الأغنية اللحجية .. سر التراجع وأدوات النهوض

> «الأيام» هشام عطيري:

> لا يختلف اثنان من اليمنيين كافة على أن الأغنية اللحجية هي سيدة الغناء اليمني بإيقاعاتها الراقصة وعذوبة ألحانها وتفوق كلماتها وسحر أداء فنانيها، وهذه المرتبة المتقدمة في الغناء اليمني التي وصلت إليها الأغنية اللحجية لم تأت بالأماني ولكنها خلاصة لجهود رجال أفنوا أعمارهم في سبيل وصول الأغنية اللحجية إلى هذا المستوى، رغم نجاحات الألوان الأخرى وبالذات الصنعاني الذي كان في مقدمة الألوان على مدى فترات طويلة. وليس في ذلك مبالغة وندلل على صحة ما نقول بتفوق الأغنية اللحجية وتربعها المراكز الأولى بجدارة حتى وقت قريب، لكنها في المرحلة الأخيرة شهدت تراجعاً ملحوظاً أفضى إلى تساؤلات عديدة حول أسبابه، وهو ما جعلنا نقدم على هذا التحقيق الذي أعطينا فيه الخبز لخبازه، وذهب تساؤلنا إلى أصحاب الشأن من فنانين وشعراء وملحنين للأغنية اللحجية عن سبب هذا التراجع وما هو السبيل للنهوض بها من جديد .. فلنقرأ أحاديثهم.

السبب عدم الحفاظ على ما صنعه العمالقة

< الفنان والملحن سعودي أحمد صالح قال: «هناك أسباب كثيرة لتراجع الأغنية اللحجية منها: أولا: الشعراء الذين كانوا يرفدون الأغنية اللحجية بأروع الكلمات رحلوا ولم يبق في الساحة غير اثنين أو ثلاثة شعراء حقيقيين لهم إنتاجات فنية موثقة ولكنهم الآن لم يقدموا أعمالاً جديدة، وثانياً: عدم وجود ملحنين جيدين يترجمون كلمات هؤلاء الشعراء المخضرمين، لذلك فهم تقريباً محتفظون بما يكتبونه لأنفسهم.

ثالثاً: جميع الشباب من الفنانين مقلدون، وأصبحت المخادر هي الوسيلة الوحيدة لهم للارتزاق ولترديد أغاني كبار الفنانين للكسب فقط لأنهم لم ولن يستطيعوا أن يقدموا شيئاً جديداً أبداً، لأنهم لم يحاولوا أن يشقوا طريقاً جديداً لهم ولو قدموا جديدا الآن فإن الكلمة هابطة واللحن مسروق والأداء تافه، وتتم معالجة ذلك بتشكيل لجنة للنصوص وأخرى للألحان تجيز العمل الجميل وتوقف الكلام الهابط المكرر واللحن المسروق، وتشكيل فرق موسيقية مستقلة بذاتها.

لحج كان بها في كل ندوة شعراء مجيدون ومن الطراز الثقيل وملحنون عمالقة ومغنون لكل واحد منهم لونه الخاص به دون تشابه في الأصوات أو تقليد، وعندما تحضر إلى أي من الندوتين في أي حفل تكون لديها أغنية أو أغنيتان تتحف بهما الحفل كلاماً ولحناً وأداء، ولكن الذي يحصل الآن من هؤلاء الشباب المقلدين أن كل واحد منهم لديه ستة عازفين وإيقاع وعلى بابك يا كريم، صياح وطبّال وتشويه لأغاني عمالقة الفن اللحجي، المهم أن تنتهي المخدرة ويتسلّم المعلوم.. هكذا وجدوا فناً صنعه العمالقة، وأتوا ليسترزقوا منه مع تشويهه في الوقت نفسه وهكذا ظلت الأغنية اللحجية في هبوط مستمر والسبب عدم الحفاظ على ما صنع العمالقة في لحج من كلام ولحن وأداء، ومعالجة هذا تكمن في احترام هؤلاء الشباب لأنفسهم قبل كل شيء ومعرفة أن ما يرددونه في المخادر أو الحفلات الأخرى هو جهد جبار لهؤلاء الرواد وعليهم إبراز هذه الأعمال بشكل جيد أو أن يتوقفوا عن العبث بحقوق الآخرين».

فلنشرك القطاع الخاص

< الملحن عادل عبدالله أحمد صلوح: «أسباب تراجع الأغنية اللحجية في الوقت الراهن كثيرة، منها عدم الاهتمام من الدولة ممثلة بوزارة الثقافة بالشعراء والملحنين والفنانين والمبدعين في شتى المجالات من حيث تقديم الدعم المادي والمعنوي للفن وأهله، وعدم اهتمام مكتب الثقافة في لحج بالشعراء والملحنين والفنانين، وعدم وجود نشاط ثقافي في المحافظة، بالإضافة إلى عدم إسهام القطاع الخاص في دعم الأغنية اللحجية، والمعالجة الكفيلة بعودتها إلى وضعها الطبيعي تكمن في: اهتمام الدولة بالفن اللحجي الأصيل من أجل عودته إلى مستوى أعلى مما كان عليه في السابق، ضرورة اهتمام المحافظة بالفن اللحجي عن طريق تقديم كل الوسائل التي تجعل الشاعر والملحن والفنان يرتفع إلى مستوى أفضل لخلق منافسة شريفة وكذا خلق الجو المناسب لهذا المبدع، الاهتمام بالمنتديات الفنية وليس المنتديات السياسية، وأن يشارك القطاع الخاص في نهوض الأغنية اللحجية بالدعم المادي والمعنوي لتشجيع الشعراء والملحنين والفنانين وكذا تشجيع المواهب في جميع المجالات والفنون، إعطاء لفتة كريمة من قبل وزير الثقافة والاهتمام بالفن اللحجي في المحافظة، وإنشاء كلية خاصة بالفنون والموسيقى في المحافظة وذلك لخصوصية الفن اللحجي وجدارته للاستفادة من علوم الموسيقى وبالذات عند الشباب».

انفراط عقد الفرق الفنية

< الفنان علي سعيد العودي قال:

«الأسباب كثيرة ومتنوعة، منها عدم وجود التنافس الشريف مثلما كان في العصر الذهبي، ففي ذلك العصر وبالذات أيام السلطنة العبدلية والأسرة الأميرية كان تفتح وظهور الأغنية الجميلة التي يرغب بها وجدان المستمع وتزيد إعجابه، وقد عملت السلطنة العبدلية والأميرية على تكوين فرقتين متنافستين في لحج هما (الندوة اللحجية) وكان على رأسها الأستاذ عبدالله هادي سبيت ومحسن بن أحمد مهدي وصالح مهدي ومحسن صالح مهدي ومجموعة كبيرة من الفنانين والعازفين والشعراء، وكان ذلك امتداد لعميد الآغنية اللحجية الأمير أحمد فضل القمندان، ثم تكوين (ندوة الجنوب الموسيقية) وأعطت دفعة ثانية للتنافس الشريف، وهو ما جعل الأغنية تزدهر وكان على رأس الندوة الأستاذ فضل محمد اللحجي وصالح نصيب والأستاذ حسن عطا وأحمد يوسف الزبيدي وصالح يوسف الزبيدي وسعودي أحمد صالح وعلي سعيد العودي ومجموعة من العازفين والشعراء والملحنين، وهذه كانت دفعة ثانية امتدادا للقمندان. وبعد مغادرة الأستاذ عبدالله هادي سبيت أعيد تكوين الندوة اللحجية بقيادة صلاح ناصر كرد ومحمد سعد الصنعاني ومحمد السرحاني وعبدالكريم توفيق وفيصل علوي ومجموعة كبيرة من الشعراء والملحنين، وهذا التواصل أدى إلى ظهور فنانين كبار أمثال محمد صالح حمدون وهذا التنافس أبرز الأغنية اللحجية إلى حيز الوجود وكان التواصل إلى سنة 64م، بعد ذلكم انفرط عقد تلك الفرق الفنية وبدأ الركود يحدث بسبب أخذ أعمال الآخرين من بعض الفنانين وتسجيلها لشركات الكاست داخلياً وخارجياً وإنكار حقوق الطبع وحقوق الفنانين وعدم التعامل بالحق الفكري، أما أسباب النهوض بالأغنية اللحجية فهي: تشريع وتطبيق قانون الحق الفكري في المحاكم والسلطة التنفيذية والمنظمات الإبداعية والشرعية، وإعادة تكوين فرق أهلية متنافسة مزودة بفنانين وعازفين وملحنين، إذا حدث ذلك ستنطلق الفرق المتنافسة وستقوم باستقطاب المواهب الجديدة وإظهارها في ظل وجود الكلمات القوية واللحن الجميل للارتقاء بالأغنية اللحجية نحو الأفضل» .

