مدارس كرش سقوف متساقطة وجدران هشة وحكايات مأساوية

> «الأيام» أنيس منصور:

>
أحد سقوف الفصول المهشمة
أحد سقوف الفصول المهشمة
أكثر من ثماني عشرة مدرسة موزعة بين ملحقيات للتعليم الاساسي وثانويات ومدرسة واحدة للبنات جميعها غير صالحة سوى مدرستين إحداهما في حدابة والأخرى في قرنة ، حيث تعاني هذه المدارس التي تقع في نطاق عزلة كرش مديرية القبيطة أوضاعا مأساوية تزداد تعقيداً من عام الى آخر.. مئات الطلاب والطالبات يدرسون على خوف وذعر من تساقط أحجار وسقوف فصول قديمة ذات بناء شعبي تتفتت أجزاؤها وتنذر بكوارث مستقبلية لا تحمد عقباها.

«الأيام» نزلت إلى هذه المدارس فخرجت بهذه الحصيلة.

البداية كانت من مدرسة عمار بن ياسر السفيلى حدابة وشاهدنا فصولا متشققة جدرانها وأخرى مليئة بمياه الأمطار، وطلابا يدرسون في العراء، كما رأينا بأم أعيننا طلابا آخرين يتسابقون على ظل الأشجار يسيرون مع الظل أينما سار.

< قال الاستاذ عبدالمجيد صالح السويدي بصوت تتخلله نبرة قلق مشيرا بأصابعه صوب سطح فصل دراسي متهالك: «السقف مهتر ويمكن أن تسقط علينا الاخشاب، وعيون التلاميذ موزعة بين سقف الصف والسبورة». بهذه الحسرة ختم عبدالمجيد كلامه عما يحدث وكانت أشعة الشمس تنفذ من خلال التشققات لترسم خيوطاً ضوئية في بعض الفصول.

وعند الانتهاء من يوم دراسي وجدنا المدرسين والطلاب يقومون بحركة واحدة هي نفض الأتربة قبل أن يغادروا.

< الأستاذ جميل محمد سالم قال: «نحن نخاف من المرور بجانب هذه الفصول القديمة خشية أن تسقط فكيف بالتلاميذ الذين يدرسون داخلها فلا بد من وضع حلول عاجلة لهذا الوضع».

الوقفة الثانية هي زيارة مدرسة الزبيري وادي نتير، وقد وجدنا صوراً لحكايات وواقع بائس يعجز اللسان عن بيانه، كانت كاميرا التصوير أكبر شاهد حيث وضح لنا مدير المدرسة محسن جازم صالح أن هؤلاء الطلاب الذين ترتسم على وجوههم براءة الطفولة أصرت الحكومة على اغتيال مستقبلهم وحياتهم باستمرار، فتحت الأشجار يتعلم أكثر من مائتي طالب، وفي مواسم الأمطار يمتنع الطلاب عن الحضور وتنتشر الأمراض والالتهابات التنفسية بسبب تعرض الطلاب للرياح والبرد، كما يصاب الطلاب بحالات الإغماء لأنهم يتعلمون تحت الأشجار.. هناك ثلاثة فصول ذات بناء قديم هش تساقط أحجارا وكتلا اسمنتية فوق طلابها، أخشابها متهالكة وسقوفها آيلة للسقوط. وبدون مقدمات اعترضنا الأستاذ أمين غنام قائلاً: «أين قيمة التعليم وكيف سيكون استيعاب الطلاب؟ إنها مأساة وحسرة». الأستاذ أحمد عبدالله علي الحربي قال: «الكل يعلم بوضعية هذه المدرسة، والزائرون يندهشون ويستغربون كيف ولماذا وإلى متى، وكل الوعود عرقوبية، ومدير المدرسة تقدم بعدة رسائل تحذير يخلي فيها مسؤوليته عن أي كارثة تصيب الطلاب، ولكن سلطتنا المحلية أذن من طين وأذن من عجين». وبهذه المواجع ودعنا مدرسة الزبيري وطلابها الذين لا يريدون مدارس خاصة ولا سيارات فارهة تأخذهم كل صباح من المنزل إلى المدرسة. لا يريدون سوى فصلا دراسيا يقيهم من تقلبات الشتاء والصيف مع أن المدرسة لا تبعد عن الخط العام (عدن - تعز) سوى مائتي متر تقريباً حيث يمر مسؤولو الدولة ورجالاتها مرور الكرام.

أحد الفصول الدراسية التي امتلأت بالمياه في مدرسة عمار بن ياسر
أحد الفصول الدراسية التي امتلأت بالمياه في مدرسة عمار بن ياسر
مدرسة الوحدة كرش اسم تاريخي مثلها مثل أخواتها، طلابها خرجوا في مسيرة واعتصموا أمام مبنى المجلس المحلي، وسبوراتها تستهلك أضعاف الطباشير بسبب الخشونة والحفر وتنهمر مياه الأمطار أشبه بالشلالات، والطامة الكبرى هو اعتماد مدرسة جديدة قد وضعت أساساتها قبل سنتين توقف العمل فيها فجأة ليستأنف العمل مرة أخرى بداية كل موسم انتخابي.

مدرسة الفرقان قميح سابقاً مدرسة عظيمة تخرج منها المئات من القادة والمثقفين والدكاترة والعلماء الذين حفرت لهم ذكريات لا يزال أثرها حتى اليوم، ومهما حشدنا ألفاظ البلاغة لن نستطيع أن نعطي مدرسة قميح حقها.

أما مدرسة علي عبد المغني في مناطق زيق فعبارة عن أكواخ من القش والأشجار اليابسة. مدير المدرسة يحمل وثائق الإدارة وحافظة الدوام وكل مستلزمات الإدارة في كيس يومياً ذهاباً وإياباً والطلاب يفترشون التراب والأحجار.. وكذلك مدارس علصان وذر والمقطابة والخشب والمعقم جميعها في حالة يرثى لها حيث تتفطر الأكباد من هول أول نظرة استطلاعية.

خرجنا بحصيلة قصيرة تؤكد أن طلاب عزلة كرش يدرسون في الكهوف والمغارات والعشش وتحت الأشجار.. إنها فصول من المعاناة لا فرق في كرش بين الماضي والحاضر، فكل ما فيها ماض قديم يشير إلى إهمال الدولة فبالأمس كان الآباء في الكتاتيب وتحت الأشجار واليوم على نفس المنوال يدرس الأبناء، حتى يأتي فرج السلطة المحلية. الطالب أحمد محمد مانع من مدرسة السفيلى قال: «وزارة التربية والتعليم تتحدث عن تعليم الحاسوب وتحديث التعليم بطرق ووسائل حديثة ونحن ندرس تحت الأشجار». ورغم أن حديث الطالب مانع كان بحشرجة واستحياء فقد كانت الاشجار والصخور الصماء التي لا تسمع ولا ترى ولا تعقل أرحم بهؤلاء الطلاب من حكومة ألف ليلة وليلة، لأن الفساد بشع اينما ظهر .

طلاب يدرسون في الخلاء
طلاب يدرسون في الخلاء
هوامش جانبية

- اعتمد مكتب التربية تأهيل وترميم مدارس على حساب مشروع التطوير التربوي وقد اعتمدت مدارس اليوسفين والهجر والقبيطة فقط ما عدا كرش «انتبه أمامك منعطف ومطبات مناطقية»، الفوضى والمآسي الخانقة في مدارس كرش طغت على جميع القوانين التربوية وايديولوجية مدرسة في كل قرية وإذا غريمك المجلس المحلي من تقاضي. نتوجه بشديد الاعتذار للذين لم نشاطرهم مآسيهم ولم نستطع الوصول إلى مدارسهم لبعد المسافات وقلة الزاد.

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى