النية تسبق العمل

> سلوى صنعاني:

>
سلوى صنعاني
سلوى صنعاني
لو استمعنا إلى الخطاب السياسي للحزب الحاكم وكذا خطابات المعارضة أثناء الانتخابات الرئاسية التي جرت في بلادنا في سبتمبر سنجد أن كلمة الفساد كانت القاسم المشترك بينهما رغم اختلافهما.

وإذا استطلعنا الصحف والدوريات اليمنية وأحصينا ذكر هذا المصطلح لربما فاق المليون.. حتى غدا تكراره مضغة عامة أو علكة رخيصة في أفواه الصغير والكبير والجهلة والمتنورين.

ولا تخلو أي صفحة من صفحات تلك الصحف والمجلات من هذه الكلمة. بل ذهب البعض في تعرضه للفساد إلى البحث عن آليات القضاء عليه، مع أنه من المتعذر جداً تحقيق هذه الغاية لأن الفساد وباختصار «يحميه القانون».

وما يبعث على الألم أن الدولة بكافة منظومتها السياسية تقر بوجود هذا الداء السرطاني الذي نخر عظامنا، ورغم امتلاكها كافة الآليات لمكافحته كالجهاز القضائي والأمني ولديها مصادر تشخيص الفساد والتي تضمنتها تقارير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة هذه التقارير كل يوم تطلع عليها الجهات المعنية سواء المسؤولة عن الفساد أو الجهات المحاسبة ولكن وكما يبدو أن صوت هذا الجهاز الرقابي أشبه بمن يؤذن في مالطا.. إذ لا صوت يسمع لها لأن الآذان صماء بقصد وبعمد.

ويعلق المسؤولون على شماعة عالمية الفساد.. طالما الفساد قد تجاوز الجغرافيا والحدود والجنسيات واللغات، فلا بأس من أن نكون في قائمة الدول الفاسدة.

ولكن هذه الدول، ليست المتحضرة منها فحسب بل والمتخلفة أيضاً تعيش ذلك القلق وتحاول جاهدة احتواء مظاهر الفساد وتجفيف بؤره.

وقد وقعت بلادنا مؤخراً على اتفاقية مكافحة الفساد في مؤتمر بكين في أكتوبر الماضي وحضرت الاجتماع العام للمنظمة الدولية لهيئات مكافحة الفساد بوفد رأسه د. عبدالله الشنفي، رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، والذي ناقش جملة من الموضوعات المهمة ومنها الاستراتيجية الناجحة لمعالجة الفساد ودور الأجهزة المعنية لمكافحته بالتعاون مع وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية.

ويتواكب هذا مع توجهات بلادنا لإصدار قانون مكافحة الفساد وقانون براءة الذمة الذي جاء مؤخراً بعد خراب مالطا.

ولا أدري إذا كانت الدولة ستتولى في آليات تطبيق برنامج إصلاحها الإداري والمالي الأخذ بكافة المخالفات التي يتجسد معظمها في سرقة المال العام والتي سبقت صدور القانون.. أم أن الأمر سيؤخذ بإخلاء سبيل المجرمين على طريقة «عفا الله عما سلف» أي ابتداءً من صدور القانون.

وهنا أذكر الدولة بكافة أجهزتها التشريعية والقضائية والتنفيذية أن النية تسبق العمل. فإذا كان لديها توجه جاد نحو الإصلاح الفعلي فعليها أن تضع في حسبانها كما يقول المثل «الدوشان غلب الدولة» وما أكثر (الدواشنة) وآخرهم الذين قاموا بإحراق أرشيف البعثات الخارجية بوزارة التعليم العالي والله وحده في سمائه يعلم أي مصائب كان يحتويها.

فالفاسدون لن يتركوا وسيلة لإخفاء جرائمهم لتضليل العدالة وإبعادها عن طريقهم وهم بارعون في إبداعاتهم وبدعهم. والشعب يعرفهم تمام المعرفة كما يعرف الوالد ولده.. لسبب واحد هو أن الدولة نفسها قد كرست ثقافة الفساد من خلال تمجيدها لهذا النموذج حين عينت معظم القائمين على شؤون العامة في مفاصلها وفي مواقع المسؤولية عن هذا الشعب.

إن أقوى آلية للإصلاح والقضاء على الفساد هو النية الصادقة للدولة اليمنية من خلال تقديم المفسدين في الأرض إلى أجهزة العدالة.

فمعظم الدول المتحضرة والمتخلفة معاً يبدأ هم وزرائها اليومي بالاطلاع على الصحف والدوريات التي تعتبر من أهم المصادر المشخصة للفساد.. وكل وزير يضع إصبعه على موضع الوجع في وزارته أو المدير في مؤسسته ويخضع الفاسدين للمساءلة والمحاسبة مباشرة.

إن الأقلام الشريفة ذات الضمير الحي لم تنضب بعد محابرها ومازالت إلى يومنا هذا تشخص الفساد ولكنها لا تجد أي استجابة.. فإذا كانت الأجهزة المعنية لا تهتم بما تقدمه تقارير جهاز الرقابة والمحاسبة وهو جزء من آليات الدولة ترى كيف سيلتفت هؤلاء إلى ما تتناوله الصحف؟ أعلل السبب بأن لا نية لذلك. فالنية تسبق العمل.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى