> «الأيام» سالم العور:

أثناء زيارة فريق السلطة المحلية والأمنية إلى منطقة ارباظ بالسيلة البيضاء قبل أكثر من عامين
هذا الحرمان من أبسط مقومات الحياة كان له دور رئيسي باعتباره أبرز الأسباب التي أدت إلى ظاهرة النزوح الجماعي لأكثر من خمسمائة أسرة من مختلف قرى مناطق السيلة البيضاء إلى مناطق الحضن القريبة من مدينة لودر ومكيراس والشرف والبيضاء بمحافظة البيضاء ومديريات سباح وجعار وزنجبار بمحافظة أبين.
«الأيام» استطلعت آراء عدد من المشايخ والشخصيات الاجتماعية النازحة من منطقة السيلة البيضاء لتضعها في هذه السطور.
يفتقر السكان لأبسط مقومات الحياة
< الشيخ محمد قاسم حيرش البركاني نزح من منطقة هشان بالسيلة البيضاء إلى قرية عرفان الواقعة على أحد جوانب وادي عرفان، الذي ذكره الهمداني في كتابه صفة جزيرة العرب قبل ما يقارب ألفاً ومئة عام تقريبا .. سألناه عن سبب نزوحه وأسرته فأجاب :«نزحت وأسرتي من منطقة السيلة البيضاء إلى أسفل سفح جبل عرفان التاريخي في عام 2002م بسبب صعوبة العيش هناك، فالسيلة البيضاء التي تمتاز بطبيعتها الخلابة ونسيم هوائها العليل يعاني أهلها من افتقادهم لأبسط مقومات العيش، ويأتي في المقام الأول وعورة الطريق إليها بحكم تضاريسها الجبلية وصدقني يا ولدي إن إسعاف المريض يكلفنا من 8 إلى 10 آلاف ريال ٌيجارا للسيارة لنقله إلى أقرب مستشفى وهو مستشفى الشهيد محنف بمدينة لودر، وفي أغلب الأحيان يموت المريض في الطريق الوعرة، وكم من نساء يا ولدي يجهضن قبل أن يتم إيصالهن إلى المستشفى.. حتى كيس السكر يصل إلينا بسعر يعادل 7000 ريال والدقيق بأكثر من 4000 ريال .. أبعد هذا تسألني لماذا نزحنا من السيلة البيضاء؟ من يصدق أن الناس هناك وكنت واحد منهم نشرب من مياه الغيول الراكدة المتعفنة التي تسبب لنا أمراض الملاريا والإسهال وغيرها.
هشان وغيرها من المناطق المجاورة يوجد بها مدرسة مكونة من غرفة دراسية واحدة وعدد الصفوف من الأول حتى السادس ابتدائي ويدرس في هذه الغرفة صفان من الطلاب، والأربعة الصفوف الاخرى يدرسون تحت حرارة الشمس. ونناشد جهات الاختصاص بالاهتمام بمعاناة مواطني السيلة البيضاء، فقد نزحت مئات الأسر وما تزال عملية النزوح مستمرة والحل لإيقاف نزوح الأسر أن تنفذ الدولة مشاريع الطرقات والمياه والكهرباء وغيرها».
الأمية والمرض وانعدام الخدمات هي السبب
< وفي قرية آل هزم أكبر قرى منطقة الحضن من حيث السكان، التقينا الشيخ علي صالح محمد دعوس الشنيني، أحد النازحين من منطقة ارباظ بالسيلة البيضاء إلى قرية آل هزم، فتحدث قائلا:
«أسباب نزوحنا إلى قرية آل هزم منطقة الحضن بلودر تتلخص في سوء الخدمات بمنطقتنا السيلة البيضاء.. استقر المقام بنا في قريتكم لتوفر الخدمات، فعندكم طريق اسفلتية تربطكم بمدينة لودر والكهرباء موجودة والمياه متوفرة وكذلك خدمة الهاتف والتعليم متوفر والمستوصف الطبي لايفصلكم عنه سوى رمية حجر.. بسبب سوء الخدمات في ارباظ بالسيلة البيضاء لم أنزح لوحدي فهناك 40 اسرة نزحت من منطقة ارباظ إلى مديرية سباح في يافع وأكثر من 10 أسر نزحت إلى زنجبار عاصمة المحافظة أبين وهناك أكثر من 30 أسرة نزحت إلى مناطق مختلفة من مديرية لودر، كما نزحت عدة أسر إلى محافظة البيضاء، فلا طريق ولا مدرسة بمنطقتنا حاليا، وكانت مدرسة الحفاء ارباض قبل الوحدة وأهملت نهائيا.. أولادنا أميون وعاطلون عن العمل حيث تم رفضهم من العمل في القوات المسلحة لعدم وجود شهادات.. لهذه الأسباب نزحنا إلى مناطقكم لنخفف من معاناتنا، فالمريض منا يموت قبل أن يتم إسعافه بسيارة تكلفنا نحو أحد عشر الفاً، مياهنا مالحة ولا توجد آبار أو مشاريع مياه، ونشرب مياه الغيول التي أصابتنا بأمراض الملاريا وفيروس الكبد، ولانعدام الصحة فكثيرون منا مصابون بالسل والتيفود وفقر الدم وغيرها من الأمراض، فهل تفيق الدولة لتضع حدا لظاهرة النزوح الجماعي قبل أن تصبح منطقتنا السيلة البيضاء مهجورة بعد أن كانت يوما من الأيام مخبأ للمناضلين وواحدة من المناطق التي ترفد اقتصادنا الوطني بالثروة الحيوانية .. الرأفة ياعالم نريد طريقا فقط في المقام الأول ومن ثم مياها صالحة للشرب وكهرباء وصحة وتعليما في المقام الثاني».
النزوح مازال مستمرا
< أما الشيخ صالح حسين المشرع، من منطقة الساحل (آل بركان) بالسيلة البيضاء أوضح قائلا:«منطقة الساحل والقرى المجاورة لها مثل القواصر كرمة والنخلة تفتقد أبسط مقومات الحياة، فلا كهرباء ولا مياه ولا خدمات صحية ولا تعليم وأولادنا أميون ولهذه ألاسباب نزح حوالي 10 أسر إلى منطقتي بري وملعة بلودر ونزحت من منطقتنا أسرتان إلى قرية الشرف بمحافظة البيضاء وثلاث أسر إلى سباح بيافع، إلى جانب معاناة أهالي منطقة ضلاعة المجاورة (النخعين) التي نزحت منها أسرتان إلى محافظة البيضاء وأكثر من 30 أسرة إلى مديرية سباح بيافع.. يا جماعة النزوح ما يزال مستمرا والسبب الرئيسي هو عدم وجود طريق تربط هذه المنطقة النائية (السيلة البيضاء) ذات التضاريس الوعرة بمدينة لودر، ولإيقاف النزوح والحد منه لا نريد كهرباء ولا نريد مياه ولا نريد أي شيء قبل أن يتم اعتماد طريق لودر - السيلة البيضاء - يافع الذي صرحت السلطات المحلية قبل عامين بأنه سيتم اعتماده.. يا جماعة حتى الذين نزحوا تظنون أنهم مرتاحون، إنهم يسكنون في خيام ومساكن دون أساسات إذا هبت رياح ستسقط فوق رؤوسهم، وبعضهم يسكنون بإيجار أثقل كاهلهم لعدم وجود رواتب لديهم فقد كانوا يعتمدون على تربية الأغنام والمواشي وبيعها حين كانوا هناك بالسيلة البيضاء، أما اليوم فباعوا كل شيء فهل من مجيب يا إخوتنا في السلطتين المحليتين بمديرية لودر ومحافظة أبين؟».
لا بد من إيقاف النزوح
< أما الشيخ حسين محمد علي البركاني (نزح وأسرته من منطقة برع الأسفل إلى منطقة الحضن بلودر) فقال: «نزحت من أجل ان يتعلم أولادي ويلتحقوا بالمدرسة، كون المدرسة القريبة إلى منطقتي برع هناك بالسيلة البيضاء تقع في (الفجاح) وتبعد عنا بمسافة ساعتين مشيا على الأقدام، ولعدم وجود الطريق لا يستطيع أولادنا الوصول إلى المدرسة.. في منطقة غرابة التي تجاورنا وعدت السلطات ببناء مدرسة ولم تف بوعودها، ولا توجد مياه شرب.. ونزوحنا صحيح أنه يوفر لنا نعيما ولكنه أهون الشرّين.. نزوحنا أدى إلى فقداننا لمردود الثروة الحيوانية التي كنا نستفيد منها نحن والدولة أيضا. أما عدد الأسر التي نزحت من برع الأسفل وهشان الأسفل وغرابة والفجاج وموجف والمجمع فأكثر من 100 أسرة إلى عرفان واماجل وملعة وسيوف وآل هزم وآل عبادي وآل منصر ويري في مديرية لودر.. أما آن للدولة أن تتدخل وأن تعلن بوضوح أن المنطقة (السيلة البيضاء) تشهد عملية نزوح وبحاجة إلى معالجات لإيقافها، ومنها توفير الخدمات».
كأننا في كوكب آخر
< أما الأخ علي حسين محمد، أحد النازحين من منطقة برع الأعلى فأوجز حديثه:«نزحت من قرى برع الأعلى أكثر من 200 أسرة يصل عدد أفراد الواحدة إلى 7 أشخاص في المتوسط إلى قرى ثرة، عرفان، ملعة، صفاق الواقعة على سفوح سلسلة جبال الكود بلودر، ونزحت أكثر من 100 أسرة إلى مديرية مكيراس بمحافظة البيضاء.. لو كنا في دولة ثانية لكانوا قد انتبهوا لعملية النزوح وخطورتها، من يصدق أنني كنت أنقل المواد الغذائية من مكيراس إلى برع الأعلى بالسيلة البيضاء على ظهر حمار ومن مسافة 20 كيلومترا لعدم وجود طريق للسيارات، والمريض نسعفه على ظهر حمار وتقولون لنا ما أسباب نزوحنا؟ يا إخواني (عاد شي بايعطيكم ربنا عقل لما تسألوننا عن النزوح والا عاد الدولة باتعيد رشدها وباتفكر ان السيلة البيضاء محرومة من كل الخدمات». والله كأننا نعيش في كوكب آخر لم يلتفت إلينا أحد، حتى المسؤولين لما زارونا قبل عدة اعوام وعدونا بالطريق ومشاريع الماء والطرقات والمدارس والمستوصفات، وأصبحت تلك الوعود من مواعيد عرقوب.
الله معاكم يا أصحاب «الأيام» عاد فيكم خير أنكم تكتبون عن همومنا، أما السلطات فتجعل لنا أذناً من طين وأخرى من عجين».
وعلق شخص كان يجلس بجوارنا قائلا: «يمكن ان تستجيب الدولة بهذا الاستطلاع عند نشره لمطالب أبناء السيلة البيضاء» وقال آخر «والله إنه اصنج وجنبه مغني».
خلاصة القول أن جميع من تحدثوا في هذا الاستطلاع ومن التقينا بهم من النازحين من أبناء السيلة البيضاء كان همهم واحدا في جميع مناطق السيلة البيضاء التي حرمت من كافة المشاريع.. وناشدوا عبر «الأيام» فخامة رئيس الجمهورية وقيادة محافظة أبين ممثلة بالمهندس فريد مجور وقيادة السلطة المحلية بمديرية لودر بالنظر إلى أبناء منطقة السيلة البيضاء، والنزول إلى ارض الواقع لملامسة همومهم عن قرب والاستجابة لمطالـبهم، وأبرزها اعتماد طريق لودر- السيلة البيضاء - يافع الذي وعد به فخامة رئيس الجمهورية في آخر زيارة له إلى مديرية لودر، والذي لم يتم اعتماده حتى الآن، والاهتمام ببناء مجمع تربوي أساسي وثانوي، وإعطاء التوجيهات لجهات الاختصاص بمنح أبناء منطقة السيلة البيضاء توظيـفات جديدة من المعلمين حيث يوجد من أبناء المنطقة من يحمل شهادة ثانوية عامة كأعلى مستوى تعليمي.
وكذا توفير كافة الخدمات الأخرى من مراكز صحية ومشاريع مياه الشرب وخدمات الهاتف والطرقات والتعليم وغيرها.