ندرة الملحنين ذوي القدرات الفنية

< الشاعر محمد حسين الدرزي:

«من الممكن الإشارة إلى أسباب تراجع الأغنية اللحجية فقط في الوقت الراهن، لأن باقي الألوان اليمنية الأخرى لم يمسها من التراجع مقدار ما مس الأغنية في لحج، إن الملاحظ عامة هو تراجع الأغنية اليمنية بشكل عام وباختلاف ألوانها صنعاني، حضرمي، لحجي تهامي، عدني يافعي، حُجري... إلخ، والأسباب قد تكون في الأغلب واحدة إلا ما شذ منها وانفرد بالخصوصية المحلية كما هو الحال في لحج، إذ أن محلية الأسباب والبارز منها المؤدي إلى تراجع الأغنية اللحجية يتجلى بوضوح في ندرة الملحنين ذوي القدرات الفنية في التعامل مع النص الغنائي بمفرداته ومعانيه، الملحنين الذين يتوفر لديهم من الثقافة ما يمكنهم من التفاعل وجدانياً مع المعاني التي تحملها أحشاء المفردات، إذ أن عملية التلحين هي أساساً عملية تطلب من صاحبها الكثير من رهافة الحس والتأثر بمعاني الكلمات المطلوب تلحينها، وكما هو معروف فالتلحين هو تلحين المعاني لا تلحين كلمات مرصوصة منسقة مقفاة. إن ندرة الملحنين من هذا الصنف في لحج هو في مقدمة أسباب تراجع الأغنية فيها وليس شحة النصوص الغنائية من تلك الأسباب إطلاقا،ً فالنصوص في لحج متوفرة، فيها الفج وفيها الناضج، مع ذلك فإننا نرى صاحب النص الناضج لا يجازف أو لا يرضيه تلحين نصه كيفما اتفق أو يصبح يوماً شريكاً في ولادة أغنية (مسخ) ترفضها الذائقة الشعبية اللحجية الراقية فتموت حتماً في مهدها، وبمرور الأيام اتضح تراجع الأغنية اللحجية اللهم إلا إذا استثنينا بروز بعض الاجتهادات المتميزة المعدودة على أصابع اليد الواحدة وعبر فترات زمنية متباعدة ومن قبل بعض الفنانين والملحنين وليتهم واصلوا المشوار وتواصلوا معنا لنثبت للكل أن لحجاً ليس في قاموسها كلمة (تراجع) فهي دائماً مستودع الينابيع الإبداعية ولكن فليسامح الله من اعتزل، ويشفي الله أيضاً من أصيب بداء الملل.

أما مسألة المعالجات لتعود الأغنية اللحجية إلى ما كانت عليه سابقاً فهي في غاية البساطة، وهي حتمية التقارب واللقاء اليومي ما بين كاتب الكلمات والملحن والفنان المؤدي في أماكن أو مقرات خاصة بالمهن الإبداعية بغرض تبادل الآراء الخاصة بإخراج أعمالهم للناس في قوالب جميلة ومدهشة كما كان الحال في خمسينات وستينات القرن العشرين في لحج، أما بقية الأسباب فهي كما أعتقد أسباب عامة لا تحمل سمه الخصوصية وربما معالجتها ستكون بإدن الله معالجات عامة أيضاً».

أطالب بعودة الحفلات الفنية

< الفنانة كاميليا عنبر ياقوت:

«في البداية نقول إن الأغنية اللحجية باقية بأصالتها ولكنها في حالة ركود والسبب افتقار لحج للحفلات التي كانت تقام زمان من حين إلى آخر في كل المناسبات، وكانت هناك حركة فنية مستمرة ولكن الآن نغني في السنة مرة فقط حيث يقوم معظم الفنانين بإحياء حفلات الأعراس (المخادر) ومن هنا دخلت الأغنية اللحجية في ركود تام وبالمجهود الذاتي نحاول الظهور والمشاركة في حفلات بمحافظات أخرى ونلاحظ أن معظم من يؤدون الأغنية التراثية اللحجية يلجأون إلى التحريف إما في القصيدة ككل أو في بعض الكلمات أو تحريف الألحان وعدم إجادتها بأصلها، حيث إن الصوت هو العنصر الأساسي للأداء ونطق الكلمة بطريقة صحيحة، ومن الأسباب أيضاً أن قيادة المحافظة يقع عليهم الاهتمام أكثر بالفنانين والشعراء والملحنين بإحياء الأغنية اللحجية ودعمها وتشجيعها، فلحج أم الفن والتراث أصبحت في سلة المهملات. أما المعالجات فتتمثل في إعادة إقامة الحفلات في لحج وخارجها، ودعم وتشجيع قيادة المحافظة للأصوات - حيث إننا حين نشارك في الاحتفالات لا نلقى حتى كلمة شكر، ونحن دائماً نمثل لحج ونظهرها بمظهر مشرف بمجهودنا الذاتي - وإعادة مهرجان القمندان وضرورة تكوين لجنة لإعداد مثل المهرجانات السابقة، وكذلك بث الحفلات عبر القنوات الفضائية لكي يعرف الكل أن لحجاً مازالت هي المحافظة الفنية الأولى، وضرورة لفت قيادة المحافظة للفنانين وتقديم كل التسهيلات لهم ومعاملتهم كفنانين».

(علوج) تنهش في الأغنية اللحجية

< الفنان محمد عوض شاكر:

«أسباب عديدة أدت إلى تدني وركود بل وتشويه الأغنية اللحجية الأصيلة والمتميزة والخالدة، وأنا هنا سأكتفي بذكر أهمها وهي: ظهور الشوائب البشرية الدخيلة في جسم الأغنية اللحجية التي لا تملك أهم ما ينبغي أن تملكه وهي الموهبة التي تمنحها الصفة الفنية، وأعتبر هذه الشوائب البشرية السالفة الذكر (علوجاً) تنهش في جسم الأغنية اللحجية ومحارق لرموزها، وإلا ماذا يعني ما نراه وما نسمعه منهم؟ لقد أصبح كل من حرك شفتيه مؤدياً وكل من حرك وترين عازفاً وملحناً، وكل من رص كلمتين شاعراً، إن ذلك أمر مؤسف ومحزن، والأنكى والأمرّ منه هو أن هؤلاء الدخلاء على الأغنية اللحجية وجدوا آذانا تستمع إليهم.

أما بالنسبة لكيفية النهوض بالأغنية اللحجية وإعادتها إلى زمنها الجميل الذي عرفت به منذ عشرات السنين فذلك يرجع إلى الجهات المسؤولة .

إذا كانت حقاً جادة في حرصها على النهوض بالأغنية اللحجية وإعادتها إلى زمنها الجميل وأقل ما يمكن أن تقوم به هو تشكيل لجنة من كبار الفنانين وبالذات من صناع زمن الفن الجميل تكون مهمتها إخضاع أصوات هذا الزمن للاختبار وإجازة الصالح منها وعدم إجازة الأصوات التي تسيء إلى سمعة الأغنية اللحجية، هذا كل ما أردت أن أقوله في هذا اللقاء الفني وشكراً لكم في «الأيام» الغراء».

> أخبار متعلقة

تعليقات فيسبوك

Back to top button
زر الذهاب إلى الأعلى