التحقيق في اغتيال الحريري والولايات المتحدة مصرة على المضي حتى النهاية. وبوش هو رئيس إيديولوجي يرى في نشر الديموقراطية من مهماته الاساسية. وفي نظره تشكيل حكومة السنيورة انجاز لا يقل أهمية عن اخراج السوريين من لبنان. من هنا فبالنسبة له الاعتراف بـ "الموقع الخاص" لسوريا في لبنان مسألة صعبة ومربكة. وقرار اقامة محكمة دولية خاصة لمحاكمة قتلة رفيق الحريري وبيار الجميل من الامور التي تزيد الوضع تعقيداً.

3- مشكلة الجولان والعلاقات مع اسرائيل: يريد الاسد استرجاع الجولان. وعلى الاقل عليه ان يبدو أنه يسعى الى ذلك إما بالمفاوضات وإما بالمقاومة المسلحة. تدعم الولايات المتحدة مبدأ "الأرض مقابل سلام"، ولكن ليس لديها اي رغبة في مكافأة الاسد على الاقل ليس في المرحلة الحالية. في حال جرى التوصل الى تفاهم أميركي -سوري شامل قد يغير الرئيس بوش موقفه، ولكن حتى الآن الرسالة الواضحة من واشنطن الى القدس هي معارضة الولايات المتحدة معاودة المفاوضات الاسرائيلية -السورية.

4- العلاقات مع ايران: يقول متحدثون سوريون لوسائل الاعلام الغربية ان التحالف بين سوريا وطهران ليس "زواجاً كاثوليكياً"، وان دمشق قد دفعت دفعاً الى احضان طهران لعدم وجود بديل وبسبب عداء الولايات المتحدة لها. والمقصود بذلك ان بالامكان اعادة النظر في تسوية العلاقات بين سوريا وايران فقط عند بدء الحوار مع الولايات المتحدة.

5- الازمة المستمرة في العراق: تنتظر الولايات المتحدة من سوريا قبل كل شيء أن تغلق حدودها اغلاقاً محكماً مع العراق وتمنع تسلل السلاح والمقاتلين. وقبل كل شيء تريد ان ترى في سوريا عاملاً مساعداً على استقرار العراق بصورة تسمح لها بسحب قواتها من هناك من دون الشعور بالهزيمة والسماح لحكومة عراقية اصيلة بالعمل. ترغب سوريا في خروج القوات الاميركية من العراق وبحكومة صديقة على حدودها الشرقية. فاليوم ترى سوريا في الساحة العراقية محركاً للضغط على الولايات المتحدة وساحة للتعاون مع ايران ولكن في النظرة البعيدة الافق من الممكن ان تشكل الفوضى في العراق تهديداً لاستقرار سوريا ايضاَ. يتضح من كل ما سبق أنه سيكون من السهل بالنسبة لسوريا والولايات المتحدة التوصل الى تفاهم لمشكلة العلاقات الثنائية وللمشكلة العراقية. ولكن حل المشكلتين اللبنانية والاسرائيلية - الفلسطينية سيكون أصعب بكثير. هناك مصلحة اسرائيلية عميقة في هاتين المشكلتين. فبدء الحوار بين واشنطن وسوريا سيثير أسئلة في القدس ومخاوف. ومع كل الصداقة مع الولايات المتحدة وادارة بوش فاسرائيل ستشعر بعدم الراحة عندما يطرح مستقبل الجولان على الحوار الاميركي - السوري. اليوم تلمح واشنطن الى اسرائيل انها لا ترغب في بدء المفاوضات الاسرائيلية - السورية، ولكن ماذا لو انقلبت الادوار؟ بالنسبة لاسرائيل دروس الماضي واضحة والزمن ليس عاملاً حيادياً والسلبية لا توصل الى اي مكان والذي لا يبادر الى اتخاذ المبادرة ولا في اي ساحة أخرى سيجد نفسه في نهاية الامر مستجيباً لمبادرات الاخرين.

رئيس جامعة تل أبيب والسفير السابق لاسرائيل في واشنطن ورئيس وفد المفاوضات مع سوريا

«هآرتس»23-11-2006

عن «النهار» اللبنانية 25 نوفمبر 2006

ترجمة رنده حيدر عن العبرية

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى