محمد سلماوي يسجل الأيام الأخيرة لنجيب محفوظ

> القاهرة «الأيام» سعد القرش:

> يقف نجيب محفوظ شامخا وهو يتأبط عصا وصحيفة ويرفع يده اليمنى بما يشبه تحية الوداع في صورة احتلت مساحة غلاف كتاب يسجل فيه رئيس اتحاد كتاب مصر محمد سلماوي الأيام الأخيرة للروائي الذي لايزال العربي الوحيد الحائز على جائزة نوبل في الآداب.

وذكر المؤلف أنه لا يهدف فقط إلى تسجيل يوميات محفوظ الأخيرة البالغة 45 يوما قضاها في المستشفى إلى أن أسلم الروح لكنه يحاول أن يقدم صورة لرجل "لم يكن كمثله أحد.. لا في أخلاقه السامية ولا في شخصيته الفريدة ولا في إنجازه الأدبي غير المسبوق."

واستدعى رسم سلماوي لهذه الصورة أن يستعرض علاقة استمرت على مدى أكثر من ثلاثين عاما بينه وبين محفوظ الذي نال جائزة نوبل عام 1988 .

ويقع كتاب (نجيب محفوظ.. المحطة الأخيرة) الذي صدر بالقاهرة عن دار الشروق في 109 صفحات كبيرة القطع مضافا إليها أكثر من 30 صفحة أخرى تضم صورا لمحفوظ في مراحله المختلفة مع والدته وابنتيه وسياسيين وكتاب منهم البرازيلي باولو كويليو وصورة ضوئية من "أقصوصة مصرية" بعنوان (حكمة الموت) نشرها محفوظ عام 1938 وأخرى له عام 1988 وهو يتقلد (قلادة النيل) أرفع وسام مصري وصولا إلى صور لجنازته في نهاية أغسطس الماضي.

وصدر الكتاب متزامنا مع مؤتمر (نجيب محفوظ والرواية العربية) الذي نظمه اتحاد كتاب مصر ضمن أنشطة مؤتمر الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب الذي أقيم قبل أيام بالقاهرة في أول انعقاد له بمصر منذ تعليق عضويتها به عقب توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.

وعاد مقر الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب إلى مصر وأصبح سلماوي أمينا عاما له.

من الأمور التي يسجلها الكتاب مداعبات الممرضين لمحفوظ حين سألوه عن ثمن النسخة الواحدة من أول كتاب صدر له وهو رواية (عبث الأقدار) فقال "قرش صاغ واحد" ولم يحصل على مقابل مادي من الناشر بل كان أجره 500 نسخة من الرواية.

وعلق محفوظ "وضعتها (النسخ) على عربة حنطور وأنزلتها عند أول مكتبة صادفتها وعرضت الكتب على صاحبها وقلت له إنني لا أعرف ماذا أفعل بها فرأف الرجل بحالي وقبل أن يأخذ الكتب بالسعر الذي قلته له وقال إنه لن يعطيني حقي إلا كلما بيعت نسخة.

"ظللت على أمر المكتبة شهورا طويلة متصورا أنني سأستلم بضعة قروش ثمن ما تم بيعه من الكتاب... بعد فترة لم أجد الكتاب في المكتبة فقلت ربما بيعت النسخ عن آخرها لكنني اكتشفت أن صاحب المكتبة وضع الكمية كلها في المخزن قائلا إنها ليس لها سوق."

لكن محفوظ أشار إلى أن الزمن ربما يؤدي إلى أن يعيد الناس اكتشاف أعمال تجاهلوها في سياق سابق مختلف فبعد سنوات كان قد تخلى عن الكتابة عن مصر القديمة وصدرت روايته (خان الخليلي) التي جذبت انتباه القراء إلى أعمال محفوظ السابقة حتى أن صاحب المكتبة أعاد طرح (عبث الأقدار) للبيع بسعر أكبر من قرش صاغ. كما يكشف سلماوي أن محفوظ ظل يحتفظ بموقفه الليبرالي حتى أيامه الأخيرة ضاربا المثل بقرار ابنتيه ارتداء غطاء للرأس.

إذ سأل المؤلف فاتن ابنة محفوظ عن رأيه في ارتدئها هي وأختها الحجاب فقالت "لم يعلق قط على هذا الموضوع. يبدو أنه اعتبرها مسألة شخصية وأنها تخصنا وحدنا... دخلت عليه هدى (ابنته الثانية) ذات يوم فوجد رأسها مغطاة فقال لها.. انت تحجبت.. قالت نعم. قال لها.. وفاتن.. فقالت لا لم تتحجب. فلم يعلق."

وتنفي زوجة محفوظ أن يكون قريبا من الصورة التقليدية للرجل الصارم ذي الشخصية المزدوجة والتي جسدتها شخصية "سي السيد" في ثلاثيته الشهيرة وخاصة في الجزء الأول منها وعنوانه (بين القصرين).

وتقول "لم نسمع به (سي السيد) إلا في الثلاثية."

وأطلق محفوظ عنوان (أحلام فترة النقاهة) على كتاباته التي تلت حادث الاعتداء عليه في أكتوبر 1994 حين حاول متشدد إسلامي قتله بسكين في رقبته وأصاب يده فلم يعد قادرا على الكتابة وكان يملي (الأحلام) ومقالا أسبوعيا في صحيفة الأهرام.

وتضمن الكتاب بعض (أحلام فترة النقاهة) منها ما رجح سلماوي أن يكون "آخر حلم أملاه" حيث أعطاه للمؤلف قبل مرضه الأخير بأسبوع واحد. ويقول نص الحلم.."رأيتني سائرا في الطريق في الهزيع الأخير من الليل فترامى إلى سمعي صوت جميل وهو يغني.. زوروني كل سنة مرة.. التفت فرأيت شخصا ملتفا في ملاءة تغطيه من الرأس إلى القدمين فنظرت إليه باستطلاع شديد. رفع الملاءة عن نصفه الأعلى فإذا هو هيكل عظمي فتراجعت مذعورا.

ورجعت وأنا أتلفت والصوت الجميل يطارني وهو يغني.. زوروني كل سنة مرة.." رويترز

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى