على من تقرأ مزاميرك ؟

> كلوفيس مقصود:

>
كلوفيس مقصود
كلوفيس مقصود
ثمة حقائق تؤسس لما هو حاصل في أقطار عربية ثلاثة: لبنان وفلسطين والعراق... كما ان هذه الحقائق قد تؤول الى نتائج كارثية في اقطار اخرى بدأت مؤشراتها تظهر في شكل اكثر وضوحا يوما بعد يوم لا سيما في السودان والصومال. الأمة العربية آخذة في إدراك ان تفككها لا يكتفي بإرهاق شعوبها وتكاد الاوضاع تصل الى تيئيسها. وحتى الدول التي تبدو "مستقرة"، وان بنسب متفاوتة مرشحة بدورها لمصير قد يكون مماثلا اذا ما استمرت في الاكتفاء بتقوقعها، معتقدة ان اللااكتراث الذي تبديه حيال تفاقم الازمات التي تبدو مستعصية على المعالجة ناهيك بالحلول لن يعطيها الحصانة، وتالياً لن يكون ابتعادها عن وحدة المصير ضمانا لها.

ولعل الاصرار على قراءة الاحداث من هذه الزاوية يبدو غريبا عن الخطاب السائد في المجتمعات العربية المنغمة في معاناتها فهواجسها الآنية، كما ان الابتعاد، المنتج لاستقرارات مؤقتة يساهم في توليد استغراب استمرار منطق عربي رغم كل المحاولات الشرسة لتهميشه وقمعه واخراجه عنوة من التداول الجدي والحؤول دون امكان نجاحه في ايجاد المخارج والحلول.

ورغم الترابط العضوي بين ما يحدث في مناطق الازمة فإن رواسب "الواقعية" الجائرة لا تزال مصممة على ألا يتحول هذا الترابط العضوي الى ما يجب ان تكون عليه، أي انها في جوهرها هي الدليل القاطع على كونها ترابطا قوياً.

وحتى لا تتصور النخب المتحكمة اننا نتجاهل عمدا الوقائع وموازين القوة عالميا واقليمياً، وانه لا يجوز من المنظور "الواقعي" الربط العضوي - ناهيك بالربط القوي، سوف نحاول في هذه العجالة اتباع منهج التسليم بحالة التفكيك الحاصلة، وفي الوقت نفسه تبيان اخطار الاستسلام لحتمية ديمومتها. وقبل التطرق الى الحالات الثلاث الخاصة في لبنان وفلسطين والعراق نشير الى عوامل مشتركة وعوامل متباينة في ما بينها.

الازمات المتفاقمة هي كلها محكومة الى حد كبير بكونها داخل اطار صراع اقليمي دولي بين دولة اقليمية يتنامى نفوذها - ايران - ودولة كبرى تتقلص سيطرتها تدريجيا - الولايات المتحدة. وهذا التحكم يصبح قادرا كنتيجة محسومة لغياب، او بالاحرى غيبوبة، مما يوصف: "العمل العربي المشترك"، أي الحس القومي المؤدي الى حالة الفلتان التي تشاهد، فنعاني تالياً حالة الضياع والاحباط والاهواء المشحونة، والتي بفقدانها البوصلة كادت حيويتها ان تستنفد بالاهدار والاقتتال والتوجه العبثي الى مصير مجهول اذا لم يتم التدارك وان لم تتوافر الرؤيا الواضحة. وهذا لن يحصل ما دمنا نبقي الامة العربية في حال انكار وحدة مصيرها واستمرار استحضارها لمن هو ليس منها ولمن يجعلها تاليا ساحة لتظهير جبروته وسيطرته والحيلولة دون استرجاع المناعة التي يوفرها المشروع العربي التنموي الملتزم اخراج مجتمعات الامة من النواقص المعوقة لوحدتها ولاستدامة تنميتها ونهضتها

***

يستتبع تحكم الغير في مصائر ازماتنا ان التطورات الاخيرة في العلاقات الاميركية - الايرانية تتأرجح بين الطغيان الحالي للمواجهة واحتمالاتها المتزايدة. فالمواجهة تحمل في ثناياها مزيدا من ا لتوتر والحدة في الاستقطاب الراهن، والمواجهة بدورها تمهد، وان ببطء احيانا، لحوارات وبعض تفاهمات عملية تؤول الى تهدئة او تخفيف التوتر، وفي الاحتمالين، الكثير بما هو حاصل وما يمكن ان يحصل مرتبط بحالة التأرجح الراهنة التي تميز حاضر ومستقبل العلاقات او التفاهمات الاميركية - الايرانية.

هذا التأرجح ناتج الى حد كبير من انغماس ادارة الرئيس جورج بوش ادى الى خسارة حزبه في الكونغرس وبروز قدرة الفرملة على تمادي الرئيس بوش في اجترار سياساته ومواقعه التي ادت الى فشل مشاريعه في المستنقع الدموي العراقي. كما ان احتمال الفرملة سوف يقابله استمرار عناده المتمسك بسياساته، الا ان اقدام الاكثرية الديموقراطية في الكونغرس على اعلاء وتيرة المحاسبة وانضمام اعداد متزايدة من داخل حزبه الى الاعتراض المقترب من المعارضة، كما تبعثر المحافظين الجدد، كل هذا سوف يقلص، كما اشرت، السطوة الاميركية، وبالتالي استئثارها بالقرارات المتعلقة بشؤون المنطقة العربية.

كذلك الامر في ما يتعلق بالشأن الايراني الذي رغم تزايد نفوذه خصوصا نتيجة الاخفاق الاميركي في العراق انضباطاً في التخاطب واستيعابا اكثر تواضعا لشروط التعامل الدولي والتصرف على مستوى قضايا المنطقة.

يستتبع تنامي النفوذ الايراني نسبيا وتقلص السيطرة الاميركية نسبيا ايضا، ان على الفرقاء في كل من الاقطار العربية الثلاثة، لبنان فلسطين العراق، الخروج وان تدريجيا من حالي الارتهان والمراهنة على الغير، خصوصا ايران والولايات المتحدة.

كي يمهد هذا الخروج تمهيدا، او حتى تحريضا، للدول العربية ولامينها العام عمرو موسى الذي يزور لبنان اليوم، لان يسترجعوا حضورهم، وبالتالي وعي مسؤولياتهم القومية المباشرة، بغية حلحلة تفاقم الازمات، ثم ايجاد الحلول المطلوبة من خلال تفعيل عناصر الشرعية الدولية التي اسست لحقوق العرب بخاصة في مناطق الازمة.

وهذا يعني باختصار...

لبنانيا:

- التصميم على الحيلولة دون اجترار الحوارات السابقة لانها مع ما انطوت عليه من نوايا وجدية تحولت في نظر المواطنين ثرثرة تعيد مفردات ومصطلحات صارت تشوش على قدرة الاستماع. والحوار اذا لم يُطعّم بالقوى اللاطائفية والعلمانية ولممثلي المجتمع المدني والنقابات المهنية والعمالية. واذا بقي محصورا بممثلي الطوائف فانه يبقى ثرثرة مهما كان التخاطب في الحوار المعاود بليغا. فالنظام الطائفي اصبح عبءاً ثقيلا على وحدة لبنان وعلى مناعته، وبالتالي استقلاله ومستقبل اجياله.

- الكف في شكل كامل عن تسييس المحكمة ذات الطابع الدولي. يجب الافتراض ان قيام هذه المحكمة ليس في ذاته حكما بالادانة او بالتبرئة. فهي حاجة ملحة لتثبت الحقيقة - من قام بهذه الاغتيالات ولماذا وكيف؟ قد يكون لدى كثر منا اشتباه او حتى ادانة مسبقة، ولكن لا يجوز ان نقطع مسيرة لمحاكمة لان هذا التسييس سلبا او ايجابا يفقد مسيرة المحاكمة نظرة العالم اليها باستحالة الموضوعية وهذا خط احمر. فاذا كان من ادلة فعليها ان تصب عند آليات التحقيق بعدما حسم امرها مجلس الامن بالاجماع، فلا يظهر من كان مع المحكمة بدون ابداء رأي في صلاحياتها وبنيتها هو الملتزم ضرورة البت بماهية الحقيقة، ومن له ملاحظات قانونية - لا سياسية ضد المحكمة.

علينا جميعا ان نتصرف على ان هناك اجماعا او على الاقل توافقا لبنانيا على الحاجة الى المحكمة ذات الطابع الدولي لان هناك حاجة وطنية، ودولية ايضا، الى الحسم في ابراز الحقيقة، لان ذلك من شأنه خدمة العدالة وبالتالي الامن والسلام اللذين ساهمت الاغتيالات، او كادت ان تهددها كما ورد في القرارات ذات الصلة.

- أن تستعيد الحكومة تجذرها في الواقع الشعبي والوطني وتعطي انطباعا واضحا بعدم استساغة التأييد المتذاكي غير المدروس والتبني العلني والتوصيف الجائر الذي تستعمله ادارة بوش بالمعارضة وبالمقاومة، أن هذا التبني الاميركي - الفرنسي في الشكل الاستفزازي اتضح بعدم رضا الدول المعنية بباريس -3 إلا بحكومة الرئيس فؤاد السنيورة. ان ابن صيدا يبقى دائما مرجحا ان يكون ملتزما مصلحة الوطن وكرامته، ولا اتصور ان تحول المقولات الاميركية الحكومية بديلاً ناجحاً من فشل تجربتها في العراق.

كما ان المعارضة عليها ان تسعى الى المشاركة في حكومة وحدة وطنية نظرا الى التحديات الجسيمة التي تواجه لبنان والأمة العربية لكن هذا السعي المشروع والذي برهنت الحاجة الى الوحدة الوطنية صوابه يجب ان يدفع الرئيس السنيورة الى الانفتاح الصادق عليه. لكن السعي اذا لم يتحقق، لأي سبب، فعلى المعارضة المتنامية والمتمتعة بشخصية واسعة ان تنظم نفسها كرقيب على اداء الحكم واداة محاسبة واضحة ودفع الحكم من خلال المحاسبة الدقيقة اي ان يكون شفافياً في اتخاذ القرارات بخاصة المصيرية منها، ولعل هذا يكون عنصر جذب لمشاركة اوسع في الحياة السياسية من شرائح حيوية ابقتها التركيبة الطائفية خارج الحكم والمعارضة.

فلسطينيا: كان اليما جدا ان يعلن الرئيس الصديق محمود عباس امام وزيرة الخارجية الاميركية ان الحوار مع حكومة "حماس" وصل الى "طريق مسدود"، كأنه يقدم برهاناً امام من يدعي أنه "الحكم" ان الرئاسة تقر بان نتيجة الانتخابات ادت الى الحصار والتجويع والابتزاز الغربي وكأن الديموقراطية تصبح ديموقراطية عندما تكون النتيجة مقبولة اميركيا واسرائيليا. وكان جديرا بالرئيس عباس ألا يظهر كمن يشكو امام من ساهم في اعطاء اضواء خضراء لاستمرار سياسات اسرائيل في تهويد القدس والاستيطان والقمع والاغتيالات والاعتقالات. كان الاجدر ألا تقبل الرئاسة وفتح - المقاومة التاريخية - ان يكون المدخل الى تعديل "الحكومة" القول بأن نجاح "حماس" هو المسبب للحصار، مما جعل التحريض على حكومة "حماس" مرادفا لواقعية رفع الحصار.

كذلك الامر بالنسبة الى "حماس"، فقد اشرنا في السابق ان سقوطها غير المقصود في مصيدة اوسلو اربك دورها المقاوم وبالتالي التبست المعادلة المقاومة والاحتلال، مما جعل الوضع الفلسطيني رغم الصمود الرائع للشعب قابلا للاستباحة وفاقدا الكثير من حصانته... وقدسيته.

المطلوب ان تعيد منظمة التحرير وحدة شعبها، فهي اطار الشعب الفلسطيني، مما يستوجب عودة كل الفصائل اليها بما فيها "حماس"، لانه بدون اعادة بناء هيكلية المنظمة لن تكون دولة مستقلة ولا حق للعودة، ولا حقوق مواطنة متساوية للفلسطينيين داخل الخط الاخضر، ولا قدس عاصمة لفلسطين. فحذار الاستمرار في الشكوى امام حلف المحتل وراعيه. رغم ان اي تذمر قد يكون صحيحا فلم يكن المنبر المشترك مع الوزيرة رايس مكانه... والطريق ممنوع ان يكون مسدودا!

- في الشأن العراقي، رغم التداعيات المخيفة والمعيبة في العراق واصرار الرئيس بوش على الاعلان عن الاستمرار في سياسته المفجعة والفاشلة هناك علينا ادراك ان العرب الغائبين لن يعيد حضورهم مجرد اجتماع لوزراء الخارجية العرب بعد يومين في اطار الجامعة. هذا الغياب العربي يؤدي الى فراغ يعمل على املائه الاستقطاب الايراني - الاميركي لكون التقاعس العربي عن عقد قمة ناتج ممن لا يزال يجهل او يتجاهل قراءة الخريطة الجديدة للواقع السياسي المستجد والضغوط المتنامية لاستحالة اقتراحات بديلة تحول دون الافادة العربية - وان نسبيا من الانهيار في مؤسسة الرئاسة الاميركية (حتى لو كان الرئيس لا يزال جورج بوش نفسه!).

فالعديد من القادة العرب يتعاملون مع العراق من زوايا طائفية بدلا من الحق المشروع للنظام العربي في ان يكون الامثل في عودة الوحدة الوطنية للعراق.

ايها القارئ العزيز، ارجو ان تنهي قراءة المقال بالرد على السؤال: "على من تقرأ مزاميرك؟".

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى